تلويح واشنطن بقائمة الإرهاب.. هل يدفع السودان لتخفيف قمع الاحتجاجات؟

أحمد فضل-الخرطوم

كانت المظاهرات الجديدة التي خرجت يوم الخميس في الخرطوم تحت شعار “موكب الرحيل” اختبارا للسلطات في تعاملها مع المحتجين بعد ساعات من تحذيرات أميركية من أن العنف المفرط لقمع الاحتجاجات سيهدد إزالة السودان من قائمة الإرهاب.
 
وربما كانت الولايات المتحدة هي العامل الذي جعل قائمة ضحايا شهرين من الاحتجاجات قليلة مقارنة بمظاهرات سبتمبر/أيلول 2013 التي استمرت أياما قليلة. وحينها لم يكن ثمة حوار بين البلدين فسقط 85 قتيلا بحسب الحكومة، و200 قتيل وفقا لمنظمات حقوقية.

والآن وفي ظل الحوار مع واشنطن أكثر ما تخشاه الخرطوم، التي تطمح لخروجها من قائمة الإرهاب هذا العام، سقوط المزيد من القتلى لترتفع قائمتها التي تحوي 32 قتيلا، وقائمة الحقوقيين والمعارضة التي تضم 51 قتيلا.

ورفعت الولايات المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول 2017 عقوبات اقتصادية فرضتها على السودان منذ عام 1997، لكنها أبقت عليه في قائمة الدول الراعية للإرهاب لحين الإيفاء بحزمة اشتراطات متعلقة بخمسة مسارات منها حقوق الإنسان والحريات الدينية.

ستارتور ندد في تصريح له في السودان بما سماها القوة المفرطة ضد المتظاهرين (مواقع التواصل الاجتماعي)

أوراق الخرطوم
ويكتسب تهديد واشنطن الذي جاء على لسان مدير شؤون أفريقيا في مجلس الأمن القومي الأميركي سيريل سارتور، الموجود حاليا بالخرطوم، أهمية قصوى لكونه سيدمر سنوات من الحوار السوداني الأميركي لتطبيع العلاقات.

ويقول الباحث في المركز الدولي لاستشراف المستقبل الزمزمي بشير عبد المحمود إن الخرطوم تبقى بلا أوراق ضغط وهي تحاور واشنطن على عكس محاورتها الاتحاد الأوروبي.

ويوضح الزمزمي في حديث للجزيرة نت أبعاد هذه المقارنة بقوله إن التصريح الذي أدلى به سارتور لوكالة الصحافة الفرنسية من الممكن أن يكون مخيفا للحكومة السودانية، لأن أوراقها ضد الولايات المتحدة تتمثل في مكافحة الإرهاب، وهو ملف أصبح محيطه بعيدا في العراق وسوريا والصومال.

ويقول إن واشنطن ليس لها صلات بالسودان على غرار الاتحاد الأوروبي الذي ينظر إلى السودان كـ”بوليس كبير” في مكافحة الهجرة غير الشرعية، وهو ما يعطي الخرطوم مساحات للمناورة والخروج من الضغوط الأوروبية.

مدير شؤون أفريقيا بمجلس الأمن القومي الأميركي:
التطورات الراهنة في السودان تهدد عملية التفاوض بين واشنطن والخرطوم

تراجع العنف
ويرى الزمزمي أن التحذيرات الأميركية من العنف المفرط تجاه المتظاهرين من الممكن أن تكون في مصلحة الخرطوم التي ترى الانتهاكات التي صاحبت تعامل أجهزتها مع الاحتجاجات مجرد تجاوزات من أفراد.

وأجرى سارتور مشاورات مع مسؤولي حكومة الخرطوم خلال اليومين الماضيين، وصرح الأربعاء للوكالة الفرنسية بأنه “من غير المقبول مطلقا أن تستخدم قوات الأمن القوة المفرطة لقمع المتظاهرين إضافة للتوقيفات من دون اتهامات، وكذلك اللجوء للعنف والتعذيب”.

وكان واضحا وهو يقول إن التطورات التي تشهدها البلاد حاليا تهدد عملية التفاوض بين واشنطن وحكومة السودان، والتي قد تؤدي لشطب السودان من قائمة الإرهاب.

لكن الزمزمي يرى أن عنف السلطات تجاه المحتجين تراجع مقارنة ببدايات المظاهرات التي انطلقت يوم 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي.

ويشير الباحث السوداني لتوقيف المتهمين من جهاز الأمن والمخابرات بالتورط في مقتل المعلم أحمد الخير بعد اعتقاله من قرية “خشم القربة” وبلاية القضارف (شرقي السودان)، وهي خطوة -وفقا للزمزمي- ستخيف عناصر القوات النظامية الذين يفضون المظاهرات من مغبة ارتكاب تجاوزات لن يكون الإفلات منها ممكنا.

تحدي الحكومة
ويبقى التحدي أمام الحكومة إيجاد نقطة تتوقف عندها الاحتجاجات التي دخلت شهرها الثالث بلا انقطاع لتشكل أوسع وأشرس حراك شعبي يختبره الرئيس البشير الذي يحكم البلاد منذ ثلاثة عقود ويتطلع لدورة رئاسية أخرى بخوض انتخابات أبريل/نيسان 2020.

بيد أن الحركة الاحتجاجية التي يغلب عليها الشباب من الجنسين، تكسب في كل يوم وسائل وأساليب جديدة تبقي على جذوتها متقدة.

وشهد الموكب المطالب بتنحي البشير يوم الخميس أول مشاركة قيادات قوى “إعلان الحرية والتغيير”، واضطرت السلطات الأمنية لمنع التحام هذه القيادات بالشباب المحتجين عبر اعتقال نحو 15 قياديا.

ومن ضمن من طالهم الاعتقال السكرتير العام للحزب الشيوعي محمد مختار الخطيب، ومريم الصادق المهدي وسارة نقد الله من حزب الأمة القومي، ومحمد وداعة ويحيى الحسين من حزب البعث، ومحمد يوسف من تجمع المهنيين، ووزير الخارجية الأسبق إبراهيم طه أيوب.

واقتاد جهاز الأمن قيادات المعارضة المتبنية للاحتجاجات من أمام مسجد فاروق وسط الخرطوم لدى تأهبها للانضمام إلى الموكب.

 البشير أثناء استقباله مؤخرا صحفيين بالقصر الرئاسي (الصحافة السودانية)

لجنة تقصٍّ
وعلى عكس ما اتبعته في احتجاجات سبتمبر/أيلول 2013، عمدت الحكومة السودانية لتشكيل لجنة تقص برئاسة وزير العدل، في محاولة لتبرئة ساحتها من جرائم قتل المحتجين.

وما زال ملف ضحايا الاحتجاجات التي شهدتها الخرطوم ومدينة ود مدني قبل خمس سنوات سيفا مسلطا على رقبة الحكومة في مجلس حقوق الإنسان في جنيف.

وحتى يوم الخميس، أكد الرئيس عمر البشير لدى لقائه وزير العدل محمد أحمد سالم ثقته التامة في لجنة تقصي الحقائق، والمسار الذي تمضي إليه لتحقيق العدالة.

وطبقا لتصريحات صحفية للوزير، فإنه أطلع الرئيس على عمل لجنة تقصي الحقائق التي يرأسها، قائلا إن اللجنة اطلعت على تقارير من الجهات المعنية، وعقدت لقاءات بالنائب العام ووزير الداخلية على أن تزور الولايات التي شهدت الأحداث.

خيارات الطرفين
وتعمل الحكومة السودانية على تحاشي دفع فاتورة سياسية باهظة وهي تحاول احتواء الاحتجاجات، مما يكلفها الكثير في مساعيها لتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة.

ويمثل الموقف الذي أبداه المسؤول الأميركي محركا لخيارات الشارع والحكومة معا، فربما قوى من عزيمة المحتجين بعد احتجاجات تجاوزت الشهرين بلا نتيجة، وربما دفع الحكومة لتقديم تنازلات دون انتظار توقف المظاهرات.

وينصح الباحث الزمزمي بشير عبد المحمود الحكومة بفتح حوار جاد مع الشباب واقتراح خطوات جريئة بتغيير الأوجه لتنفيس الشارع.

ويقر بأن واحدة من نتائج الاحتجاجات أنه أصبح من الراجح عدم ترشيح البشير في انتخابات 2020 إثر إرجاء البرلمان مناقشة تعديلات دستورية تتيح للرئيس الترشح لولاية رئاسية ثالثة.

ورغم تواصل المسيرات، فإن الزمزمي يرى أن الحكومة استعادت تماسكها، كما أن خطط المحتجين في العصيان المدني لا يبدو أنها ممكنة، والاستمرار في الاحتجاجات أيضا غير ممكن لطبيعة السودانيين الملولة.

ويقول إن انتفاضة 6 أبريل/نيسان استمرت أسبوعين، وإن ثورة 21 أكتوبر/تشرين الأول 1964 تطلبت أسبوعا واحدا فقط، والاحتجاجات حاليا مستمرة لشهرين والنظام لم يسقط.

المصدر : الجزيرة

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *