ما خلفيات التصعيد الهندي ضد باكستان؟

ظفر الإسلام خان-نيودلهي

مع اقتراب الانتخابات الهندية العامة، يقول محللون إن هذه الانتخابات لو جرت في أجواء عادية فإن حزب الشعب الهندي الحاكم منذ سنة 2014 سيُهزَم، وهو ما عكسته نتائج انتخابات المجالس التشريعية في ولايات عدة في الأشهر القليلة الماضية.

وقد انكشفت حكومة ناريندرا مودي بعد أن عجزت عن الوفاء بوعودها الانتخابية الكبيرة قبل خمس سنوات، فلم تقض على الأموال السوداء، ولم تجلب أموال الهنود المودعة في البنوك الأجنبية، ولا حسّنت من أوضاع الزراعة والقرى، ولا خلقت فرص عمل جديدة، بل ألحقت بالاقتصاد الهندي أضرارا فادحة حين غيرت فئات البنكنوت الكبيرة من العملة الهندية فجأة، وبعد ذلك بقليل نفذت مشروع الضريبة المركزية الموحدة، مما أربك الاقتصاد الهندي وألحق به أضرارا بالغة لم يتغلب عليها حتى الآن.

وكانت التكهنات تقول إن الحزب الحاكم، وعلى رأسه مودي، سيقوم بشيء كبير لإلهاء الناخبين وخلط الأوراق وتحقيق استقطاب حاد على خطوط دينية، مثل القيام بهجوم عسكري على باكستان تحت ذريعة أو أخرى أو إشعال نيران اضطرابات طائفية كبيرة.

ولدى رئيس الحكومة الحالية تجربة في هذا الشأن، فقد سبق له أن سمح بوقوع اضطرابات طائفية كبيرة سنة 2002 ضد المسلمين في كوجرات التي كان يحكمها آنذاك، وذلك بعد أن قالت تقارير إن حزب الشعب الهندي الحاكم بالولاية آنذاك سيخسر الانتخابات. وقد استفاد الحزب من الاستقطاب الحاد الناتج عن الاضطرابات، فكسب الانتخابات التالية بسهولة.

وجاء الهجوم على قافلة الجنود في منطقة بولواما بكشمير، الذي أودى بحياة 40 جنديا هنديا يوم 14 فبراير/شباط الماضي، ليقدّم للحزب الحاكم الفرصةَ التي كان يبحث عنها، فبدأت فورا مطالبات هستيرية من قبل سياسيي الحزب الحاكم ووسائل الإعلام بالانتقام من باكستان وتلقينها درسا لا تنساه. وقد أعلن رئيس الوزراء أنه قد أعطى الصلاحية الكاملة للجيش ليختار الرد الذي يفضله.

وفي هذه الأجواء، نفذت القوات الجوية الهندية هجوما على أهداف في باكستان في الساعات الأولى من يوم 26 فبراير/شباط الماضي حيث أغارت 12 طائرة ميراج 2000 على منطقة بالاكوت في كشمير الباكستانية، وحسب روايتها، ألقت حمولة قدرها ألف كلغ على معسكرات “الإرهابيين” التابعين لجيش محمد ولشكر طيبة وحزب المجاهدين.

وبدأت وسائل الإعلام الهندية -التي تقف غالبيتها العظمى مع الحكومة الهندية– تتحدث عن هجوم حربي، وتنشر فيديو للهجوم ثبت لاحقا أنه فيديو قديم لا علاقة له بالهجمة الجديدة.

ثم خرجت التصريحات الرسمية تقول إن الطائرات الهندية قد قتلت 300 من “الإرهابيين” ودكت مواقعهم، وهو أمر أنكرته باكستان قائلة إن الطائرات الهندية ألقت بحمولتها في منطقة صخرية غير مأهولة ولم تصب أحدا إلا قرويا بجراح بسيطة.

وأكد مراسلو وسائل الإعلام العالمية، مثل رويترز ونيويورك تايمز، بعد زيارة المنطقة المستهدفة، أن الطائرات الهندية لم تصب شيئا ولا توجد قواعد “للمنظمات الإرهابية” في المنطقة. وهذا أعطى فرصة لأحزاب المعارضة، وخصوصا حزب المؤتمر، أن تشن حملة على الحزب الحاكم تطالب بأدلة تثبت صحة الرواية الهندية الرسمية.

وقد رفضت الحكومة إعطاء الدليل إلى اليوم، بل شككت في وطنية الذين يطالبون بها، قائلة إن مثل هذه المطالب تشكك في قدرات السلاح الجوي الهندي وتشهر بالهند.

ومن جهة أخرى، استغلت الهند الموقف، فبدأت حملة اعتقالات واسعة النطاق في كشمير شملت مئات المعارضين السياسيين، كما حظرت الجماعة الإسلامية في كشمير.

وهناك أيضا حديث عن خطة لإلغاء مادتين من الدستور الهندي تعطيان لكشمير وضعا خاصا واستقلالا ذاتيا في إطار الاتحاد الهندي. وقد أثار هذا حتى الأحزاب الكشيمرية الموالية للهند والتي حذرت من أن إلغاء المادتين من الدستور الهندي سيؤدي إلى إذكاء نار الحرب الانفصالية، بل سيلغي اتفاقية انضمام كشمير للهند سنة 1948.

الهند وباكستان تبادلتا الغارات الجوية (الجزيرة)

رد استعراضي
أما باكستان فوجدت نفسها مضطرة، بسبب الضغط الشعبي المحلي، لكي تقوم بنوع من الرد على الهجمة الهندية، فقامت طائراتها باختراق المجال الجوي الهندي وإلقاء بعض القنابل بالهند في اليوم التالي، إلا أنها أكدت أنها لم تستهدف أي هدف عسكري أو مدني، بل أرادت فقط أن تظهر للهند أنها قادرة على الرد بالمثل.

وقامت طائرات هندية بالتصدي للطائرات الباكستانية، وخلال المطاردة دخلت المجال الجوي الباكستاني. ويقال إن باكستان استدرجت الطائرات الهندية فأسقطت طائرة عسكرية هندية من طراز ميغ 21 وأسرت طيارها.

لكن سقوط الطائرة ووقوع الطيار الهندي في الأسر كشفا أن أي مغامرة عسكرية سيكون لها ثمن، وأن الحرب لن تكون نزهة.

فحتى الاشتباكات الصغيرة قد أدت إلى إغلاق المطارات فى كشمير وشمالي الهند لأيام عدة، كما ألغيت مئات الرحلات الجوية من وإلى مطار دلهي.

وهنا هدأت الهستيريا الهندية وعادت الرزانة إلى شاشات القنوات وعناوين الجرائد الهندية. وزاد منه الرد من رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان حين أعلن في اليوم التالي أن بلاده ستعيد الطيار إلى الهند من أجل السلام. وبالفعل أعيد الطيار إلى الهند مساء ذلك اليوم. وبهذا كسب خان الجولة وحصل على تأييد عالمي كبير للفتته السلمية التي أخمدت نيران الحرب.

هذه التطورات غير المتوقعة قد أحرجت القيادة الهندية كثيرا، وهي لا تدري الآن ماذا تعمل وإن كان رئيس الوزراء الهندي مودي لا يزال يقول إن “ما جرى كان مجرد تشويق والرد الحقيقي قادم”، ولكن المحللين يرون أن إسقاط باكستان الطائرة الهندية ثم إعادتها الطيار الهندي الأسير قد سحبا الأوراق من أيدي الحكومة الهندية، ولا يبدو أنها ستقدر على استثمار الهجوم الإرهابي في كشمير لشن حرب على باكستان بغية الاستفادة منها في الانتخابات القادمة.

المصدر : الجزيرة

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *