محمد بن سلمان والسيسي في “60 دقيقة”.. قصة مقابلتين
|“لا يهمنا.. إذا كان ثمة سؤال يجب أن يُسأل بالنيابة عن العالم أجمع، (فسنسأله)”، هكذا عقّب الصحفي الأميركي سكوت بيلي على الحوار الذي أجراه مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لبرنامج “60 دقيقة” الشهير على قناة “سي.بي.أس” الأميركية.
لكن هذه الجرأة وهذا الحس العالي بالواجب الصحفي لم يكونا السمة المميزة في مقابلة أخرى للبرنامج نفسه أجرتها الصحفية نورا أودونيل مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قبل أشهر من مقابلة السيسي.
وبين ما جرى في المقابلتين، وبين أجوائهما، وما تركتاه من صورة ذهنية عن الرجلين، بون شاسع رغم القواسم المشتركة بين السيسي ومحمد بن سلمان وطريقتهما في الحكم.
في مقدمة حلقتها مع ولي العهد السعودي التي أذيعت يوم 18 مارس/آذار 2018، تقول عنه أودونيل “في عمر 32 عاما فقط، يبدو محمد بن سلمان كأنه لا يعرف الخوف”.
وفي جزء آخر تقول عنه إن “إصلاحاته داخل السعودية ثورية”، ثم تمضي لتقول “إنه يحرر النساء، ويستحدث الموسيقى والسينما ويحارب الفساد”.
أسئلة عديدة مهمة لم تطرح في مقابلة “60 دقيقة” مع محمد بن سلمان (مواقع التواصل) |
وقد جرت تلك المقابلة في السعودية، وفي إحدى فقراتها يتجول محمد بن سلمان مع محاورته في أرجاء قصر الحكم بالرياض في أجواء هادئة ومريحة، وتسأله أسئلة لطيفة عن أوقات عمله ولماذا يعمل في وقت متأخر، وعن أمور أخرى من هذا القبيل.
وفي فقرة منفصلة بثتها “سي.بي.أس”، يتحدث منتجا المقابلة عن أجوائها وعن انطباعاتهما عن “السعودية الجديدة” وولي عهدها. ويقول المنتجان إنهما شرحا لولي العهد السعودي ما هو برنامج “60 دقيقة”، وعرضا عليه حلقة قديمة من البرنامج كان بطلها الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان.
ويقول المتحدثان إن محمد بن سلمان يشبه في نظرته المتفائلة للمستقبل الرئيس ريغان أو الرئيس الأميركي الراحل فرانكلين روزفلت.
الطموح والتغيير
وخلال المقابلة، يدور الحديث مع محمد بن سلمان عن أفكاره وطموحه ونزعته إلى التغيير، وآرائه “غير التقليدية” عن المرأة السعودية ولباسها والسماح بقيادتها للسيارة. كما ناقشته المحاورة عن توجهاته بشأن إيران وإسرائيل والولايات المتحدة.
لكن أودونيل لم تسأله عن واقع حقوق الإنسان في السعودية وعن معتقلي الرأي، ولم تتطرق إلى الاتهامات الموجهة للرياض بارتكاب جرائم حرب في اليمن، كما لم تخض في الأنباء الواردة عن المشتريات الباذخة المنسوبة لولي العهد.
وفي نهاية الحوار، تقول أودونيل “عمرك 32 عاما.. قد تحكم هذه البلاد للسنوات الخمسين المقبلة”، ثم تسأله “هل من شيء قد يوقفك؟”.
أسئلة محرجة
في جانب آخر من صحافة “60 دقيقة”، تأتي المقابلة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي التي أذيعت يوم 6 يناير/كانون الثاني 2019 رغم مطالبة السفير المصري في واشنطن للمنتجين بعدم بثها، وتدخل مسؤولين آخرين لهذا الغرض، بينهم رئيس المخابرات العامة المصرية، وفقا لما قالته منتجة اللقاء.
ولا يشبه هذا الحوار -الذي جرى في نيويورك– أي حوار أجراه السيسي من قبل، فقد سئل عددا من الأسئلة التي لا يمكن أن يسمعها في بلاده، ومنها هل أنت دكتاتور عسكري؟ ومن أصدر الأمر بقتل المعتصمين في رابعة العدوية؟ وهل لديك فكرة جيدة عن عدد المعتقلين السياسيين الذين تحتجزهم؟
وتمضي المقابلة على هذا النحو، فيبدو السيسي ضجرا من نوعية الأسئلة ووتيرتها، خلافا لمحمد بن سلمان الذي كان يتجاوب مع محاورته وأسئلتها ويبتسم حينا ويضحك حينا آخر.
وفي فقرة منفصلة يتحدث فيها المحاور سكوت بيلي ومنتجة اللقاء عما جرى في الكواليس، يقول بيلي “حاولت أن أسأله الأسئلة التي لا يسمعها في بلده.. هذا رجل متهم ببعض من أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان منذ سنوات عديدة”.
|
|
وخلافا لما جرى مع واي العهد السعودي، فإن فريق البرنامج لم يشرح للسيسي -على ما يبدو- في أي اتجاه ستسير المقابلة، إذ قال بيلي “تساءلت: هل كان (السيسي) يعرف ما هو 60 دقيقة؟”. وأضاف “لا أعرف كيف قرر أن يجلس إلينا متصورا أن هذه الأسئلة لن تطرح”.
وقالت منتجة اللقاء “كانوا (المصريين) يريدون الحصول على كل الأسئلة مكتوبة قبل المقابلة، وحدث شد وجذب لمدة شهر، ورفضنا ذلك لأن هذه ليست طريقة عملنا في 60 دقيقة”.
وقال بيلي “لا يهمنا، إذا كان هناك سؤال يجب أن يسأل بالنيابة عن العالم أجمع، ورأيت أنه سيدفعه لنزع الميكروفون والخروج من الغرفة (غاضبا)، فلتكن هذه إجابته”. لكن الأمر الأكيد أن الأسئلة التي طرحت على محمد بن سلمان لم تكن من هذا النوع.
المصدر : الجزيرة