مبادرة الرئيس تعمق خلافات “الإرث” بتونس

خميس بن بريك-تونس

لم يهدأ النقاش بشأن إعلان الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي عن اعتزامه طرح مشروع قانون يتعلق بالمساواة في الميراث، فرغم تأكيد البعض بأن هذا يكرّس العدالة وينفي التمييز بين الرجل والمرأة، يقول آخرون إنه يفكك الأسرة ويثير الانقسام.

وأعلن السبسي يوم عيد المرأة في 13 أغسطس/آب الجاري -المقترن بإعلان مجلة الأحوال الشخصية عام 1956 في فترة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة– أنه سيطرح أمام البرلمان مشروع قانون يقضي بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة بالميراث.

وهذا الإعلان جاء بناء على مقترحات لجنة الحقوق الفردية والمساواة التي كان شكلها السبسي العام الماضي بغاية إعداد تقرير حول الإصلاحات المرتبطة بالحريات الفردية والمساواة بالاعتماد على بنود الدستور التونسي الجديد والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.

وتقول رئيسة اللجنة بشرى بالحاج حميدة للجزيرة نت إن الرئيس خطا خطوة مهمة لتعزيز المساواة عبر إعلانه تقديم أحد مقترحات اللجنة حول المساواة في الميراث إلى البرلمان للمصادقة عليها، متوقعة بأن يتكون مشروع القانون من فصلين أو ثلاثة.
 
قانون دقيق
وبسؤالها عن الإشكالات التي سيطرحها القانون، قالت حميدة للجزيرة نت إنه سيكون دقيقا وشاملا لكل الحالات وسيرفع جميع الالتباسات، موضحة بأن القاعدة الأصلية في اقتسام الميراث ستخضع لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، على عكس ما كان سابقا.

حميدة: الرئيس خطا خطوة مهمة نحو تحقيق المساواة (الجزيرة)

لكنها أضافت أن مشروع القانون يجيز للأشخاص الراغبين في تطبيق أحكام الشريعة حرية اختيار رفض المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث شريطة أن ينصص المورث أو المورثة على رغبته برفض المساواة بمكتوب قانوني ليتم اقتسام التركة حسب الشرع.

ورغم أن مشروع القانون القادم لن يكون ملزما لتوزيع الميراث وفق قاعدة المساواة بين الرجل والمرأة وسيترك باب الاختيار مفتوحا إما بين القانون الوضعي أو أحكام الشريعة، فإن الشارع التونسي بدا منقسما بين المؤيدين لهذا التمشي والرافضين له مطلقا.

وتظاهر الآلاف السبت الماضي أمام البرلمان بالتزامن مع حركات شعبية أخرى في عدد من المدن رفضا لمقترح اللجنة، بينما خرج مساندون بالآلاف وسط العاصمة تونس الاثنين الماضي تعبيرا عن فرحتهم بمبادرة الرئيس التشريعية المرتقبة.

انقسام مجتمعي
ويحذر غازي الشواشي الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي المعارض من مغبة إثارة الانقسام بالشارع، داعيا إلى مزيد تعميق الحوار حول مسألة توزيع الميراث، والتريث قبل صياغة القانون من أجل الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المجتمع الثقافية والاجتماعية.

الشواشي استبعد التصديق على مشروع القانون خلال هذا العام أو حتى 2019 (الجزيرة)

ورغم أن حزبه أعلن تأييده لتوزيع الميراث وفق منظومتين تتأسسان على مبدأي المساواة بالميراث كقاعدة وحرية اختيار أحكام الميراث وفقا لأحكام الشريعة، فإنه يقول للجزيرة نت إن عملية طرح مشروع القانون الجديد لن تكون سهلة وقد تواجه صدا شعبيا.

كما استبعد أن يقع التصديق على مشروع قانون المساواة في الميراث خلال هذا العام أو حتى العام القادم، موضحا أن 2019 سيكون موعد إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية ناهيك عن توتر الوضع السياسي راهنا.

تفكيك الأسرة
أما عبد المجيد النجار رئيس المركز العالمي للبحوث والاستشارات العلمية، فيرى أن مبادرة الرئيس لن تكون مفيدة للمجتمع بل ستعزز الانقسام وتفكك روابط الأسرة وتزرع الشكوك والضغوطات والابتزازات داخلها، بحسب تعبيره.

ويوضح للجزيرة نت بأن سماح القانون بتوزيع التركة أو الميراث بالتساوي سيدخل الفتنة والتشويش ويربك العلاقات داخل الأسرة، فضلا عن أن فيه مخالفة صريحة لما جاء من أحكام في الدستور لا سيما الواردة في توطئته التي تنص على المرجعية الإسلامية، والفصل الأول منه الذي ينص على أن الإسلام دين الدولة.

النجار: القانون يخالف أحكام الشرع والدستور (الجزيرة)

ويقول “هذا القانون يخالف أحكام الشرع ويخالف أحكام الدستور، ولا يمكن للرئيس المحمول عليه الدفاع على احترام تطبيق الدستور أن يخرقه” معتبرا أن تغيير أحكام الشرع سيحول المجتمع المسلم إلى أقلية.

ولم تعلن بعد حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية (أكبر كتلة برلمانية) موقفها الرسمي تجاه طرح مشروع القانون، لكنها رئيسها راشد الغنوشي عبر للسبسي عن عدة احترازات في تقرير لجنة الحقوق والمساواة تشمل مسألة الميراث.

يُشار إلى أن مشروع القانون يحتاج لأغلبية مطلقة داخل البرلمان (109 صوتا) ليحصل على المصادقة، وبالتالي يبقى تمريره رهين سياسة التوافق بين أكبر كتلتين برلمانيتين (حركة النهضة وحزب نداء تونس).

المصدر : الجزيرة

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *