صحيفة إسبانية: شباب سوريا لاجئون بأحلام كبيرة

تقول الكاتبة روسا منسيس في مقال بصحيفة ألموندو الإسبانية إن جيلا برمته من الفتيان والشباب السوريين يكافحون في المنفى في تركيا من أجل إعداد أنفسهم لمواجهة المستقبل، في وقت لا يثق فيه آباؤهم مطلقا في العودة إلى سوريا طالما لا وجود لبوادر لتحقيق السلام.

ونقلت الكاتبة قصة الفتاة السورية إيمان الغاد (16 عاما) التي ولدت في الأردن، لينتهي بها المطاف لاجئة في منطقة الريحانية في تركيا. وتقول إيمان “دائما ما أقول إنني لا أملك بلدا، لأنني في الواقع من جميع البلدان”.

وتعد إيمان إحدى طالبات مؤسسة بيت كرم، وهي منظمة غير حكومية تتولى مهمة تدريب اللاجئين السوريين الشباب في هذه المدينة الحدودية في مجالي الابتكار والقيادة.

وتضيف الكاتبة أن إيمان تتقن اللغة الإنجليزية جيدا التي تعلمتها من تلقاء نفسها دون الاستعانة بأي أحد. وقد شرحت إيمان خلال مشروعها، الذي كان عبارة عن رسم تخطيطي، قائلة “كلنا مرتبطون بالمجتمع، من الملك إلى الفلاح، كل شخص لديه وظيفة وسبب لوجوده. إن هذا النموذج الذي بين يديّ هو عبارة عن نظام لا يحتل فيه أحد مكانة أكثر أهمية من الآخر، وتسود فيه المساواة والتوازن”.

السلام يبدو بعيد المنال بالنسبة لأولئك الأشخاص الذين غادروا منازلهم هربا من العنف (الأوروبية)

صدمة ورعب
وتفيد الكاتبة بأن فكرة المجتمع التي تحدثت عنها إيمان تعكس بشكل كبير الوضع الذي عاشته، وهو وضع سوريا في حالة الحرب، التي تقاوم الدكتاتوريات من أجل البقاء حتى على حساب المطالبة بالديمقراطية. كما تحدثت إيمان عن الطريقة التي يتخيل بها اللاجئ الشاب العالم في المستقبل. ورغم الصدمة والرعب الذي عاشته هذه الفتاة، فإنها لم تفقد نظرتها المثالية للواقع.

وأوردت الكاتبة أن نحو 300 شاب تتراوح أعمارهم بين 14 و17 عاما يدرسون في هذه المؤسسة. وقد وجد جميعهم خلال تجاربهم مصادر إلهام استطاعوا توظيفها في مشاريعهم.

وفي هذا الصدد، يشارك وليد عراد (17 عاما) في ندوة التصميم حيث يعمل على صنع نماذج أعضاء اصطناعية للأشخاص الذين تعرضوا لبتر أعضائهم خلال النزاع الدائر في بلاده. وفي هذا الإطار، صرح عراد بأن “ما يحفّزني هو ابتكار أي شيء من شأنه مساعدة الآخرين”.

تحدي التعليم
وتوضح الكاتبة أن المستقبل يُعد أهم هاجس بالنسبة للاجئين السوريين الشباب في تركيا، إذ إنهم يعتبرون التعليم “غذائهم” الرئيسي. وفي مؤسسة بيت كرم، يدرك القائمون جيدا هذا التحدي ويعملون على تزويد الشباب الذين عانوا من الحرب بالمهارات اللازمة لإعادة بناء حياتهم.

وفي هذا الشأن، صرحت ندى هاشم، وهي شابة أميركية من أصل سوري غادرت إلى لوس أنجلوس قبل ثلاث سنوات قبل أن تستقر في منطقة الريحانية لمساعدة مجتمعها، قائلة “إلى جانب ما يوفره التعليم الرسمي، يحتاج هؤلاء اللاجئون إلى اكتساب مهارات والتحلي بالتفكير النقدي وذلك حتى يضمنوا دخولهم في سوق العمل ويصبح باستطاعتهم منافسة بقية أقرانهم”.

وتضيف ندى هاشم “نحن نريد منحهم فرصة. فعلى الرغم من أن بعضهم سيعود إلى سوريا، فإن العديد منهم سيبقون في تركيا. ولكن مهما فعلوا، سيضل هدفنا هو تدريب الأشخاص الذين سيقودون هذا العالم في المستقبل في المجال الذي يختارونه”.

وتشير الكاتبة إلى أن هناك حوالي ربع عدد اللاجئين السوريين البالغ عددهم 600 ألف لاجئ الذين استقبلتهم محافظة هاتاي، قد استقروا في منطقة الريحانية، التي يعيش فيها حوالي 90 ألف تركي و120 ألف لاجئ سوري معظمهم لا يقيمون في مخيمات اللاجئين التي أقامتها السلطات.

اللاجئون السوريون يعيشون ظروفا قاسية (الأوروبية)

ظروف ومعاناة
ويعيش هؤلاء اللاجئون ظروفا سيئة داخل المستودعات والمباني التي لم يكتمل بناؤها بعد، أو المصانع الفارغة وأقبية المباني ومواقف السيارات أو الخيام المصنوعة من القماش، وذلك دون كهرباء أو مياه، إضافة إلى أن أغلب الأطفال اللاجئين لا يستطيعون الوصول إلى المدرسة.

وأضافت الكاتبة أن المجهود الذي يبذله أولئك الأطفال القلائل المحظوظون في دراستهم جدير بالإعجاب، إذ تؤكد رؤية مكتبة المؤسسة وهي تعجّ بالأطفال الذين يوجّهون أسئلتهم إلى المدرسين المساعدين بشأن امتحان الكفاءة الدراسية التركي، حجم هذا التفاني. لذلك، يكافح جيل بأكمله من المراهقين من أجل اقتلاع مكان ما في العالم والتغلب على الصراع.

وفي هذا السياق، أكدت منيرة أمين، المعلمة السورية البالغة من العمر 31 سنة والتي تقضي أيامها في تعليم اللغة العربية للأطفال والشباب اللاجئين، الذين فقدوا لغتهم الخاصة بسبب الاندماج في النظام التعليمي للبلد المضيف، أن “هؤلاء الشباب لديهم أحلام كبيرة”.

ونقلت الكاتبة ما جاء على لسان ندى هاشم التي أفادت بأن “هناك طلبة لم يعد بإمكانهم التحدث أو قراءة اللغة العربية لدرجة أن العديد من الأطفال أصبحوا يشعرون بأن تركيا هي وطنهم. وفي الواقع، رحبت الحكومة التركية بوجود هؤلاء اللاجئين بشكل أفضل من حكومتهم”. وتجدر الإشارة إلى أن السوريين الموجودين في الريحانية يأملون في العودة إلى بلدهم. لكن حتى ذلك الحين، يرغب هؤلاء اللاجئون في العمل هنا.

سلام بعيد المنال
استقبلت تركيا حوالي 3.5 ملايين لاجئ سوري فروا من الحرب التي اجتاحت البلاد منذ العام 2011. ورغم أن القصف سيهدأ في الوقت الذي سيستعيد فيه الأسد السيطرة على الأراضي السورية، فإن السلام يبدو بعيد المنال بالنسبة لأولئك الأشخاص الذين غادروا منازلهم هربا من العنف. وعموما، يبدو أن فكرة العودة لا تعد ضمن أهدافهم المباشرة، حيث لا يزال هناك شعور بالخوف وعدم الثقة في صفوف اللاجئين.

ومن جهته، قال خالد حميش، الذي يعيش منذ أكثر من سبع سنوات رفقة عائلته في مخيم للاجئين في بلدة أوردو، “نحن لا نعتزم العودة إلى سوريا ما دام بشار الأسد موجودا هناك، فنحن لا نصدقه البتة، وسيقتلنا إذا ما عدنا”. وفي الحقيقة، فإن الشعور بعدم الثقة والأمان موجود في ذهن خديجة عبد الله، وهي أرملة تبلغ من العمر 38 سنة، وتقطن في إحدى القرى التي تبعد حوالي ساعة واحدة من بلدة أوردو. وقد أكدت خديجة أنها “لن تعود إلى سوريا إلا إذا تم إحلال السلام”.

المصدر : الجزيرة,الصحافة الإسبانية

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *