فورين بوليسي: لماذا تعتبر البلقان معقلا للإسلاموفوبيا العالمية؟

تعتبر منطقة البلقان معقلا للإسلاموفوبيا العالمية، إذ ظل المتعصبون القوميون واليمينيون الغربيون المعادون للإسلام يتدفقون إليها منذ فترة طويلة لصقل أفكارهم المتعلقة بالتعصب ضد المسلمين، حتى أن سفاح نيوزيلندا برينتون تارانت استخدم أغنية معادية للإسلام من تلك المنطقة، كما دوّن على سلاحه الناري عبارة قادمة منها.

ورد ذلك في مقال للكاتب الصحفي اليوناني يانيس بابولياس بمجلة فورين بوليسي قال فيه إن هذا التدفق مستمر على الرغم من انتهاء الحروب والإبادات الجماعية منذ زمن بعيد في شبه جزيرة البلقان، إذ تلعب المذابح الجماعية وذكرى الصراعات هناك دورا أكبر في تغذية هوية اليمين المتطرف، مما يجعل أي شخص يمتلك فكرا متطرفا ضد الإسلام يتجه نحو منطقة البلقان الآيلة للانفجار.

ساحة معركة مركزية
وبين الكاتب أن مسار الأحداث بات واضحا للعيان، ولا سيما أن اليمين المتطرف يتخيل البلقان ساحة معركة مركزية على الرغم من كونها تمثل موطنا لأكبر عدد من المسلمين خارج آسيا وأفريقيا.

ووفقا لمصطلحات اليمين المتطرف الرائجة -فضلا عن تصريحات رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان- فإنه يعتبر “الأتراك” خطرا إسلاميا إقليميا، وينظر للاجئين على أنهم غزاة هدفهم إسقاط “الحضارة اليهودية المسيحية”.

وتطرق بابولياس إلى العبارات التي دونها سفاح نيوزيلندا على سلاحه الناري مثل عبارة “تيركوفاغوس” التي تعني “ملتهم الأتراك”، والتي تشير إلى المقاتلين الذين لعبوا دورا كبيرا في ثورة اليونانيين ضد العثمانيين سنة 1821.

سفاح نيوزيلندا دون على سلاحه الناري عبارة مأخوذة من منطقة البلقان تعني هناك “اقتل كل من هو غير مسيحي ويعني المسلمين” (رويترز)

إحياء عبارات سوداوية
وأضاف الكاتب أن العبارة المستخدمة من قبل سفاح نيوزيلندا تنطوي على معان أكثر سوداوية، حيث اعتمد المقاتلون السابقون كلمة “تيركوفاغوس” للدلالة على كل من يقتل شخصا ليس مسيحيا، سواء كان مسلما أو يهوديا، لكن جماعات اليمين المتطرف والقوميين باتوا يطلقونها على كل شخص يقتل مواطنا مسلما.

وقال إنه من المرجح أن تارانت صادف هذا المصطلح في منطقة البلقان خلال السنوات القليلة التي سبقت الهجوم، بما في ذلك الجبل الأسود وصربيا والبوسنة وكرواتيا وبلغاريا، فضلا عن إقامته في اليونان لأكثر من أسبوعين.

وتبدو رحلات السفاح النيوزيلندي بمثابة “جولة” كبرى في مخيلة الغربي المتطرف الذي يركز على حروب البلقان في حقبة التسعينيات، والتي وضعت أسسها على تحريض مسيحيي المنطقة ضد المسلمين.

وفي حديثه عن الموسيقى والأغاني المعادية للإسلام في منطقة البلقان، يقول الكاتب إن مصطلح “تركي” لا يزال يستخدم لازدراء المسلمين، ويمكن تبين وجود أغنية من منطقة البلقان ضمن الأغاني التي استمع إليها تارانت قبل الهجوم، ففي إحدى الأغاني الصربية التي تمجد رادوفان كاراديتش مجرم الحرب ضد مسلمي البوسنة ترد عبارة “يجب قتل الأتراك”.

مصدر إلهام عالمي
وذكر بابولياس أن وزير خارجية كوسوفو السابق بيتر سيليمي نشر عقب مذبحة نيوزيلندا تغريدة جاء فيها “يبدو أن الحروب والإبادة الجماعية التي ارتكبها صربيون في كوسوفو والبوسنة أصبحت مصدر إلهام لليمين المتطرف في جميع أنحاء العالم”.  

وأفاد الكاتب بأن الدول المجاورة للبلقان تتشارك عبء انتشار الفكر المتشدد ضد المسلمين، مشيرا إلى أن مشاركة اليمين المتطرف في حروب التسعينيات أمر لا جدال فيه، فضلا عن مساهمة الجماعات اليمينية المسلحة والمتطوعين الدوليين في القتال ضد المسلمين، ولم تكن أوكرانيا كذلك بمنأى عن هذه التجاذبات، حيث تطوع النازيون الجدد للقتال في كلا الجانبين، ناهيك عن عودة بعضهم إلى مسقط رأسهم في محاولة للمشاركة في الاحتجاجات والسيطرة عليها.

حرب البلقان في التسعينيات كانت حاضرة في مخيلة اليمين المتطرف لتكون بذلك الحالة الأولى والوحيدة في التاريخ الحديث التي نشب بسببها صراع على التراب الأوروبي بسبب الدين

وأوضح أن أحداث الحرب بالبلقان التي دارت خلال الفترة الممتدة بين عامي 1992 و1995 كانت حاضرة في مخيلة اليمين المتطرف، لتكون بذلك الحالة الأولى والوحيدة في التاريخ الحديث التي نشب بسببها صراع على التراب الأوروبي بسبب الدين، ونتيجة لذلك تم إحياء الإسلاموفوبيا التي لطالما كانت منتشرة تاريخيا.

اليونان معقل كبير
كذلك أشار بابولياس إلى أن حزب النازيين الجدد اليوناني “الفجر الذهبي” يضم مجموعة من المتطوعين المتطرفين، وأصبح محورا للحركات اليمينية المتطرفة في جميع أنحاء العالم بفضل نجاحه الانتخابي سنة 2012، وعلى مدى سنوات حاول الباحثون تتبع حركات هؤلاء الأعضاء، ليتأكدوا أنهم كانوا شاهدين على أحداث مذبحة سربرنيتسا التي راح ضحيتها أكثر من 8000 بوسني مسلم، كما أن هناك احتمالا في مشاركتهم في تنفيذها.

ونقل بعض المتطوعين الآخرين تجاربهم في حرب البلقان إلى المجال السياسي ببلدانهم، حيث نجد جماعات بلغارية مسلحة تجوب المناطق القريبة من حدود بلادها مع تركيا لمنع اللاجئين من العبور إلى أراضيها، فضلا عن تنامي نشاط جماعات مماثلة في اليونان وإلى شمال أوروبا لوضع حد لتدفق المهاجرين، مثل حركة “تشيتنيك” في البوسنة.

وأوضح الكاتب أن هناك سببا آخر يجعل البلقان مركزا لعقيدة اليمين المتطرف يتمثل في حقيقة كون البلقان لا تزال منطقة ذات حدود عرقية ووطنية متنازع عليها.

وفي الوقت الذي يعمل خلاله القوميون المتطرفون على تجييش الأقليات حول العالم يبدو أنهم يرون في البلقان مسرحا قادرا على احتواء حربهم على الإسلام.

وخلص الكاتب إلى القول إن مواقع التواصل الاجتماعي ومنابر إعلامية مثل موقع “بريتبارت” الإخباري الأميركي مثلت بيئة رقمية تحتضن نشاطات اليمين المتطرف الإلكترونية، وأتاحت لهم فرصة امتلاك شبكات عالمية خاصة بهم.

المصدر : فورين بوليسي

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *