سياحة الطعام في المغرب.. تذوق تاريخ وثقافة وطن عبر أطباقه!

“أحن إلى خبز أمي.. وقهوة أمي..”

(محمود درويش)

 

لكل بيت مذاق طعام مميز، رائحة لا تشبهها رائحة، وخلطة توابل يستطيع أبناء البيت تمييزها دائما، نكبر وتظل رائحة الحساء المنزلي والكعك الساخن عالقة بذاكرتنا ممتدة من القلب وحتى فرن البيت الدافئ البعيد في الذاكرة. وعلى نطاق أوسع، لكل مدينة مطبخها وأطباقها المميزة، حيث تُمرَّر الوصفات التقليدية من جيل إلى جيل، وتتنقل مع من يرتحل من أرض إلى أرض حيث يصطحب المهاجرون أطباقهم التقليدية من بلد إلى آخر كطوق أمان يُحصّنهم ضد الشعور بالاغتراب، ويصاحب هذا الانتقال تغيرات في مكونات الأطباق الرئيسية، فتتأثر بعادات الطهو في البلاد الجديدة وتؤثر فيها، لكن يظل كل طبق محتفظا بنَفَس من التاريخ والثقافة والملامح المميزة لبلده الأصلي. لذلك ارتبط الطعام دائما ارتباطا وثيقا بالحضارة، وكشفت طرق الطهي المختلفة عن الكثير من التفاعلات الحضارية بين الثقافات المختلفة، فالطهي ليس مجرد مكونات غذائية وإنما هو خليط مدهش من الأطعمة والروائح التي يحمل كل منها تراثا وتاريخا ممتدا.(1)
   

 

مؤخرا، لم تعد السياحة تقتصر على استكشاف المناطق السياحية فقط، بل تطور نوع جديد من السياحة يُعرف بسياحة الطعام والشراب، ويقوم هذا النوع بشكل أساسي على استكشاف الطعام والشراب الخاص بثقافة أو بلد معين، أو تعلم طرق إعداده، وتجربة الطعم الأصلي للطبق في بلده الأم. وتشمل سياحة الطعام فصول تعلم الطهي على أيدي خبراء الطعام المحليين، وكذلك جولات الطعام والشراب سواء في المطاعم والبارات المحلية أو المزارع وأماكن التصنيع، كما تشمل أيضا مهرجانات الأطعمة.(2) 

ووفقا للجمعية الدولية لسياحة الطعام (the International Culinary Tourism Association) فإن هذا النوع من السياحة يشهد نموا مطردا، خاصة مع ازدياد القنوات التي تساعد على التعريف به مثل قنوات التلفاز المتخصصة والأفلام الوثائقية والمدونات المتخصصة والتي تستعرض الكثير من وجهات السفر المميزة لمحبي الطعام، وهو ما أدى إلى ازدياد هذا النوع من السائحين.(3)

 

تقدم سياحة الطعام تجربة أصيلة للسائح وتمنحه فرصة للتواصل مع ما هو فريد وأصيل ومرتبط بشكل جذري بتاريخ كل بلد وثقافتها المميزة. واليوم نقدم لكم جولة بين أطباق واحدة من أشهر وجهات سياحة الطعام في العالم وهي المغرب، ويُعد المطبخ المغربي واحدا من أهم وأغنى المطابخ العالمية، إذ يعكس تنوعه تعاقب الشعوب والحضارات على أرضه، فبإمكانك أن تتبع تاريخ المغرب والتأثيرات الثقافية المختلفة للسكان الأوائل والمهاجرين والمحتلين عبر أطباقه.(4)

              

 تعود أصول الكثير من الأطباق المغربية إلى السكان الأوائل منذ أكثر من 2000 عام، سواء طرق الطهي باستخدام الطاجين، أو استخدام مكونات مثل الكسكسي أو الحمص والفاصوليا، ويُعد مطبخهم هو المطبخ المؤسس ﻷغلب وأهم عادات وطرق الطهو في المطبخ المغربي. أما الفتح العربي في القرن السابع فقد أثر على المطبخ المغربي بشكل كبير، حيث جلب العرب معهم إلى المغرب التوابل مثل القرفة والفلفل الحلو والزنجبيل من بلاد الهند والصين، كما أدخلوا المكسرات والفواكه المجففة التي جلبوها من بلاد الفرس، وهو ما أثر في إعداد الأطباق التي تجمع بين الطعم الحلو واللاذع.

 

أما المور أو المغاربة من أصل أندلسي فقد أدخلوا إلى المطبخ المغربي الزيتون وزيت الزيتون واستخدام الموالح. كما تظهر بصمات اليهود المغاربة في طرق حفظ الأطعمة والمخللات، أما أثر الدولة العثمانية فيظهر في إدخال أطباق المشاوي والكباب إلى المطبخ المغربي خلال القرن السادس عشر. وعلى الرغم من قصر فترة الاحتلال الفرنسي نسبيا فإنه أثر بوضوح على المطبخ المغربي، وما زال أثره ممتدا في طرق عمل بعض المعجنات والقهوة والنبيذ.(5)(6)

وقد اختلطت كل هذه الأصول الثقافية وامتزجت معا على مر العصور لتُخرج أطباقا مغربية مميزة ليس لها مثيل، تُمكّنك من تذوق التاريخ عبر كل ملعقة.
     

              

 تتميز الأطباق المغربية بالاستخدام المميز للتوابل، فبإمكانك أن تجد الزنجبيل المجفف والكركم والكمون في أغلب الأطباق المغربية. ويُعد الكمون واحدا من التوابل الرئيسية المستخدمة، حيث تجده على المائدة عادة إلى جوار الملح والفلفل الأسود. أما الزعفران فهو واحد من التوابل الأساسية التي يشتهر جنوب المغرب بإنتاجها، حيث تُعد المغرب الدولة
الرابعة عالميا في إنتاج الزعفران. ويدخل في صناعة العديد من الأطباق كما أن له استخدامات علاجية أيضا. ومن خلطات البهارات الشهيرة بالمغرب تلك المعروفة بـ ”
راس الحانوت حيث تُعد باستخدام مجموعة من التوابل يتراوح عددها من 20 إلى 100 ومن أشهرها:

 

الفلفل الأسود والأبيض، الهيل، جوزة الطيب، القرفة، القرنفل، الشمر، براعم الورود والخزامى، الزنجبيل، الزعفران، الكبابة. المعدنوس والقزبر (أو البقدونس والكسبرة) هما أهم الأعشاب المستخدمة في كثير من الأطباق المغربية. أما الشاي فيضاف إليه النعناع في الصيف أو عشبة الشيبة في الشتاء وكذلك عشبة اللويزا. وفي المعجنات ستتمكن من تذوق الينسون والزعتر. والمغرب من الدول المصدرة لزيت الزيتون، لذلك يستخدم زيت الزيتون في عدد من الأطباق المغربية، كما يمكنك الاستمتاع بمذاق زيت الأرجان الذي يستخدم في بعض مناطق المغرب كتتبيلة للسلطات. وكذلك تدخل الفواكه المجففة كالتين والخوخ والمشمش والبلح في عدد كبير من الأطباق المغربية.(7)

       

حساء البيصارة: من أشهر الأطباق الشتوية في المغرب وخاصة في منطقة شمال المغرب، أهم مكوناتها الفول الجاف والكرنب واللفت وزيت الزيتون، وعادة ما تُقدم على الإفطار.

 

المعقودة: من الأصناف الجانبية اللذيذة، وهي عبارة عن كُرات من المقلية[1]  والتي تقدم مع صلصة الهريسة الحارة.(8)

 

 الالتحاق بدورات تعلم الطهي على أيدي متخصصين: توفر العديد من المطاعم الكبرى دورات لتعلم الطهي، وقد تقتصر هذه الدورات على ساعات قليلة، أو تمتد لتشمل عدة حصص في عدة أيام.

 

إعداد الطعام مع السكان المحليين: كما يفتح بعض المرشدين من السكان المحليين بيوتهم لاستقبال السائحين ومساعدتهم على تعلم عمل الأطباق المغربية، وتُعد هذه فرصة رائعة لتتذوق أصالة البيت المغربي وكرم الضيافة المغربية الشهير، عادة ما يشمل هذا جولة في السوق لشراء ما يستلزمه إعداد الطعام من مكونات، والتعرف على الأسواق المحلية ومتاجرها، ثم العودة إلى منزل المضيف للاشتراك معا في إعداد الطعام، حيث سيشاركك الكثير من أسراره.

 

جولات الطعام: بالاتفاق مع أحد المرشدين المحليين بإمكانك إعداد جولة طعام، تستطيع من خلالها استكشاف أشهر الأطعمة المغربية، سواء المُعدّة من قِبل السكان المحليين أو في المطاعم. يمكنهم أيضا مساعدتك على استكشاف الأسواق المحلية وشراء المكونات الشهيرة مثل التوابل. يمكنك التعرف على أمثلة لتلك الجولات وتكلفتها من هنا، وهنا.

 

 

لطالما كانت المغرب وجهة مثالية للسفر بحضارتها الأصيلة وثقافتها المتنوعة، ومزيج الأطعمة والروائح الذي نعدك ألا تنساه أبدا.

 

 الكسكسي: الكسكسي واحد من أشهر الأطباق المغربية، من أصل بربري حيث يُعد من دقيق السميد بعد خلطه بالماء بطريقة معينة على شكل حبيبات تُطهى على البخار، وقد يطهى مع اللحم والخضروات، أو قد يضاف إليه الحليب والسكر والزبد. ويؤكل الكسكسي بالملاعق أو الأيدي.

 

الطاجين: من أصل بربري أيضا، وتطلق اللفظة على الطبق وعلى الوعاء المستخدم في طهيه، وهو عبارة عن وعاء دائري مجوف من الفخار له غطاء مخروطي الشكل له فتحة تسمح للبخار بالارتفاع والتكثف للعودة مرة أخرى إلى الإناء. وهو مُعد خصيصا لطهو الطعام ببطء على “المجمر” المصنوع من الفخار باستخدام الفحم المشتعل. ومن أنواع الطاجين: طاجين لحم الضأن مع الزبيب واللوز، وطاجين الدجاج مع الزيتون والليمون المحفوظ، وطاجين الدجاج مع البرقوق. ولكل جزء في المغرب طريقة مميزة لإعداد الطاجين. ونظرا لأنه يستغرق وقتا طويلا في الطهي فعادة ما تبدأ ربة المنزل في إعداده مباشرة عقب الانتهاء من وجبة الإفطار.

 

 

حساء الحريرة: المكونات الأساسية لحساء الحريرة هي الطماطم والبازلاء والحمص والعدس والمعكرونة الصغيرة، ويشتهر حساء الحريرة كطبق رئيسي على مائدة الإفطار الرمضاني في المغرب، حتى إن الأطفال يحتفلون بقدوم الشهر الكريم بغناء أغنية شعبية تقول كلماتها: “تيريرا تيريرا وا غدا لحريرة”، ويقدم معها نوع من الحلوى يُعرف باسم الشباكية.

 

الزعلوك: من أشهر السلطات في المغرب ويدخل في تكوينها الكوسة والباذنجان والطماطم والفلفل الحار والبقدونس وعصير الليمون ويتم طهوها معا في الإناء نفسه.

 

البيستية/البسطيلة (Pastilla): طبق من أصل أندلسي جلبه المغاربة الذين طُردوا من جنوب إسبانيا في القرن الخامس عشر. وهو عبارة عن نوع من المعجنات الرقيقة المحشوة بالدجاج أو الحمام أو السمك، حيث تلف كالفطيرة وترش بالقرفة والسكر، وهو من الأطباق الرئيسية وعادة ما يُقدم في المناسبات السعيدة نظرا لما يستغرقه إعداده من وقت وجهد.

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *