في ذكرى رحيله.. 5 أفلام لأحمد زكي عارضت السلطة

حسام فهمي
 
في 27 مارس/آذار 2005 رحل عن عالمنا الممثل المصري الكبير أحمد زكي الذي يعتبره نقاد واحدا من أفضل الممثلين في تاريخ السينما المصرية.

لم يحارب زكي سرطان الرئة فقط، بل حارب أيضا المحسوبية والصورة النمطية للبطل السينمائي في عقول المنتجين، وتمر اليوم الذكرى الـ14 لرحيله، حيث تستمر أدواره الخالدة بالتأكيد على موهبته العبقرية.

وفي رحلة زكي الممتدة اخترنا لكم اليوم 5 أفلام سياسية تعاون زكي من خلالها مع مخرجي وكتاب جيله، ليخلقوا محتوى معارضا للسلطة ومنحازا إلى الجماهير، وهو محتوى يمكننا الاستشهاد به لوصف الحياة في مصر حتى اليوم.


البريء 1986: آلة لخدمة القمع
يمثل الفيلم التعاون السياسي الأول بين أحمد زكي والمؤلف المصري وحيد حامد والمخرج المصري عاطف الطيب، الفيلم تم تأليفه بعد أن استوحى وحيد حامد فكرته من جندي ضربه شخصيا خلال مظاهرات يناير/كانون الثاني 1977 التي عرفت عقب ذلك بانتفاضة الخبز.

في الفيلم يجسد أحمد زكي دور “أحمد سبع الليل” الفتى الساذج الذي لم يغادر قريته طوال حياته، ثم يتم استدعاؤه لأداء الخدمة العسكرية الإجبارية، ونظرا لجهله يتم اختياره للخدمة في أحد المعتقلات السياسية.

يشارك في بطولة الفيلم أيضا محمود عبد العزيز في دور القائد العسكري “توفيق شركس”، الرجل الذي يشرف على تعذيب مفكري مصر وعلمائها في المعتقل، في حين يبدو خفيف الظل والروح في لهوه مع أطفال عائلته.

وبالإضافة إلى ذلك يشارك ممدوح عبد العليم في دور “حسين وهدان”، الشاب المثقف الذي يمثل بوصلة أخلاقية بالنسبة للجندي أحمد سبع الليل، فحينما يراه سبع الليل وسط المعتقلين السياسيين ينقلب ويتمرد ويرفض أن يستمر في التعذيب.

وتنتهي نسخة الفيلم التي عرضت للجمهور في السينمات المصرية باستسلام أحمد سبع الليل وعودته إلى عزف الناي فوق برج الحراسة، في حين تنتهي النسخة الأصلية بتمرده وحمله السلاح وإطلاقه وابلا من الرصاص على كل العاملين في المعتقل.

النجم زكي برفقة المطربة اللبنانية ماجدة الرومي (الأوروبية)

زوجة رجل مهم 1988: الأثر النفسي للسلطة
في فيلم “زوجة رجل مهم” يقدم المخرج محمد خان فيلمه السياسي الأهم، يبتعد خان برفقة المؤلف رؤوف توفيق عن المباشرة، فلا يتناولان السلطة بمفهومها الواسع، ولكنهما يخلقان بورتريها شخصيا لتأثير السلطة في النفس البشرية.

الفيلم يمثل أيضا ذروة تألق أحمد زكي في التجسيد النفسي المحكم لشخصية ضابط مباحث أمن الدولة، الرجل الذي كان شغوفا بالزي العسكري منذ أن كان طفلا، ثم وجد فيه الوجاهة الاجتماعية والحماية، فأصبحت السلطة جزءا من شخصيته لا يمكنه الاستغناء عنه.

يصنع خان فيلمه هنا متأثرا أيضا بانتفاضة يناير 1977، فيفقد الضابط سلطته حينها ويتخلى عنه رؤساؤه، فلا يجد سوى زوجته ليمارس سلطته عليها، تلك الزوجة المستكينة المحبة لصوت عبد الحليم حافظ، بكل ما تمثله من نقيض لشخصية ضابط أمن الدولة.

الهروب 1991: عن لعبة الإلهاء والتصفية

في عام 1991 صنع أحمد زكي فيلمه السياسي الثاني مع عاطف الطيب، يشاركهما هذه المرة الكاتب مصطفى محرم، تدور أحداث الفيلم حول منتصر، الشاب الصعيدي الذي ينهي خدمته العسكرية ليعمل مع زميله في الجيش في مكتب سفريات، يكتشف منتصر عقب ذلك أن هذا المكتب ما هو إلا واجهة لعملية نصب على العمال الحالمين بلقمة العيش في الخليج.

يجد منتصر نفسه محاصرا بين خيانة زوجته وأصدقائه وبين رغبة الشرطة في استخدام قضيته لإلهاء الرأي العام عن قضية سياسية، يتعاطف ابن قريته الضابط سالم (يقوم بدوره عبد العزيز مخيون) معه، ويرغب في كشف المجرمين الحقيقيين وراء القضايا التي تورط فيها، لكن الداخلية تقرر تصفية منتصر وسالم معا.

في “الهروب” يقدم زكي تجسيدا صعيديا بعيدا عن الكاريكاتورية، تجسيد يعتمد على نظرات العيون ولغة الجسد أكثر من اعتماده على اللكنة الصعيدية أو الحوار النمطي، ليصبح منتصر نسخة متطورة عن أحمد سبع الليل، هذه نسخة مرت بتحولات الخدمة العسكرية ونضجت تحت نار السلطة ومطرقة الخيانة.

ضد الحكومة 1992: عن المجرمين الكبار لا الصغار
في فيلمه السياسي الثالث مع عاطف الطيب يقدم أحمد زكي شخصية “مصطفى خلف” المحامي الفاسد الذي تدفعه قضية حادثة قطار وأتوبيس مدرسي إلى مقاضاة الحكومة.

في “ضد الحكومة” -الذي كتب له السيناريو والحوار الكاتب المصري الموهوب بشير الديك- يوجه مصطفى خلف الاتهام مباشرة للمجرمين الكبار، للحكومة، ويضعها أمام مسؤوليتها التي تتنصل منها ويحاسب بسببها مجموعة من صغار الموظفين حينما تحدث الكوارث.

تمثل هذه القضية مشهد التطهر لشخصية مصطفى خلف، يتطهر المحامي من خطاياه ويعترف بها في قاعة المحكمة، يعترف بفساده وفساد الجميع، لكنه يطالب بالعدالة والقصاص.

ورغم مرور ما يزيد على ربع قرن على إنتاج هذا الفيلم فإنه ما زال مناسبا في كل مناسبة تفلت فيها الحكومة من مسؤوليتها عن تدني مستوى مرفق النقل العام في مصر.

معالي الوزير 2002: وزير الصدفة وأحلام الفساد

في “معالي الوزير” يعود أحمد زكي إلى التعاون مع المؤلف وحيد حامد في فيلم من إخراج سمير سيف، عن حكاية “رأفت رستم” وزير الصدفة، الرجل الذي وصل لمنصبه نتيجة تشابه أسماء غير مقصود، لكنه تمسك بمنصبه وأجاد ألعاب السلطة حتى أصبح أقوى رموزها.
 زكي يتوسط النجمين السوريين سلاف فواخرجي جمال سليمان لدى الاحتفال بالفيلم السينمائي “حليم” (الأوروبية)

تدور أحداث الفيلم حول محاولة الوزير الفاسد للتخلص من الأرق الذي يطارده، والكوابيس التي لا تفارقه، يحكي رأفت رستم لمساعده عطية عن خيانته لأصدقائه في الجامعة، عن كتابته تقارير أمنية عن حبيبته، عن رضوخه لتهديدات وإغراءات السلطة حتى تحول في النهاية إلى رجل بلا شرف غير قادر على نوم ليلة واحدة دون كوابيس.

المثير للتأمل أن أحمد زكي قد صنع هذا الفيلم عقب عام واحد من صنعه فيلم “أيام السادات” وكأنه أراد أن يعوض جمهوره عن فيلم صنع لتمجيد رئيس أتى عن طريق الصدفة، رئيس تسببت سياساته في مأسي “البريء” و”زوجة رجل مهم”، رئيس وصل بالصدفة إلى منصبه أيضا كما وصل رأفت رستم.

يختم صناع فيلم “معالي الوزير” تتراته بالتأكيد على أن أي تشابه بين رأفت رستم وأي رجل سلطة هو مسؤولية هذا الرجل، هذا التشابه مقصود.

المصدر : الجزيرة

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *