الغلاء يمتد من سطح الأرض لباطنها.. لماذا ارتفعت أسعار المقابر بمصر؟

محمد سيف الدين-القاهرة

“إكرام الميّت دفنه”.. كثيرا ما نسمع هذه العبارة عند موت أحد الأشخاص، لكن الأمر لم يعد بهذه السهولة في مصر، حيث أصبح شبح ارتفاع الأسعار يطارد المصريين حتى بعد الممات.

فالموت قد يكون “راحة” للميت، وفق مثل شعبي يتداوله المصريون، لكن العثور على قبر لم يعد سهلا مثلما كان عليه الأمر قديما، خصوصا إذا جاء الموت بغتة كما يفعل كثيرا.

ولأن المصريين في المجمل ليسوا معتادين على دفن موتاهم في قبور أو لحود في باطن الأرض، وإنما في بناء يتفاوت حجمه وشكله، فقد باتت الحاجة تتزايد يوما بعد آخر إلى مساحات كبرى من الأراضي لإقامة قبور في بلد تجاوز سكانه حاجز المئة مليون نسمة.

ولإقامة مقبرة في الريف، يتساهم السكان لتوسيعها بقطعة من الأراضي الزراعية المجاورة رغم أن تلك الأراضي باهظة الثمن غالبا، أما في المدن فالحال أصعب لأن كل شبر من الأرض داخلها أو بجوارها له ثمن غال، وإذا اتجهت أبعد نحو الصحراء فالأرض ملك للدولة ولجهات عسكرية غالبا. 

وقد ارتفعت أسعار المقابر بنسبة تجاوزت 150%، كأغلب السلع والخدمات التي شهدت قفزات كبيرة في الأسعار عقب قرار الحكومة المصرية تحرير سعر صرف الجنيه (التعويم) في نوفمبر/تشرين الثاني 2016.

هذه النسبة في ارتفاع أسعار المقابر لن تكون الأخيرة، إذ من المتوقع أن تشهد الأسعار خلال المدة المقبلة زيادات جديدة، بالتزامن مع الزيادات المرتقبة في الأسعار منتصف العام الجاري بعد أن تنفذ الحكومة خططها برفع الدعم عن المنتجات البترولية بالكامل، وفق ما أكد عاملون في المجال للجزيرة نت.

ارتفاع الأسعار الذي ضرب مصر خلال السنوات الماضية التي أعقبت قرار “التعويم”، أصاب سوق بيع المقابر بحالة من الركود، الأمر الذي دفع الشركات المتخصصة في المجال إلى تقدم عروض وامتيازات لإغراء الراغبين في الشراء من أجل تنشيط عمليات البيع والشراء.

ضمن هذه الإغراءات التي تقدمها الشركات، تشطيب المقبرة بالكامل والسداد بالتقسيط المريح، بل إنها تعرض على الراغبين في كثير من الأحيان نوع التشطيب الذي يريدونه وعلى أي طراز معماري يفضلون.

كثير من العائلات المصرية تفضل إقامة مقبرة كبيرة محاطة بسور خوفا من اللصوص (الجزيرة نت)


أنواع المقابر
يوجد في القاهرة الكبرى نوعان من المقابر، مقابر قديمة موجودة منذ المئات من السنين لكنها مزدحمة، وأغلبها يقع وسط القاهرة القديمة، مثل “المجاورين والإمام الشافعي والسيدة عائشة”، ومقابر مستحدثة في المدن الجديدة مثل مناطق السادس من أكتوبر (غربي القاهرة) والعبور والعاشر من رمضان والشروق (شمال القاهرة).

ووفق جولة مراسل الجزيرة على ثلاثة أماكن مختلفة، فإن متوسط سعر المقبرة التي تبلغ مساحتها 20 مترا في المدن الجديدة، يبدأ من 60 ألف جنيه (3330 دولارا تقريبا) مقارنة بـ20 ألفا (1200 دولار تقريبا) قبل التعويم، في حين أن المقبرة التي تبلغ مساحتها 40 مترا يبدأ سعرها من 100 ألف جنيه (5555 دولارا تقريبا) مقارنة بـ35 ألف جنيه (2000 دولار تقريبا) قبل التعويم.

أما مقابر رجال الأعمال ومشاهير الفن والسياسة، فالحديث عنها يبدو مختلفا تماما، إذ تبدأ أسعار هذه المقابر من 500 ألف جنيه (27 ألف دولار)، ويقع أغلبها في مدينة مصر الجديدة (شرق القاهرة).

وأما في القرى والمدن التي لا تمتلك ظهيرا صحراويا، فيلجأ الأهالي لإنشاء مقبرة ذات دورين (دوبلكس) لاستيعاب الموتى، وذلك بسبب عدم وجود أراض جديدة صالحة للبناء، فضلا عن تجريم الدولة عملية البناء في الأراضي الزراعية.

ويبلغ متوسط سعر المقبرة الواحدة نحو 5 آلاف جنيه (270 دولارا تقريبا)، رغم أن مساحتها لا تتجاوز المترين ونصف المتر طولا، ومترا ونصف المتر عرضا.

تحرير سعر الصرف أدى إلى زيادات متلاحقة في أسعار السلع والخدمات وحتى المقابر (الجزيرة)


أسباب ارتفاع الأسعار
أسعار المقابر الحديثة تحددها معايير عدة، أبرزها مدى قربها من الطريق الرئيسي وسهولة الدخول والخروج إليها، بالإضافة إلى تصميمها سواء كانت مجهزة بالرخام وخلافه، وفق ما أوضحت المسؤولة بإحدى شركات بيع المقابر سحر الشامي في حديثها للجزيرة نت.

وعن أسباب ارتفاع أسعار المقابر بهذه الصورة، يرى شوقي الرفاعي -وهو مقاول بناء ويعمل في تشييد المقابر بمنطقة العبور (شمال القاهرة)- أن ارتفاع أسعار الأراضي الصحراوية بسبب التوسع العمراني الذي تشهده البلاد، يقف وراء تلك الزيادة، فضلا عن ارتفاع أسعار مواد البناء والتشييد بعد التعويم.

لكنه استدرك، في حديثه للجزيرة نت، بأن هذا الارتفاع في أسعار المقابر لا يتناسب مع الزيادة التي شهدتها مواد البناء (لم تزد عن 50% خلال السنوات الثلاث الماضية)، مؤكدا أن الأمر يرتبط بعشوائية تحديد الأسعار التي يعاني منها السوق المصري بصفة عامة، وعدم وجود رقابة قوية على السوق.

هناك سبب آخر ذهب إليه الخبير في قطاع العقارات والإنشاء رامي الجمل، وهو قلة المساحات المعروضة من قبل الدولة للمقابر، رغم امتلاكها مساحات صحراوية شاسعة وظهيرا صحراويا لأغلب المحافظات وتقوم بتوسّع عمراني كبير.

بعض العائلات تهتم بالشكل الخارجي للمقابر (الجزيرة نت)

عادات وتقاليد
ورغم ارتفاع الأسعار يلجأ غالبية المصريين، وخاصة من الطبقة الوسطى، إلى شراء المقابر من شركات القطاع الخاص لقلة المعروض من الحكومة، بحسب سامح عثمان الذي خاض تجربة شراء قبل عام ونصف العام.

وخلال العام الماضي، وفرت الحكومة المصرية ما يزيد عن 2500 مقبرة بمساحة 40 مترا مربعا للمقبرة الواحدة في أربع مناطق مختلفة بالقاهرة الكبرى، لكن وفق نظام القرعة، وذلك وفق حصر للجزيرة نت. وتبدأ أسعار المقابر الحكومية من 62 ألف جنيه (3500 دولار تقريبا) وتصل إلى 72 ألف جنيه (4000 دولار تقريبا) كاملة التشطيب.

في حديثه للجزيرة نت، يقول عثمان -وهو محاسب في العقد الخامس من العمر- “لدينا تقاليد سائدة تجعلنا نفضل شراء مقبرة بأسمائنا تكون للعائلة، وقريبة من محل إقامتنا حتى يسهل علينا بعد ذلك زيارة موتانا”.

وفي اعتقاد عثمان أن خطوة البيع بالتقسيط ساعدته في ادّخار مدفن خاص له ولبعض أفراد عائلته التي بدأت في التوسّع.

المصدر : الجزيرة

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *