كيف ستُخرج الرياض نفسها من قضية خاشقجي؟
|عبدالله العمادي
قوة دفع ملحوظة بدأت تنشط وتتشكل على أرض أقوى حلفاء المملكة العربية السعودية، إنها أرض الولايات المتحدة الأميركية.
إنها أشبه بكرة ثلج تتدحرج من عل، وتكبر شيئاً فشيئاً وتتحرك في أوساط الاقتصاديين ورجال الأعمال والمؤثرين في القرار الأميركي، في طريقها لقطع عدد من الروابط مع السعودية، تمهيدا لخطوات أخرى تبدو أنها ستكون موجعة، في حال كانت قوة الدفع تلك كافية للضغط على صاحب القرار الأميركي لاتخاذ إجراء يتناسب مع قسوة ووحشية التعامل الرسمي السعودي مع مواطن مدني أعزل، كان سلاحه قلما ليس أكثر.
صارت السعودية اليوم من الموضوعات الرئيسية التي تشغل بال وسائل الإعلام الأميركية، منذ انتشار خبر اختفاء الكاتب الصحفي جمال خاشقجي وشيوع خبر تصفيته في قنصلية بلاده في إسطنبول.
عبارات اللوم بدأت تنهال على البيت الأبيض تحديداً، باعتبار أن ساكنه يتحمل قسطاً كبيراً من مسؤولية اندفاع القيادة الحالية للسعودية للسير على نهج وأسلوب معين تحت شعار الإصلاح، حتى وإن كان فيه الكثير من التجاوزات؛ من قبيل مطاردة وقمع واعتقال كل صاحب رأي مخالف، وتطبيق منهج الرأي والرأي نفسه بالقوة، حتى كانت آخر الأمثلة على ذلك ما جرى للكاتب الصحفي خاشقجي في قنصلية السعودية على الأراضي التركية.
لم تكن الرياض تحسب حساب تبعات ونتائج اتخاذ قرار خنق صوت معارض بالخارج، ولم يهتم صاحب قرار تعقب واعتقال أو تصفية خاشقجي، لما يمكن أن تؤول إليه الأمور، مستنداً إلى وقائع سابقة شبيهة، كخطف أمراء ومعارضين وتصفيتهم بصور متنوعة، والتي كانت تنتهي بهدوء، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.
لكن يبدو أن الجرّة لا تسلم كل مرة، وأزمة خاشقجي التي يعيشها العالم حالياً، ربما تكون هي هذه المرة التي كُسرت فيها الجرة السعودية، وفاض ما بها.
إذ تبدو الأمور متجهة لأن تدفع المملكة هذه المرة ثمناً غالياً ليس له نظير، والأمور في تعاظم وتعقيد؛ فكيف ستخرج الرياض منها؟ أو ما السيناريوهات المتوقع حدوثها؟
اللوم ينهال على البيت الأبيض باعتبار أن ساكنه يتحمل قسطا كبيرا من مسؤولية اندفاع القيادة الحالية للسعودية (رويترز) |
ما يجري على الساحة الأميركية والأوروبية، كنوع من التفاعل مع قضية خاشقجي، يشير إلى أن الوقت الذي تم منحه ضمنياً لولي عهد السعودية، منذ أن قام يبشر بخططه للقيام بإصلاحات جذرية في بلاده، بدأ ينفد ويمضي دون نتائج متجسدة على أرض الواقع كما كان يبشر بها.
بل وجدوا أن الأوضاع منذ سيطرته على مقاليد الأمور في البلاد تتعقد وتتأزم، بدءاً من كارثة حرب اليمن، مروراً بأزمة الخليج وحصار قطر، وحملات القمع الداخلية ضد المعارضين من الأمراء وقادة الفكر والدعاة من الإسلاميين وغيرهم، وصولاً إلى توترات إقليمية ودولية.
في إشارة إلى أن ديكتاتورية شابة جديدة متهورة قد نشأت سريعاً تحت مرأى ومسمع الغرب نفسه، وإن كان يدرك ويتوقع ذلك مبكراً، ولكن لم يكن مع ذلك يتوقع هذا الغرب أن تتفاقم الأمور وتتعقد كما الوضع الحالي، وتصل شرارات من التهور إليهم، كالأزمة السعودية الكندية، ومن قبلها الأزمة مع ألمانيا، حتى أتت قضية اختفاء أو تصفية خاشقجي لتكون أبرزها وآخرها، دون أي ضمانات لعدم حدوث أزمة أو كارثة جديدة.
وهذا -ربما- يفسر التغير الحاصل الآن في المزاج العام الغربي في أوروبا وأميركا، مثلما علق رئيس تحرير موقع “ميدل إيست آي” البريطاني ديفيد هيرست على القضية، قائلاً إذا كان تصرف ولي العهد السعودي بهذا الشكل بعد 16 شهرا فقط في الحكم، فماذا سيحدث عندما يعتلي العرش؟
نعم، لا أحد يدري ما الذي سيحدث، وهذا الذي دفع ناشطين ومؤثرين وأصحاب قرار في الولايات المتحدة -وكذلك أوروبا- للتوجه نحو اتخاذ موقف واضح وحازم من محمد بن سلمان كفرد، ومن ثم السعودية كدولة ونظام.
ولعل كثرة الانسحابات العلنية من مؤتمر “دافوس الصحراء” الاقتصادي المقرر عقده أواخر الشهر الجاري بالرياض؛ أحد أبرز الأنشطة المعبرة عن تغير المزاج الغربي نحو السعودية، والمناداة بضرورة وضع حد لمغامرات محمد بن سلمان، كما ذهب إلى ذلك الكاتب “نيكولاس كريستوف” في نيويورك تايمز أمس الأحد، بعد أن عاتب بلاده لأنها من صنعت تهور محمد بن سلمان وطيشه.
وأضاف الكاتب أن المكان المناسب لولي العهد السعودي ليس استقباله على عشاء رسمي، بل يوضع في زنزانة منفردة بالسجن، مطالباً دول الناتو بسحب سفرائها من السعودية، وتعليق مبيعات الأسلحة إليها، وأن تقوم حكومة الولايات المتحدة بالتحقيق في القضية وتطبيق قانون “ماغنيتسكي”، وأن تكون على استعداد لفرض عقوبات على المسؤولين حتى بن سلمان نفسه.
كما على الولايات المتحدة أن توضح للعائلة المالكة وجوب البحث عن ولي عهد جديد. فماذا عسى أن تفعل الرياض أمام هذا الضغط الغربي؟ وكيف السبيل للخروج من ورطة كانت في غنى عنها؟
المصدر : الجزيرة