بورتريهات ومقتنيات لشهداء الثقافة الفلسطينية تقاوم غيابهم

ميرفت صادق-رام الله

دمٌ جفّ منذ ثلاثة عقود لكن أثره ما زال على نظارة الشهيد الفلسطيني حنا مقبل منذ اغتياله في نيقوسيا بقبرص عام 1984، وإلى جانب النظارة بطاقة عضويته في اتحاد الصحفيين العرب مثقوبة برصاصة الاغتيال، وبقربها لوحة تعيد تقديم ملامحه لأجيال فلسطينية لا تعرفه.

وإلى جوار حنا مقبل، لوحة للشهيد هاني جوهرية أحد مؤسسي السينما الفلسطينية وأول من التقط صورا للفدائيين أثناء عملياتهم العسكرية، قبل استشهاده عام 1976.

وتُعرض مقتنيات مقبل ولوحة جوهرية في معرض بعنوان “اغتيال”، افتُتح في متحف ياسر عرفات بمدينة رام الله يوم الأحد، ويقدم رسوما لخمسة عشر من مناضلي الثورة الفلسطينية الذين نجحوا في عرض الرواية الفلسطينية من خلال عملهم السياسي والدبلوماسي والإعلامي، قبل أن يستشهدوا في ظروف مختلفة خلال سنوات السبعينيات والثمانينيات.

لوحات شهداء من مثقفي الثورة الفلسطينية في معرض اغتيال بمتحف ياسر عرفات في رام الله (الجزيرة)

وفي لوحة “هاني جوهرية”، رسم الفنان عاهد ازحيمان بورتريه بالأبيض والأسود للشهيد المولود في القدس نهاية الثلاثينيات، يتخللها تصميم الكاميرا المقاتلة، مع خلفية من اللون الذهبي، وهو طابع فني يستخدم في رسم الأيقونات الدينية. ويعتقد ازحيمان أن شهداء الثقافة تحولوا إلى أيقونات تعبر عمن خاضوا معركة تحرر الشعب الفلسطيني باكرا.

بين كنفاني وناجي العلي
وسيلاحظ الزائر للمعرض أن لوحات الشهداء تنتظم في مسار زمني يبدأ بالشهيد الأديب غسان كنفاني الذي اغتاله الموساد الإسرائيلي في بيروت عام 1972، وينتهي بلوحة لفنان الكاريكاتير ناجي العلي الذي اغتيل في لندن عام 1987.

وكان كنفاني والعلي ممن انتقدوا بالكتابة والرسم السياسة الفلسطينية والعربية في السبعينيات والثمانينيات، وناقضوا في كثير من أعمالهم توجهات قيادة منظمة التحرير السياسية وعلى رأسها الرئيس الراحل ياسر عرفات.

لوحة الشهيد الأديب غسان كنفاني من رسم الفنان أمجد غنام في بداية معرض اغتيال بمتحف ياسر عرفات (الجزيرة)

وتعرض لوحتا كنفاني والعلي في المتحف ذاته الذي يعرض بشكل دائم مقتنيات عرفات خلال حياته النضالية والسياسية، وعلى بعد أمتار من ضريحه الذي دفن فيه عام 2004 وما زالت ملابسات رحيله و”اغتياله” غير معلنة حتى اليوم.

ورسم الفنان أمجد غنام لوحة كنفاني تتخللها نصوص مكتوبة، وقال إن إعادة رسم صور مثقفي الثورة قد تكون محاولة لتوثيق تجربتهم وتخليدهم، كما أنها أيضا تكرس فكرهم النقدي المدافع عن المقاومة.

وبين لوحات معرض “اغتيال”، كانت ناديا ميخائيل تتنقل باحثة عن ابن عمها الشهيد “حنا ميخائيل” ابن رام الله الذي تدرج في تعليمه حتى نال شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة هارفرد، قبل أن يلتحق بصفوف مقاتلي حركة فتح عام 1968 حيث تفرغ للنضال ضد الاحتلال الإسرائيلي.

