“تربية نساء” في نظر المجتمع.. كيف تربي الأرامل والمطلقات أبناءهن؟

فريدة أحمد-القاهرة

“تربية النساء”.. أكثر ما تخشاه المرأة على صغارها حين يغيب الأب وتتولى المسؤولية وحدها، كأنه ليس كافيا عليها أن تحاول وتجتهد وتمر بتجربة مضاعفة من الألم والتحمل.
 
رغم أن الكلمة في مجملها لا تحمل إساءة، فإن المعنى المقصود من ورائها من شأنه أن يحط من قدر المرأة ويهينها ويسيء لها، وذلك انطلاقا من مرجعية ذكورية قد تتبناها المرأة نفسها.
 
وفي الوقت الذي تنتشر فيه ظاهرة الإعالة النسائية للأسر والتي تقدر بـ 42.9% من أسر العالم، وتتكفل المرأة بإدارة 70% من الأسر الأحادية “التي يعيلها طرف واحد” فى العالم بحسب احصائيات الأمم المتحدة، ومازالت المرأة تخشى الوصم المجتمعي الذي قد يلاحق صغارها حين تتعثر في تربيتهم.
 
أبي معتقل
في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر -وتحديدا منتصف خمسينيات القرن الماضي- بدأت موجة اعتقالات واسعة وكانت أسر المعتقلين تتحمل عواقب الأمر، ربما أكثر من المعتقلين أنفسهم، وكانت الزوجة أكثر من يعاني.

 

حسنية كانت حينها في مقتبل العشرينيات وأما لثلاثة أبناء، تفاجأت في ليلة من عام 1955 بإلقاء القبض على زوجها الذي غاب خلف القضبان 16 عاما.
 
توفيت منذ عامين لكن ابنتها آمال تحكي عن والدتها وكيف واجهت تلك الفترة بمفردها دون زوج وأب لأبنائها فـ “كانوا يطلقون على أمي لقب عشماوي لصرامتها التي لم أعهدها قبل اعتقال أبي، كانت أمي تريد تحدي المجتمع والسلطة معا، وإثبات أن أبناءها يمكن أن ينشؤوا كما لو أن والدهم موجود”.

 

عملت حسنية في الخياطة والتطريز ليلا ونهارا، ألحقت أبناءها الثلاثة بالمدارس، لم تقبل الهفوات لصغارها، عاملتهم بحزم الأب وكانت تستحضر الأم في أوقات أخرى، قسمت وقتها بين العمل ومتابعة الأبناء وزيارة الزوج في المعتقل.
 
تقول آمال “تأثرت لغياب أبي، خاصة أني الكبرى، كنت حينها في السابعة من عمري، لكن أمي حاولت تعويض غيابه، كانت دائما تحمسنا وتؤكد أن والدنا سيفخر بنا حين يعود ويجدنا متفوقين، لم نرها تبكي أو تتألم لكني عرفت بعدما كبرت أنها عانت كثيرا في الخفاء”.
 
كانت حسنية تخشى تشّفي السلطة فيها قبل تشّفي المجتمع، تقول آمال “كانت أمي تعمل ليل نهار، وتقوّم سلوكنا خاصة أننا بنتان وولد، ربتنا بحزم وحب على القيم والمبادئ والقناعة واضعة نصب أعينها أنها أب وأم والمجتمع لن يرحم والسلطة ستنتصر إذا فشلت وسيكون أبي قد أضاع بالفعل 16 عاما من أعمارنا جميعا، علمتنا ذلك فساعدناها وصممت هي ألا تفشل، وبالفعل كنا مثالا يهنئها الجميع بنجاحها في صنعه رغم غياب الأب”.
3.3 ملايين أسرة مصرية تعولها امرأة (بيكسابي)

أرملة و4 أطفال

في أحد أيام عام 1996، فتحت نجاة باب الغرفة على زوجها لتوقظه بعد قيلولة استغرقت ساعة، فلم يستيقظ، حاولت دفعه مرات حتى سقط، تراجعت السيدة الأربعينية، وهي في حالة ذهول تعبث الأفكار في رأسها “ماذا حدث؟ ماذا عن الأبناء؟ كيف أربيهم بمفردي؟ لماذا تركنا الآن؟ لن نستطع العيش بدونه، أصبحت أرملة مع ولد وثلاث بنات، كيف سأواجه المجتمع”.
 
لم تحصل نجاة على وقت كاف للحزن على فراق زوجها قائلة “كان لابد أن أسترد عافيتي سريعا، لدى أبناء ولن يقف أبدا المجتمع بجواري حين يفسدون بل سيلومني فقط، وهذا كان آخر شيء أريده”.
 
تعتقد نجاة أن تربية “الولد” كانت التحدي الأكبر بالنسبة لها بعد رحيل الزوج “بذلت مجهودا مضاعفا مع الولد حتى يشب رجلا يحترم كلمته ويراعي أخواته ولا يعايره المجتمع بأنه تربية ست، خاصة أن والده تركه وهو في الـ 11 من عمره.. الوضع المادي لم يكن مشكلة بالنسبة لنا كان والدهم مقتدرا وترك ما يكفيهم حتى الآن”.
 
تحكي عن أصعب موقف مر عليها في تربية أبنائها قائلة “بعد وفاة والدهم بشهرين نشب خلاف بين الولد وشقيقته الكبرى التي تكبره بثماني سنوات وصفعها على وجهها وهو يصرخ أنا رجل البيت، حاولت التصرف بهدوء لتحقيق التوازن، من جهة لا أريد كسر ابني المراهق الذي بدأ يشعر برجولته خاصة وأن والده متوفى، ومن جهة أخرى كان علي أن أعلمه أن الرجولة لا تعني إهانة شقيقاته أو ضربهن، وأني أنا الأم المسيطرة وإن كان سيحصل على امتيازات فسيحصل عليها من خلالي وليس من خلال إقصائي”.
 
عانت نجاة خلال عشرين عاما من الوحدة ولعب دور الأب والأم في آن واحد مثقلة بنظرة المجتمع “كنت أسمع تعليقات في البداية متسائلة حول قدرتي على تربية أربعة أبناء بمفردي، لكن اليوم وبعد عشرين عاما أستطيع القول إني اجتزت الاختبار بنجاح، ابني رجل البيت يحترم شقيقاته ويعاملهن بود ويرعى مصالحهن، وهن يشعرن أنه السند والعوض عن الأب الذي مات فجأة، وأنا أرى في عيون أقاربي وتعليقاتهم إشادة بتربيتي”.
نظرة المجتمع أبرز تحد أمام المرأة المعيلة للأسرة (بيكسابي)

مطلقة من الجنوب

من نجاة إلى شيماء، يختلف الوضع كليا، فيما عدا نظرة المجتمع المحاصرة لهما، فشيماء أيضا تحملت عبء تربية أبنائها بمفردها لكن في حياة الأب الذي طلقها ورفض الإنفاق على أبنائه.
 
انتقلت شيماء مع زوجها من “الرياينة المعلق” التابعة لمحافظة سوهاج (إحدى أفقر محافظات مصر) إلى القاهرة للبحث عن فرصة عمل، أنجبت طفلين، رغم قسوة الزوج الذي اعتاد ضربها وإهانتها، غير أنها أصرّت على الطلاق بعد أن فاض بها الكيل.
 
تقول “عملت في الخدمة في المنازل، كان أهلي في الصعيد يريدون عودتي مع أولادي بحجة أنني لن أستطيع تربيتهم بمفردي، لكنني اخترت الأفضل بالنسبة لهم، أدخلتهم مدارس ليتعلموا، تحملت الذل والإهانة في البيوت التي خدمت فيها من أجل أن أثبت للجميع أنني قادرة على تربيتهم أفضل من والدهم”.
 
شيماء واحدة من السيدات التي تعول 30% من الأسر المصرية -وفقا للتقديرات الحكومية- تحمل وصم “مطلقة” في مجتمع يدينها على الطلاق، وتخشى من لومه إذا فشلت في تربية أبنائها.
 
تقول “اليوم بلغ ابني الكبير 17 عاما، يدرس في الثانوي الفني، وأخوه الأصغر بالمرحلة الإعدادية، من يراهما لا يعتقد أنهما بدون أب، مازلت أعمل في البيوت وأواجه الجميع بولديّ”.
 
وبحسب بيان الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فإن 3.3 ملايين أسرة تعولها سيدات، 70% منهن أرامل.

المصدر : الجزيرة

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *