دراسة أكاديمية تسلط الضوء على الرسوم الكاريكاتورية لـ”العرب” وتأثيرها في القضايا الراهنة

18

سلطت دراسة أكاديمية بعنوان “خطاب الصورة” للدكتور خليل عودة بجامعة النجاح الوطنية الفلسطينية الضوء على الرسوم الكاريكاتورية وتأثيرها في قضايا الوطن العربي الراهنة باعتبارها من الوسائل التعبيرية المؤثرة التي قد تكون ايحاءاتها ودلالاتها أكثر تأثيراً من الكلمة ودلالاتها وذلك باعتبار أن الصورة المرئية تختزل كثيراً من المعاني والقضايا في رموز ايحائية تعجز كلمات كثيرة عن الإحاطة بها.

وفي هذا الإطار ركز الأكاديمي الفلسطيني خليل العودة على رسومات الكاريكاتير الخاصة بالزميل أحمد عارف والتي ينشرها في صحيفتنا الموقرة “العرب” أول صحيفة قطرية يومية سياسية تأسست في العام 1972.

وقال الدكتور العودة في دراسته إن “أشكال الصورة وأنماطها التعبيرية تتعدد، فهناك من يشكل صورة فوتغرافية استناداً إلى حدث معين، ويقدم الصورة من زاوية خاصة يبرز من خلالها فكرة أو دلالة إيحائية لا تستطيع الكلمات المجردة أن تؤديها، وهناك من يشكل صورة تشكيلية أو جرافيكية بأبعاد ثلاثية أو غير ثلاثية، ولكنها تحمل دلالات إضافية من خلال الأبعاد التي تتشكل منها، وهناك من يقدم الصورة الكاريكاتورية المليئة بالشحنات التعبيرية من خلال التبئير أو التضخيم لبعض الرموز التي تتشكل منها
الصورة، والتي يحاول الفنان توجيهها بوعي وقصد للمتلقي الذي يتفاعل مع هذا التشكيل الفني الذي يجمع بين الإمتاع والإقناع، وعن طريق هذا التفاعل يصبح الوعي بمضمون الصورة ودلالاتها أقوى من التعبير النمطي العادي، فمن غير شك “أن الطبيعة الرمزية المصورة بأجناسها كافة، هي التي دفعت إلى القول بأن صورة واحدة تساوي ألف كلمة”.

وأوضح أن الصورة الكاريكاتورية في مقدمة الصور البصرية التي يركز عليها الإعلام المعاصر باعتبارها تمثل خطابًا مستقلاً واعياً قد يجمع بين اللغوي وغير اللغوي، فالوعي الفكري يعتمد الصورة ومكوناتها، بدلاً من اللغة ومعطياتها، ويَعتمد الصورة البصرية بدلاً من الصورة الذهنية المجردة، وهي صورة غنية بايحاءاتها ورموزها ودلالاتها، وقدرتها على التأثير، لأنها تجمع بين التعبير الساخر، والايحاء المعبر.

وأضاف “في هذا السياق تعتبر الصورة الكاريكاتورية نظامًا سيميائيًا منسجمًا دالاً يجمع بين ما هو لغوي وما هو غير لغوي للتعبير عن هموم الحياة العامة”.

وأشار الدكتور خليل العودة إلى أن الصورة قد تكون بسيطة في دلالاتها وتعبيراتها، ولكنها تحمل الكثير من المضامين الفكرية والدلالات الرمزية، والايحاءات السيميائية التي تؤثر في المتلقي بطريقة عفوية، وتدفعه إلى القبول بها دون تفكير أو مراجعة، لانها على الأقل حققت له متعة المشاهدة أولاً والأقتناع بمحتواها ثانيًا، وهذا ما يحدث في رسومات الكاريكاتير التي تستطيع بذكاء إمتاع القارىء بالرسومات البسيطة المعبرة، والتفاعل مع الفكرة بعد أن تكون الصورة قد استمالته إليها، وقربته من مضمونها.

وأردف أن بحثه الذي يحاول من خلاله رصد خطاب الصورة من خلال صور الكاريكاتير التي قدمها الزميل الفنان أحمد عارف في “العرب”، هو محاولة للكشف عن الدلالات السيميائية والفنية في الخطاب الموجه في صورة الكاريكاتورية ذات المضامين والابعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تخص قطر بشكل خاص، والمنطقة العربية بشكل عام.

ومن أبرز ما تناوله وركز عليه الدكتور العودة في بحثه ودراسته لرسومات عارف (المشهد الحلبي والسوري، المشهد الفلسطيني، المشهد المصري، المشهد الدولي).

-المشهد الحلبي:


يأتي المشهد الحلبي في صدارة الاهتمام نظرا لأن المحافظة السورية المنكوبة كانت محور اهتمام عالمي وشغلت الرأي العام العربي والدولي على مدار سنوات منذ بدء الثورة السورية حيث انطلقت منها شرارة بدء الاحتجاجات ضد نظام بشار وبدورها كانت حاضرة بقوة في الرسومات الكاريكاتورية للعديد من الفنانين ومنهم عارف الذي أفرد لها مساحة خاصة من إبداعاته واستطاع من خلال تعبيراته البصرية مخاطبة القراء في قطر والوطن العربي وإبراز معاناة اهل المدينة الشهباء التي تغيرت معالمها واتشحت بالسواد.


الدور الروسي في سوريا  


ورصد الدكتور العودة من خلال بحثه جانبا آخر للمشهد السوري والمتمثل في التدخل الروسي وانعكساته
حيث أشار إلى تركيز الفنان أحمد عارف من خلال رسوماته على الدور الروسي في المشهد السوري وبشكل خاص في مأساة حلب، والذي أظهر حلب المحاصرة يفترسها الدب الروسي.   

وأوضح أن عارف ركز بشكل خاص على تصميم الدب الروسي وأبرز أنيابه ومخالبه، والدماء التي تسيل من فمه، وتلاعب بالألوان بشكل واضح فقد عكست الألوان التي استخدمها في المخالب والأنف (اللون الأزرق) واللسان والعينين (اللون الأحمر) والأسنان (اللون الأبيض) العلم الروسي بدلالاته وأبعاده الرمزية التي تعني الموت والدمار والقسوة والعنف إلى غير ذلك من المعاني التي شكلتها الألوان المستخدمة في الرسم الكاريكاتوري.. حسب تعبيره.


وواصل الدكتور خليل العودة التركيز على الشأن السوري بالانتفال من المشهد الخاص (حلب) إلى المشهد العام (سوريا)، من خلال عرض مأساة أطفال سوريا الذين يواجهون حالات الرعب والخوف والاضطهاد والقتل، ومحاولة عارف من خلال رسوماته إظهار الدور الخارجي في المأساة كما يظهر في المشهد الذي يقدمه، فالدب الروسي يلتهم الطفل السوري، وتظهر بوضوح في المشهد مخالب الدب الروسي وأنيابه، والدماء التي تغطيهما، وحول الدب تجلس أمريكا تحتسي مشروباً، وقد أدارت ظهرها للعالم في إشارة واضحة لعدم المبالاة بما يحدث، وإلى جانبها الاتحاد الاوروبي يلهو أيضاً ببالون يحمل صورة الكرة الأرضية.

وفي صورة أخرى أشار العودة إلى استحضار الفنان عارف صورة الطفل السوري الملقى على شاطئ
البحر، ويجمع بينه وبين أطفال آخرين تبدو على وجوههم آثار العنف والمرض والبؤس،منوها إلى جمع الأخير بين المشهد التصويري والتعبير الكتابي “أطفال سوريا مسؤولية العالم”واستخدام اللغة هنا يعكس مدى تأثر الفنان بالمشهد، ومحاولة تبسيط الفكرة. 

واستمراراً لإظهار الدور الروسي في المأساة السورية من خلال رسومات عارف، يظهر الدب الروسي على ظهر دبابة تسير على جماجم السوريين، وهو لا يلتفت إلى العالم من حوله، وخلف الصورة تحاول المنظمات الدولية إيقاف الآلة العسكرية الروسية التي تسير باتحاد سوريا لخلق الدمار والقتل، وتبدو محاولات المنظمات الدولية عديمة الجدوى أمام إصرار الدب الروسي على استكمال عملية القتل والدمار التي يقوم بها.

وفي مقابل محاولات المنظمات الدولية إيقاف العمل العسكري ضد سوريا يظهر الرئيس السوري في مشهد آخر يتبادل فيه الدور مع الدب الروسي في الصراع الدموي ضد سوريا، وتبدو سوريا في المشهد تتلقى الضربات من اللاعبين الأساسيين في حلبة الصراع.

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

error: Content is protected !!