تقول قريبته إنه اختفى في أوج الحرب الأهلية اللبنانية صيف 1976، ومعه تسعة ثوار أثناء توجههم بحرا في زورق مطاطي من بيروت إلى طرابلس، ولم تتمكن عائلته أو منظمة التحرير من معرفة مصيره رغم سنوات طويلة من البحث.

كاميرات السينمائي الفلسطيني هاني جوهرية التي كان يحملها عند استشهاده وما زالت آثار الشظايا عليها (الجزيرة)

نضال لم يكتمل
وفي ركن آخر من معرض ” اغتيال”، رسم بشار خلف الشهيد سعيد حمامي مدير مكتب منظمة التحرير في لندن والذي اغتيل عام 1978، في لوحة أشبه بملصق غير مكتمل.

وتعمد خلف -بحسب قوله- رسم حمامي بهذه الصورة، في إشارة إلى نضاله الذي لم يتح له أن يكتمل، وهو يشير إلى الواقع الفلسطيني الذي ينقصه الكثير ليكتمل في صورة مشروع تحرري.

ويوثق المعرض أيضا لوحات للشهداء وائل زعيتر الأديب والمترجم الذي اغتيل في روما عام 1972، ومحمود الهمشري الذي أسس اتحاد طلبة فلسطين بفرنسا واغتيل فيها عام 1973، ولوحة لعز الدين القلق الذي عُيِّن مديرا لمكتب منظمة التحرير في فرنسا خلفا للهمشري واغتيل في باريس عام 1978، وأخرى لممثل منظمة التحرير في بلجيكا نعيم خضر الذي اغتيل هناك عام 1981.

وفي المعرض لوحة رسمها بشار الحروب للشهيد كمال ناصر عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والمتحدث الرسمي باسمها، رئيس تحرير مجلة “فلسطين الثورة” الذي اغتيل في بيروت ربيع 1973؛ ويجد الزائر هنا أيضا قصيدة بخط يده مهداة إلى والدته مع صورتهما.

نظارة لا تزال ملطخة بدماء المناضل الفلسطيني حنا مقبل وأثر الرصاص على بطاقة عضويته في اتحاد الصحفيين العرب (الجزيرة)

ومن بين المقتنيات والصور، سيتأثر كل زائر ببدلة مطوية للشهيد ماجد أبو شرار الذي كان مسؤولا عن الإعلام المركزي في منظمة التحرير وصار عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، قبل أن تغتاله إسرائيل في روما عام 1981. وقد رسمته الفنانة الغزية دينا مطر بملامحه السمراء وخلفية من الأزهار.

وفي ركن آخر، رسم الفنان أحمد كنعان من الجليل الفلسطيني المناضل والمفكر عبد الوهاب الكيالي ابن مدينة يافا الذي اغتيل في بيروت عام 1981. ورسم الفنان محمد الحواجري الأديب والشاعر علي فودة، صاحب قصيدة “إني اخترتك يا وطني” المعروفة، والذي استشهد صيف 1982 جراء إصابته بقذيفة إسرائيلية في بيروت.

وفي المعرض لوحة للطبيب والمناضل عصام السرطاوي، رسمها الفنان منذر جوابرة. وكان السرطاوي قد أسس بعد التحاقه بالثورة منظمة فدائية باسم “الهيئة العاملة لتحرير فلسطين”، وقد اغتيل في أبريل/نيسان 1983 جنوب البرتغال.

يقول محمد حلايقة مدير متحف ياسر عرفات إن المعرض الذي سيستمر ستة شهور، يقدم مادة توثيق مهمة عن أشخاص لهم أثرهم من ناحية التعريف بالقضية الفلسطينية في مرحلة مهمة من الثورة، وكان اغتيالهم مؤشرا على أهمية الدور الذي قاموا به.

ويريد المعرض -بحسب حلايقة- الإشارة أيضا إلى تراث وفكر هؤلاء الشهداء والذي فشل الاحتلال في طمسه أو إنهاء أثره بعد اغتيالهم، بحسب قوله.

المصدر : الجزيرة

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *