الغموض يلف الآفاق الاقتصادية العالمية

تسود حالة من عدم اليقين إزاء الاقتصاد العالمي وتقلبات الأسواق المالية، بحسب تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني، يستقرئ ما يجري دولياً وما يترتب عليه من ظلال على منطقة الشرق الأوسط. وتشير التقديرات حيال آفاق النمو لدول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء قطر، إلى أن التراجع المرتقب لأسعار النفط لعامي 2019-2020، مقترناً بخفض الإنتاج، سيؤدي إلى تأخير تحقيق التوازن المالي، مما ستنتج عنه ضغوط إضافية على القطاعات غير النفطية لدفع عجلة نمو الإيرادات ونمو الناتج الحقيقي.
يأتي هذا في الوقت الذي اتخذت فيه قطر قرارها في ديسمبر الماضي بالانسحاب من منظمة الأوبك مما يحررها من التزامات خفض الإنتاج، كما أن حسابها المالي (والحساب الجاري) كانا على المسار الصحيح في العام 2018، لتسجيل أول فائض منذ ثلاث سنوات.
آفاق
يأتي ذلك، فيما قام صندوق النقد الدولي في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر في أكتوبر 2018 بخفض توقعات نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 0.2%، لتصل معدلات النمو المتوقعة إلى 3.7% في العامين المقبلين مع احتمال تخفيض آخر، نظراً إلى احتمال ميل كفة ميزان المخاطر إلى الجانب السلبي.
ويهمين على هذا الوضع بشكل عام، تصاعد الإجراءات الحمائية التجارية، التي أثارتها خلافات فرض التعريفات الجمركية بين الولايات المتحدة والصين، بالإضافة إلى تشديد السياسة النقدية الأميركية في ظل قيام الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة أربع مرات في العام 2018 وبواقع 25 نقطة أساس في كل مرة، وما لذلك من تداعيات على اقتصادات الأسواق الناشئة والدول ذات العملات المرتبطة بالدولار الأميركي التي تعاني من خروج التدفقات الرأسمالية وارتفاع تكاليف الاقتراض.
الوضع السياسي
كما تزيد حالة عدم اليقين المتعلقة بالوضع السياسي في بعض الاقتصادات المتقدمة من تعقيد الوضع العام. فمِن قيام إدارة الرئيس دونالد ترمب بإغلاق الحكومة جزئياً واحتمال تصاعد تأزيم الوضع التشريعي في الكونجرس الذي يقع تحت سيطرة الديمقراطيين، مروراً بإشكالية انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي وما واجهه الرئيس ماكرون من ضغوط احتجاجات ما عرف بالسترات الصفراء التي اجتاحت الشوارع الفرنسية، مما دفعه إلى التراجع عن الزيادة الأخيرة في الضرائب. كل تلك الأحداث ساهمت في وضع نهاية سيئة لعام 2018.
خسائر
وقد منيت الأسواق المالية العالمية بخسائر في نهاية الربع الأخير من العام 2018، مع تراجع مؤشري ستاندرد آند بورز 500 ومورغان ستانلي للأسواق الناشئة بنحو 6.2% و12.3% على التوالي. وفي المقابل، كان أداء الأسواق الخليجية أفضل بالمقارنة بنظيراتها العالمية، حيث ارتفع السوق السعودي بنسبة 8% وسجل سوق أبوظبي نمواً بنسبة 11.7%، في حين جاء السوق القطري في الصدارة بنمو سنوي بلغت نسبته 20.8% (وإن كان من مستويات منخفضة في 2017).
النفط
تغيرت النظرة المستقبلية لأسعار النفط جذرياً على مدى الستة أشهر الأخيرة، مع تعدد المخاطر المحتملة لعامي 2019-2020. حيث يتوقع بنك الكويت الوطني أن يصل متوسط سعر مزيج خام برنت إلى 65 دولاراً للبرميل في عامي 2019 و2020، متراجعاً عن متوسط العام 2018 البالغ 71.6 دولار للبرميل. فنظراً لِتزايد إنتاج النفط الصخري الأميركي ورفع منظمة الدول المصدرة للنفط (الأوبك) وحلفائها لمعدلات الإنتاج، مروراً بقرار الرئيس ترمب تقديم إعفاءات مؤقتة لمدة ستة أشهر لأكبر العملاء الإيرانيين ووصولاً إلى تراجع نمو الاقتصاد العالمي، تراجع سعر مزيج خام برنت (المقياس المرجعي العالمي) بنسبة 38% تقريباً خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام 2018، لتبلغ 54 دولاراً للبرميل بنهاية العام رغم بلوغ خام برنت مستويات 86 دولاراً للبرميل في أوائل أكتوبر الماضي. وقد دفع تراجع أسعار النفط إلى قيام الأوبك بالاجتماع مجدداً خلال شهر ديسمبر والاتفاق على خفض حصص الإنتاج بواقع 1.2 مليون برميل يومياً على الأقل في العام 2019، سعياً لتوازن أسعار النفط.
تحفيز
ومن ناحية أخرى ستساهم برامج تحفيز القطاع الخاص والاستثمار في البنية التحتية في دعم النمو غير النفطي إلى حد كبير خلال فترة التوقعات، أما على صعيد قطاع المحروقات فستستمر الخطط التوسعية للحكومات الخليجية في قطاعات النفط والغاز على قدم وساق، على الرغم من التزامات خفض الإنتاج التي أوجبتها الأوبك وحلفائها وكذلك إمكانية تراجع أسعار النفط.
وبصرف النظر عن أسعار النفط، فإن هناك مخاطر أخرى تهدد الآفاق الاقتصادية تتجلى في تباطؤ النمو الائتماني في ظل بيئة ارتفاع تكاليف الاقتراض المرتبطة بتشديد السياسة النقدية الأميركية (خاصة في حالة السعودية) وانخفاض أسعار النفط، وما لذلك من تأثير سلبي على ثقة المستهلك ومعدلات الانفاق الاستهلاكي. وبصفة عامة، يتوقع بنك الكويت الوطني «NBK» أن تسجل دول مجلس التعاون الخليجي نمواً بنسبة 2.3% في العام 2019 و2.6% في العام 2020 مقابل توقعات النمو البالغة 2.4% للعام 2018.;

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *