لوموند: كيف نطور مستقبلا رقميا أكثر إشراقا؟
|في مؤتمر فوضى الاتصالات تحاول خيرة مجتمع القراصنة الدفاع عن عالم رقمي أكثر عدلا لكن ذلك يبدو صعب المنال كما تقول صحيفة لوموند الفرنسية في مقال لها بعنوان “الشبكات الاجتماعية والبيانات الشخصية والخوارزميات.. كيف نبتكر مستقبلا رقميا أكثر إشراقا؟”.
وقالت الصحيفة إنه كان من المفترض قبل بضع سنوات أن تقوم شبكة الإنترنت بتحرير الناس والوصول إلى المعرفة وكسر الحواجز الاجتماعية لكن هذا التصور الأولي الخيالي انتهى إلى تسهيل التدخل الأجنبي في الشبكات الاجتماعية، وانتشار خطاب الكراهية عبر الإنترنت وجمع كمية لا نهاية لها من البيانات الشخصية.
وأفادت بأن مؤتمر فوضى الاتصالات يجتمع فيه كل سنة في ألمانيا 34 عالما من خيرة مجتمع القراصنة بأوروبا وبقية العالم، وقد فعلها أيضا من 27 إلى 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي في مبنى كبير بضواحي لايبزيغ.
وقالت لوموند إن ما ينبغي أن يذهب إليه التفكير عند ذكر هذا المؤتمر ليس صورة رجل يقوم بقرصنة المواقع في غرفة مظلمة، ولكن بالأحرى صورة الفضوليين والسباقين وغير الراضين الذين يريدون تشريح وتفكيك التكنولوجيا لتتوافق أكثر مع المثل العليا للحرية والاستقلالية.
|
الشبكات الاجتماعية والانتخابات
وفي مقال مشترك لمارتن أونترسينغر وبولين كروكيه قالت لوموند إن مسألة تأثير الشبكات الاجتماعية في الانتخابات تشغل العديد من الدول منذ عام 2016 عندما حاولت روسيا -وفقا للسلطات والعدالة الأميركية- التأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.
وقالت الصحيفة إن جزءا من عملية التأثير هذه جاء على شكل إعلانات مستهدفة، وهي طريقة معروفة لدى أستاذ علوم الحاسوب في جامعة نيويورك ديمون ماكوي الذي لخص في أحد المؤتمرات الأهداف التي تنتهجها الوكالة الروسية المسؤولة عن الدعاية الرقمية في “عدم تشجيع تصويت فئات معينة من السكان، خاصة السود، ودفع النقاش إلى الاستقطاب وإيجاد الفوضى”.
ومنذ ذلك الحين مورست ضغوط سياسية قوية للغاية على الشبكات الاجتماعية الرئيسية مثل فيسبوك، مما أجبر هذه الشبكات على تقديم إعلانات سياسية عامة وكمية معينة من المعلومات، حسب المقال.
وأضاف ماكوي أن هذه الشفافية هي التي تجعل من الممكن فهم آليات هذا الشكل الجديد من التواصل السياسي بشكل أفضل والحد من آثاره الضارة، ولكنه يأمل انفتاحا أكبر.
ويرى الأستاذ الجامعي أن المهمة صعبة للغاية، لأن فيسبوك قام بتدابير تمنع الباحثين من تجميع محتويات أرشيفاته الإعلانية بسرعة وبشكل مكثف إلا أنه مع ذلك لا يزال من الممكن عرض الإعلانات على حسابات زائفة، لأنه “لا يفحص هوية المعلنين” حسب انتقاد ماكوي له.
ويطالب ماكوي بمزيد من الضغط على المنصات الكبرى لتحسين أرشيفها، في حين يدعو ديغو نارانجو -من جمعية أوروبية للدفاع عن الحقوق الرقمية- إلى “مهاجمة النموذج الاقتصادي (للمنصات الكبيرة) الذي يركز على هدف توليد المزيد من التغريدات والمزيد من الالتزام”.
|
البيانات الشخصية
وقالت الصحيفة إنه على الرغم من تكرار تسرب البيانات الشخصية وفضائح الخصوصية في الأشهر الأخيرة لا يبدو أن هناك أي أحد يدعو إلى إعادة النظر في نموذج العمل السائد في الإنترنت المستند إلى الإعلان والبيانات الشخصية.
وقال فريدريك كالثيونر -من منظمة الخصوصية الدولية غير الحكومية- إنه “علينا استعادة التحكم بالإنترنت، لا يوجد قانون طبيعي يفرض على المواقع والتطبيقات إرسال مثل هذه البيانات الدقيقة في كل مرة يتم استخدامها”.
وفي هذا الشأن، قدم كالثيونر نتائج دراسة أظهرت شهية فيسبوك للبيانات الشخصية، ودعت المطورين إلى عدم نقل البيانات التي لا يحتاجون إليها وترك الخيار للناس.
وأشارت الصحيفة إلى أن بدء سريان الإطار الأوروبي الجديد لحماية البيانات الشخصية سيكون مصدر أمل للبعض.
يقول نارانجو “قبل عشرين عاما لم يكن لدينا شيء، أما الآن فلدينا إطار قوي لحماية البيانات يلوح في الأفق مع المنصات الكبرى (غوغل وأمازون وفيسبوك وآبل ومايكروسوفت)”.
وتساءل الخبير الاقتصادي غاي ستاندنغ في افتتاح مؤتمر فوضى المعلومات: هل سيكون من الضروري إعادة التوازن بين مستخدمي الإنترنت الذين يتم نهب بياناتهم والمنصات الرقمية الكبيرة من أجل الحصول على دخل أساسي عالمي؟
ويعتقد هذا المدافع عن الدخل الشامل منذ فترة طويلة أنه يمكن إيجاد وسيلة لاستعادة بعض السلطة على “فيسبوك وغوغل وغيرهما ممن يربحون الكثير منا ويصنعون ثروة لا يرى المواطنون لها أثرا”.
الخوارزميات تقرر بدلا منا
وأفادت لوموند بأن مسألة الخوارزميات التي تفهم على أنها برامج حاسوب مستقلة تؤثر على بيئة مستخدم الإنترنت والمواطن قد تمت مناقشتها، مشيرة إلى أن “هذا الجدل لم يتم بعد بما فيه الكفاية” كما يقول كلاوديو أجوستي، وهو قرصان يحاول منذ أشهر عدة أن يفهم بصورة تفصيلية كيفية عمل خوارزمية فيسبوك.
ويضيف أن “الخوارزميات يمكن أن تكون شكلا من أشكال القمع، يمكن لفيسبوك تغيير الخوارزمية بين عشية وضحاها في اتجاه ليس في مصلحة المستخدم”.
ولغرض فهم طريقة تنظيم وتقديم فيسبوك المحتوى لمستخدميه أطلق القرصان مبادرة تعمل بفضل امتداد تم تثبيته من قبل المتطوعين في متصفحاتهم والإنترنت لجمع بعض المنشورات الموجودة على صفحة أخبار فيسبوك.
ودعا إلى عدم حذف فيسبوك قائلا “لا تحذف فيسبوك، امنح ملفك الشخصي للعلم، لأن ملف التعريف الخاص بك هو السبيل الوحيد لمراقبة الشبكة، وهو نقطة مراقبة مهمة لفهم كيفية عمل فيسبوك”.
كلاوديو: يجب ألا تبقى السلطة في مركز الشبكة بل يجب أن تكون لامركزية لدى المستخدمين |
فالت الصحيفة إن الناظر إلى كل الشرور التي تؤثر على العالم الرقمي المعاصر سيجد أنها تعود إلى نقطة واحدة، لأن جميع الاستخدامات وجميع البيانات وكل ردود الفعل مرتبطة بمنصات مركزية، معظمها في وادي السليكون.
وتساءلت الصحيفة: هل من الواقعي ترك خدمات العمالقة الرقميين؟ والتقطت الجواب من نارانجو عندما يقول “من الصعب جدا أن نطلب ذلك من الناس لأنهم يعتمدون عليه، لقد غادرت فيسبوك قبل بضع سنوات وفقدت الاتصال المنتظم مع بعض الأصدقاء”.
ويقول إننا “نحتاج إلى بدائل لمنصات الاتصال المركزية هذه”، أما كلاوديو أغوستي فيشير إلى أنه انطلاقا من التشخيص نفسه “يجب ألا تبقى السلطة في مركز الشبكة بل يجب أن تكون لامركزية لدى المستخدمين”.
وقالت الصحيفة إن المكان الوحيد في العالم الذي توجد فيه اللامركزية المثالية والحلول المحترمة وحقوق المستخدمين بصورة نشطة هو بلا منازع مؤتمر فوضى المعلومات.
مشكلة سياسية لا فنية
وأشارت لوموند إلى أن المنصات الكبرى التي تستحوذ على حصة من الأنشطة البشرية على الإنترنت نجحت في إعادة مركزية تكنولوجيا الإنترنت بالقوة على الرغم من أن قوتها ونجاحها يكمنان في طبيعتها اللامركزية، مبينة أن البعض لا يزال يحاول تخيل الأدوات والتقنيات التي تتفكك مع بيئة المركزية القائمة.
وفي ختام المقال عرضت الصحيفة بعض المقترحات التي قدمتها بعض الجهات، مثل ماتريكس التي تقترح نظاما يسمح بالربط بين جميع خدمات الدردشة بدون خادم مركزي ومحاولات أخرى لوضع البدائل للعمالقة الرقميين.
واختتمت بمحاولة مجموعة نكست كلاود التي تعمل على إيجاد بديل للأنظمة السحابية التقليدية مثل غوغل، حيث يقول أحد أعضائها -ويدعى خوسيه بورتفليت- إن المشكلة سياسية أكثر منها فنية، ونحن نستطيع كمطورين أن نتخيل حلولا مختلفة”.
المصدر : لوموند