لاكروا: الجزائر.. نهاية تجربة سياسية غير مألوفة
|سيبقى يوم الاثنين 11 مارس/آذار 2019 يوما تاريخيا بالنسبة للجزائريين، لأنه كان إيذانا بنهاية تجربة سياسية غير مألوفة بدأت حتى قبل استقلال الجزائر، ولم يكن أحد يتوقع قبل شهر إلا أنها ستتواصل في ولاية خامسة لا راد لها من حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، رغم تدهور حالته الصحية بشكل كبير، بحسب صحيفة فرنسية.
ووصفت الصحيفة يوم أمس الاثنين بأنه اليوم الذي انتهي فيه وفي جو احتفالي وتزمير بالعاصمة الجزائر، العهد الطويل لرجل مريض منذ عام 2013، يذكّر بنهاية عهد ليونيد بريجنيف في الاتحاد السوفياتي.
مولود بالمغرب
وقالت الصحيفة إن الرجل الذي يوشك أن يتنحى قد ارتبط بمصير الجزائر منذ استقلالها، واحتل صدارة المشهد السياسي فيها لمدة تزيد عن ثلاثين سنة، مذكرة بأنه من غرب الجزائر، ومولود بمدينة وجدة المغربية عام 1937، إلا أن ذلك لم يسهم في التقارب بين بلده والمغرب.
وفي عام 1956 انضم بوتفليقة في عمر 19 سنة إلى جيش التحرير الوطني، وبعد أن أصبح نقيبا في الجيش على الحدود، وقبيل اتفاقيات إيفيان عام 1962، أرسله سرا العقيد هواري بومدين للبحث عن رئيس للجزائر المستقلة المستقبلية بين قادة جبهة التحرير الوطني المسجونين في فرنسا.
وزير بن بلة
وعاد بوتفليقة من المهمة بموافقة الرئيس السابق أحمد بن بلة، الذي عينه وزيرا للشباب ولمّا يتجاوز 25 سنة، إلا أن بن بلة تخلص منه بعد ذلك في إطار ما قالت الصحيفة إنه تركيزه للسلطة في يده، مما أعطى حجة للعقيد بومدين للقيام بانقلاب في يونيو/حزيران 1965 لا يزال يوصف بأنه “تعديل ثوري” على موقع الرئاسة الجزائرية.
وأصبح بوتفليقة وزيرا للخارجية لمدة 16 سنة حتى وفاة بومدين عام 1978، جاب خلالها المعمورة مدافعا عن دول عدم الانحياز في العالم خلال معركة الجزائر ضد الإمبريالية التي جعلت منها نموذجا يحتذى به في العالم الثالث.
ورغم أن بوتفليقة كان يرى نفسه الوريث الطبيعي لبومدين، كما يقول أستاذ العلوم السياسة محمد هشماوي للصحيفة، وهو من ألقى خطاب تأبينه، فإن جانبه المؤيد للغرب لم يكن يروق للقادة العسكريين الذين فضلوا عليه زميلهم الشاذلي بن جديد، الذي حكم على بوتفليقة عام 1983 بتهمة ارتكاب مخالفات في إدارة الشؤون الخارجية، مما أزعجه وجعله يخرج إلى المنفى لمدة ست سنوات.
18 يوما من التظاهر الشعبي في شوارع كل الجزائر كانت كافية لفعل ما كان يبدو مستحيلا قبل شهر (رويترز) |
وبسبب التهميش، بقي بوتفليقة بعيدا عن المأساة الجزائرية وانقلاب عام 1992 والعشرية الدموية التي أودت بحياة أكثر من مئة ألف شخص، مما جعله ملجأ للعسكر الخائفين من احتمال إنشاء محكمة جنائية دولية خاصة للجزائر، فكان الرئيس المدني الذي يحتاجونه للجزائر، كما يقول هشماوي.
نسب الدكتاتوريين
وقالت الصحيفة إن بوتفليقة حاول أن يتحرر من الجنرالات، ولكنه استمرأ نتائج الدكتاتوريين الانتخابية السارية منذ الاستقلال، إذ تم انتخابه بحوالي 74% من الأصوات عام 1999، وأعيد انتخابه بنسبة 85% عام 2004، وبأكثر من 90% عام 2009 بعد تعديل الدستور للسماح بتولي منصب الرئاسة مدى الحياة، كما أعيد انتخابه بنسبة 81.53% عام 2014، رغم أنه ضعيف للغاية منذ سكتة دماغية أصيب بها في أبريل/نيسان 2013، ولم يشارك في حملته من أجل “فترة العار الرابعة” كما سمتها التحركات الاجتماعية الأخيرة.
وعلى مدار الخمسة عشر عاما الماضية، لم يستطع المراقبون، حسب الصحيفة، تخمين الهامش الحقيقي الممنوح للرئيس ضمن “النظام” الذي يتقاسم السلطة فيه الجنرالات وأجهزة الاستخبارات ومؤسسة الرئاسة.
وقد سمح الوفاق المدني (1999) وميثاق السلام والمصالحة الوطنية (2005) اللذان اختارهما، بالعفو عن الذين سلموا أسلحتهم، ولكنهما لم يؤديا إلى مصالحة الجزائر مع نفسها، خاصة أنهما ساهما في إفلات الجنود من العقاب رغم تلطخ أيديهم بالدماء، ومنعا الضحايا، خاصة عائلات المفقودين (من 15 إلى 20 ألفا)، من الوصول إلى الحقيقة والعدالة، وفرضا تكتما على الحرب الأهلية، رأت الصحيفة أنه تنازل للجيش مقابل البقاء في السلطة.
فشل بفتح آفاق جديدة
وأوضحت الصحيفة أن حالة الخراب الاقتصادي في البلاد والبطالة والفساد المستشري الذي أفسد كل المؤسسات والاقتصاد الموازي المزدهر ووعود الديمقراطية التي لم تكتمل، أمور كلها تثبت أن بوتفليقة لم يستطع فتح آفاق جديدة للمجتمع الجزائري الذي كان عند وصوله للسلطة، يجلس على عيون من النفط والغاز.
وقالت الصحيفة إن بوتفليقة كان يعرف كيف يناور، فوضع رجاله وأقال المسؤولين عن انقطاع العملية الانتخابية في عام 1992، كما سمحت له صلاته بالولايات المتحدة وفرنسا بتثبيت سلطته.
ومع أن بوتفليقة كان معجبا بالجنرال والرئيس الفرنسي السابق شارل ديغول وكان يحب اللغة الفرنسية مع أنه يتقن اللغة العربية، فقد كان يرغب في كتابة مختلفة لتاريخ العلاقات الفرنسية الجزائرية، ولكن باريس والجزائر لم تكونا قط على نسق واحد بالتزامن، مما أحبط معاهدة الصداقة التي كانت ستوقع مع جاك شيراك إلى الأبد.
وختمت الصحيفة بأن الجزائريين في السنوات الأخيرة لم يكونوا يرون من الرئيس -الذي لم يعد يظهر علنا- إلا صورا رسمية غالبا ما تكون صامتة وربما متصرفا فيها، تقدم كواجهة لنظام لعبته المفضلة التعتيم.
وقالت الصحيفة إنه لا شيء في الوقت الحالي يؤكد أن الرسالة الموجهة إلى الأمة يوم الاثنين 11 مارس/آذار الجاري التي تحمل نبرة تصالحية مع الشباب الجزائري الذي لم يعد يريد هذا الرئيس، قد أنهت بالفعل نظامه.
المصدر : لاكروا