شاعر البيانو.. فريدريك شوبان وما وراء مقطوعاته

سارة عابدين

بعد مرور 209 أعوام على ميلاد شوبان (1810-1849) ما زالت موسيقاه تلهم العازفين، وتمتع الجماهير بكل ما تحمله من متناقضات تعمل على إثارة المشاعر، بمعالجاته المتطورة للإيقاع التي فتح من خلالها بابا أمام موسيقى مركبة عاطفية وثورية، استلهم أغلبها من كلاسيكيات فيينا والفلكلور البولندي.

ولد فريدريك شوبان في 1 مارس/آذار 1810 لأم بولندية وأب فرنسي، ودرس البيانو وأظهر نبوغا كبيرا فيه، وقدم أولى حفلاته وهو لم يتجاوز الثامنة من عمره، وأصبح اسمه معروفا حتى خارج بولندا.

في نوفمبر/تشرين الثاني 1830 غادر شوبان بولندا إلى فيينا، وبعد ثمانية أشهر توجه إلى باريس، ولم يعد مجددا إلى بولندا، لكن خسارة بولندا كانت مكسبا كبيرا لباريس التي أصبحت آنذاك مركزا للثقافة الأوروبية والفكر والفنون، والمنطقة الأهم في خريطة الموسيقى الرومانسية، وكان يعيش بها أهم موسيقيي هذا العصر مثل فرانز ليست، وفيليكس مندلسون، ولويجي تشيروبيني.

بعد مدة قصيرة في باريس، أخذ شوبان مكانته بوصفه أحد مشاهير العاصمة الفرنسية، وكوّن صداقات وثيقة مع فنانيها، لاسيما يوجين ديلاكروا الذي رسم له بورتريها شخصيا عام 1833.

لم تكن حياة شوبان مستقرة، حيث كان متقلب المزاج ومحبا للعزلة في أوقات كثيرة، بالإضافة إلى حياته العاطفية غير المستقرة ومعاناته مع مرض السل ونوباته المتكررة.

هربا من كل هذا الألم والمعاناة، كرّس شوبان حياته بشكل كامل للبيانو، وكانت مقطوعاته مكتوبة للبيانو بشكل أساسي إما كآلة فردية أو بالاشتراك مع آلات أخرى.

وهنا نظرة سريعة على أهم مقطوعاته، التي ربما تشكّل مدخلا للتعرف إلى موسيقاه.

المقطوعة الثورية (Revolutionary etude)
في عام 1831 حدث الهجوم الروسي على وارسو، وفشلت انتفاضة بولندا التي تهدف إلى التحرر من السلطات البلشفية، مما سبب الكثير من الألم لشوبان، وخرجت هذه المقطوعة الثورية، المحمّلة بالمشاعر الوطنية والاضطراب، وأهدى المقطوعة لصديقه فرانز ليست.

فالس الدقيقة الواحدة (The minute walt)
تعد تلك المقطوعة من أفضل مقطوعات الفالس التي كتبها شوبان، وهي قطعة مفعمة بالحيوية، أهداها شوبان للكونتيسة البولندية دلفينا بوتوكا، المقطوعة مكونة من منمنمات موسيقية صغيرة مؤلفة من 420 حركة موسيقية لكل ربع دقيقة ليتم تشغيل القطعة في النهاية في غضون دقيقة كما يشير اسمها.

مقدمة قطرات المطر (The raindrop prelude)
تعتبر المقطوعة واحدة من 24 مقدمة موسيقية كتبها شوبان، وهي أيضا من أطول مقطوعاته، إذ تدوم بين خمس وسبع دقائق، ويحاكي شوبان من خلال النغمات المتكررة صوت سقوط قطرات المطر.

كتبت المقطوعة خلال إقامة شوبان بدير فالديموسا (valldemossa) بمايوركا عندما ذهب إلى هناك في رحلة مع حبيبته في ذلك الوقت الروائية الفرنسية لامانتين أورو لوسيل دوبين، التي عرفت باسمها المستعار جورج ساند، وكان من المفترض أن تكون رحلة علاجية لكل من ساند وشوبان، ولكنه أنتج خلالها العديد من المقطوعات الموسيقية المليئة بالحيوية.

أمنية لفتاة شابة (A young girl wish) “أغنية بولندية”
كان شوبان محبا للثقافة البولندية الشعبية، وكان يريد المساهمة والحضور بها عن طريق الإنتاج الموسيقي المستوحى منها. المقطوعة مستلهمة من قصيدة من الشعر البولندي التقليدي، كتبها الشاعر البولندي ستيفان فيتفيكي، تحكي عن فتاة من فلاحات هولندا، تعلن حبها لرجل معين من الطبقة الأرستقراطية، قائلة “إن الشمس ستسطع في نافذتها الخاصة، والطيور ستغني لها وحدها”.

أصبحت هذه المقطوعة مشهورة جدا، وتم غناؤها بنغمات تشبه الأوبرا، وعُزفت على البيانو باعتبارها المقطوعة الأولى من مقطوعاته البولونية الست.

الرقصة البطولية (The Heroic polonaise)
ترتبط هذه القطعة بالكرامة الوطنية والاستقلال، وهي تركيبة متقدمة جدا من الناحية الفنية وتتطلب مهارات عالية في العزف على البيانو.

كتب شوبان هذه المقطوعة بإلهام من حبيبته جورج ساند، في إشارة رمزية للثورة الفرنسية التي يجب أن تحمل الروح البطولية، مع ربط عنوان المقطوعة بالروح البطولية البولندية.

سوناتا البيانو الثالثة (Piano sonata NO. 3)
في عام 1844 أهدى شوبان تلك المقطوعة للكونتيسة إيميليا دي بيرث، وتعد من أكثر القطع ديناميكية، واختلافا في طريقة العزف، بسبب التتابع السريع المكثف للحركات الموسيقية، ويدعي النقاد أن شوبان كتبها ردا على الآراء القاسية على “سوناتا رقم 2”.

سوناتا التشيلو (The cello sonata)
تعتبر هذه المقطوعة من المقطوعات القليلة التي كتبها شوبان لآلة أخرى غير البيانو، والتي شكلت في مجموعها 9 مقطوعات، وهو أيضا اللحن الأخير الذي سينشر خلال حياة فريديرك شوبان.

كتب شوبان هذه المقطوعة وأهداها للملحن وعازف التشيلو الفرنسي أوغست فرانشوم، وعزف هو وشوبان اللحن معا في العام الأخير لشوبان يوم 16 فبراير/شباط 1848.

24 مقدمة موسيقية (24 preludes)
قال عالم الموسيقى هينري فينك في إحدى المناسبات “إذا تم تدمير كل موسيقى البيانو في العالم باستثناء مقطوعة واحدة، سيكون تصويتي لمقدمات شوبان”.

كانت المقدمات الموسيقية لشوبان في وقت عزفها للمرة الأولى مربكة بعض الشيء، وانقسمت الآراء حولها، لأنه كان معتادا أن تكون المقدمات الموسيقية جزءا قصيرا أو تمهيديا من العمل الأكبر، لكن مقدمات شوبان الموسيقية كانت قوية وجميلة في حد ذاتها، وتختلف المقدمات عن المقطوعات في كونها مقطوعات قصيرة تعتمد بناء لحني واحد.

المصدر : الجزيرة

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *