المعلم راتب الرابي.. معمَّر عمر مدارس القدس

جمان أبوعرفة-القدس المحتلة

“جمعتُ الطلبة في ساحة المدرسة وقلت لهم أن يغادروا إلى بيوتهم حتى يخرج الاحتلال من مدرستهم ويعود المنهاج الأردني إليها”، هكذا يروي المُربي راتب توفيق الرابي بفخر رفضه فرض المنهاج الإسرائيلي على مدرسة الرشيدية في القدس المحتلة، إبان احتلال شرق القدس عام 1967، والتي تدين بتدريسها المنهاج الفلسطيني حتى اليوم إلى موقف مديرها الرابي قبل أكثر من نصف قرن.

يعتبر الرابي (92 عاما) أحد أعمدة التعليم المخضرمين في القدس؛ حيث عاصر التعليم فيها قبل احتلالها وبعده، وكان من أبرز مدرسي الكيمياء القلّة في المدينة.

درّس الرابي الكيمياء في مدرسة الرشيدية العتيقة عام 1953 لمدة ثلاثين عاما، استلم خلالها إدارتها، وأسس فيها أول مختبر للكيمياء.

تمركز جنود الاحتلال عام 1967 داخل الرشيدية وأعلنوا احتلالها تزامنا مع احتلال الكثير من المدارس الفلسطينية.

الرابي يصافح الشيخ مصطفى إسماعيل في قاعة الغرفة التجارية عام 1966 (أرشيف الرابي)

يكمل الرابي ذكرياته في المدرسة، فيقول للجزيرة نت “تحصن الجنود داخل أقسام المكتبة وأغلقوا المدرسة، لكننا تمكنا من فتحها بعد أسبوع بالتعاون مع لجنة مؤلفة من شخصيات مقدسية، كنهاد أبو غربية وحسن الخطيب ومحمد أبو شلباية”.

بعد فتح الرشيدية حاولت بلدية الاحتلال في القدس برئاسة تيدي كوليك فرض المنهاج الإسرائيلي على المدرسة، فدعا الرابي لإضراب عام عن التعليم، ويضيف “بعد سنة من الإضراب طلب كوليك الاجتماع بنا ومفاوضتنا، فأصررنا على عودة المنهاج الأردني الذي كان يدرّس قبل احتلال القدس، وامتثل بالنهاية لطلباتنا”.

تلميذا ثم مديرا
ولد الرابي عام 1927 في مدينة القدس، ودرس في مدرسة الرشيدية حتى الثانوية، ثم درس الزراعة في كلية خضوري طولكرم شمال فلسطين، وبدأ رحلته التدريسية في قرى شرق مدينة رام الله، ومن ثم في الرشيدية.

الرابي (الثاني من اليمين) رفقة مدرسين في القدس عام 1945 (أرشيف الرابي)

نال شهاد ة الكيمياء من الجامعة الأميركية في بيروت، ليصبح من أبرز مدرسي الكيمياء في القدس، حيث درّس الكيمياء في الكلية الإبراهيمية ومدرستي الرشيدية والمأمونية ونحو عشر مدارس أخرى.

يخطو الرابي بخطوات بطيئة ثابتة في بيته بحي وادي الجوز بالقدس، سمعه طفيف لكن ذاكرته قوية وكلماته متزنة، يستعين بنظارته ليقرأ الجريدة صباح كل يوم، فعينه اليمنى تضررت في الماضي أثناء تجربة في أحد مختبرات الكيمياء التي كان يدرس فيها.

يصر على الصلاة في المسجد الأقصى كل يوم بمساعدة سيارة خاصة تقله من باب بيته إلى باب الأقصى.

ساهم الرابي في تأليف مساعدات دراسية في الكيمياء، وساهم أيضا في تأسيس العديد من المدارس في قرية صور باهر بالقدس، وبعد تقاعده عام 1983 ترأس لجنة زكاة القدس المركزية.

جمعيات خيرية
كان عضوا في اتحاد الجمعيات الخيرية ونادي الموظفين ولجنة الإسكان في القدس، كما اختير ليكون منسقا لامتحانات الثانوية العامة في محافظة القدس عام 2006.

الرابي (يمين) أثناء تسلمه شهادة من الوزير أمين الحسيني في صيف 1964 (أرشيف الرابي)

يعبّر الرابي عن حزمه الشديد الذي عُرف عنه فيقول “عندما يصطف الطلبة في الساحة، كنت أقول لهم: استرح، فلا أسمع صوتا واحدا”، ويؤكد أنه كان شديدا بالحق، وربى أجيالا تحبه حتى اليوم وتداوم على تفقّد أخباره.

وعند سؤاله عن أبرز الطلبة الذين درسهم، قال مازحا “كثيرا ما ألتقي بطلبتي الذي يسألونني إن كنت أذكرهم، لكنني أضحك، كيف سأتذكر مئات الطلبة منذ عشرات السني؟!”.

الرابي أحد أعمدة التعليم المخضرمين في القدس (الجزيرة)

يتألم الرابي على حال التعليم في القدس اليوم التي غزا مدارسها المنهاج الإسرائيلي، ويقول “المنهاج الإسرائيلي لا يساوي شيئا، أحمد الله أنني استطعت رفضه والحفاظ على المنهاج الوطني، كلمة السر هنا تكمن في إرادة المدير والطلبة وتعاونهم لحماية التعليم في القدس”.

المصدر : الجزيرة

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *