الحماة التي أحبها الجميع.. غوغل يحتفي بماري منيب
|ياسمين عادل-القاهرة
بصورة كاريكاتورية تبعث على البهجة وتعيد للقلب شعورا بالدفء وحنينا لأيام طيبة ولت منذ زمن، احتفى محرك البحث غوغل بالذكرى 114 لميلاد الفنانة “الأيقونية” الراحلة ماري منيب.
مأساة تسببت في ميلاد فنانة لن تتكرر
اسمها الحقيقي “ماري سليم حبيب نصر الله”، من أصول شامية، ولدت عام 1905، وبعد فترة انتقلت بصحبة والدتها وشقيقتها الوحيدة أليس إلى الإسكندرية للبحث عن والدهما الذي انقطعت أخباره بعد خسارته أمواله بالبورصة، وهو ما لم يستطع تحمله ليفارق الحياة.
وعلى غير المتوقع، لم تعد الأسرة إلى الشام، بل سافرت الأم بابنتيها إلى القاهرة، حيث استأجرت شقة في حي شبرا، واعتمدت على مساعدات مادية تمنحها الكنيسة، وعملت الأم بمهنة الحياكة.
من راقصة إلى مطربة فممثلة
خلال السنوات التالية لم تبد مارى اهتماما بالتعليم، فأخرجتها والدتها من المدرسة، وبسبب مواهبها الفنية عملت في 12 من عمرها راقصة ومطربة في ملاهي روض الفرج، حيث اشتهرت برقصة “القلل”.
بعدها انضمت لفرقة “فوزي الجزايرلي”، وذات ليلة مرضت ابنته التي كانت تلعب دورا محوريا في المسرحية، فقدمت منيب الدور بدلا منها، وأشاد بها الجميع، مما أشعل غيرة إحسان الجزايرلي، فظلت تكيد لها، حتى تركت منيب الفرقة، وانضمت لفرقة علي الكسار، ثم انتقلت إلى الإسكندرية والتحقت بفرقة أمين عطا الله، لتخرج من دور الكومبارس الذي لازمته في فرقة الكسار.
زواج الحب وزواج الواجب
تزوجت منيب مرتين: الأولى عن حب، والثانية عن شعور بالواجب، فكانت التجربة الأولى أثناء سفر الفرقة إلى الشام لتقديم أحد العروض، حيث تعرفت على زميلها المونولوجيست فوزي منيب، فوقعت في حبه من النظرة الأولى، حتى أنهما تزوجا على متن القطار بعد دقائق من تعارفهما، ومع الوقت غيرّت اسمها لتصبح ماري منيب، وأنجبت ولدين، واستمرت في التمثيل مع الفرقة.
وبينما كانت تعتقد أنها تعيش أفضل أيام حياتها، فوجئت أن زوجها تزوج سرا من زميلتهما بالفرقة نرجس شوقي، فانفصلت عنه وتركت الفرقة، لتبدأ من جديد من الصفر.
وهكذا انضمت لفرقة يوسف وهبي، وقدمت معه مسرحية “بنات الريف”، ولما كانت لا تميل للأدوار التراجيدية التي تشتهر بها الفرقة، سرعان ما تركتها لتعاود البحث عن انطلاقة تشبهها.
في تجربتها الثانية كان زواجها نابعا من شعورها بالمسؤولية، حيث تزوجت المحامي عبد السلام فهمي زوج أختها الراحلة، لتربي أبناء شقيقتها معه، قبل أن تنجب منه ولدين وابنة.
ومع أنها ظلت كل ذلك الوقت تعتنق المسيحية، فإن متابعتها الشعائر الدينية التي يقوم بها زوجها واستماعها لآيات القرآن الكريم تتلى بالمنزل وتدبرها إياها، جعلها تُشهر إسلامها عام 1937، وتغير اسمها فتصبح أمينة عبد السلام نسبة لزوجها، لكن دون أن تغير اسمها الفني.
الحلم أصبح حقيقة
كان الالتحاق بفرقة “نجيب الريحاني” حلما طالما راود ماري؛ إذ حاولت الانضمام إليها في بداياتها فقوبلت بالرفض من الريحاني لصغر سنها، وفي بدايات الثلاثينيات أعادت المحاولة فرفضها ثانية، قبل أن يتوسط لها شريك رحلته بديع خيري، فيقرر الريحاني منحها دورا صغيرا في مسرحية “الدنيا لما تضحك” عام 1934، وهو ما أثبتت من خلاله جدارتها لتصبح عضوة رسمية بالفرقة.
وبفضل إجادة منيب التمثيل والرقص والغناء، وجدت فرقة الريحاني فيها ضالتها، فقدمت معها عروضا كثيرة ناجحة، أشهرها أوبريت “العشرة الطيبة” و”30 يوما في السجن”، ومسرحيات “أحب حماتي”، و”عريس في إجازة”، و”استني بختك”، و”الستات ما يعرفوش يكدبوا”، و”أم رتيبة”، كما اشتركت مع الريحاني في أفلام مثل “سي عمر”، و”أبو حلموس”، و”لعبة الست”.
الحماة التي أحبها الجميع
أما بدايات منيب في السينما جاءت على يد بشارة واكيم، الذي رشحها لمخرج يوناني قدمت معه أول أفلامها “ابن الشعب” عام 1934، ليمتد مشوارها في ما بعد ويتجاوز رصيدها مئة فيلم.
ولأن منيب اشتهرت بتقديم أدوار الحماة القاسية بالمسرحيات بنكهة خاصة ميزتها، حيث جسدته بشكل كوميدي وأداء سهل ممتنع؛ صارت الأفلام تكتب لها خصيصا، وهو ما لم يحدث من قبل مع أي ممثلة أخرى، وهكذا حصلت منيب على لقب “أشهر حماة بالسينما المصرية”، بعد رصيد من الأعمال الكوميدية، منها “حماتي ملاك”، و”حماتي قنبلة ذرية”، و”الحموات الفاتنات” وغيرها، وإن كان ذلك لم ينتقص من قدرتها على تقديم أدوار تراجيدية برعت فيها أيضا.
فنانة حتى آخر يوم في حياتها
في عام 1949 توفي الريحاني، فما كان من منيب وبديع خيري إلا أن حملا على عاتقهما مسؤولية استمرار الفرقة، وهو ما نجحا بفعله، لتظل منيب واقفة على خشبة المسرح حتى آخر يوم في حياتها حرفيا.
فبعد أن جسدت دورها في مسرحية “خلف الحبايب” في 21 يناير/كانون الثاني 1969 عادت لمنزلها وقضت ما تبقى من الليل مع أسرتها، ومع حلول الصباح توقف قلبها لترحل عن الحياة، لكن بعد أن خلدت سيرتها في أذهان جمهور أحبها ولم ينسها يوما، بفضل إرث ضم أفضل كلاسيكيات السينما العربية.
المصدر : الجزيرة