مبادرة تطوعية لمواجهة عبء الدروس الخصوصية بالكويت
|محمود الكفراوي-الكويت
لم يحبذ الرجل أن تقتصر الجلسة على الطالبة وحدها لبعض الاعتبارات المجتمعية، وعندها فكر في وضع إعلان عبر حسابه في موقع تويتر لمن يرغب في الحصول على دروس مجانية في مادة التاريخ، وحصل ما لم يكن يتوقعه.
يصف ابن غيث ما حدث في تلك الليلة بالمفاجأة قائلا إنه وضع الإعلان وخلد إلى النوم وحين استيقظ وجد العديد من الاتصالات على هاتفه، والمفاجأة أن عددا منها كان من جهات تعرض توفير قاعات مجهزة للدرس، في حين قام بعض مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي بمشاركة تغريدته، وأعلن زملاء له رغبتهم في المشاركة بتلك المبادرة.
تشكل الدروس الخصوصية في الكويت عبئا ثقيلا على الأسر وميزانياتها، وتحكي أم عبد الله أنها كانت مطالبة بتوفير ثمانين دينارا أسبوعيا (نحو 263 دولار) تكلفة حصول ابنها الطالب في المرحلة الثانوية على دروس خصوصية في مادتين فقط هما اللغة الإنجليزية والرياضيات، بواقع أربع ساعات لكل مادة، وهو أمر مرهق خاصة أن لديها أربعة أبناء في المراحل الدراسية المختلفة.
بدرية العتيبي معلمة متطوعة تعطي دروسا خصوصية بالمجان (الجزيرة نت) |
تسرد أم عبد الله مزيدا من معاناتها مشيرة إلى أنها كانت مطالبة كذلك بتوفير نفقات دروس خصوصية من وقت لآخر لثلاث مواد أخرى هي الفيزياء والكيمياء والأحياء، أما نجلها الأصغر والطالب في المرحلة المتوسطة فإنه يحصل هو الآخر على دروس خصوصية في ثلاث مواد، لا سيما وقت الاختبارات.
ذات يوم وأثناء متابعتها لموقع التواصل الاجتماعي “إنستغرام” شاهدت أم عبد الله إعلانا عن تقديم دروس مجانية من قبل مجموعة من المدرسين ما دفعها إلى الاتصال بهم على الفور آملة في تخفيف العبء عن كاهل أسرتها.
المعاناة نفسها عاشتها “أم رزان” وهي وافدة سورية تقيم في الكويت منذ سنوات كان عليها أن تدبر أقساط المدارس الخاصة لأبنائها إضافة إلى نحو 150 دينارا شهريا (490 دولارا) لدروس ابنتها الطالبة في المرحلة الثانوية.
تقول “أم رزان” إنها لمحت أثناء تسوقها في أحد المولات إعلانا عن تقديم دروس تقوية مجانية ما دفعها للتسجيل عبر الحساب المعلن لتنتظم ابنتها في تلك الدروس منذ ذلك الوقت، مؤكدة أنه كان من الصعب في مثل تلك الظروف تجاهل إعلان كهذا.
معلمون متطوعون
لم تكن تلك الإعلانات سوى مبادرة “معلمون متطوعون” التي تتخذ من كلمة “درس” شعارا لها، وهي المبادرة التي أطلقها مدرس التاريخ للمرحلة الثانوية بدر بن غيث نهاية العام الدراسي الماضي لتحقق يوما بعد يوم نجاحا لافتا سواء على مستوى انضمام المعلمين المتطوعين أو تفاعل الجهات المختلفة وكذلك على مستوى التحاق الطلاب بفصولها.
استطاعت المبادرة خلال الفترة الدراسية الأولى من العام الحالي مساعدة 460 طالبا وطالبة في المراحل المختلفة، قسّموا على مجموعات يتراوح عدد طلابها بين عشرة إلى 12 طالبا.
يقدم معلمو المبادرة وعددهم 44 معلما ومعلمة من جنسيات مختلفة تسع حصص يومية في المواد الدراسية، وهو ما مكنهم من تغطية نحو 90% من المواد الدراسية التي يدرسها الطلاب المسجلين في كشوف المبادرة.
وتشير تقديرات أعضاء المبادرة إلى أن أكثر من 90% من طلاب المرحلة الثانوية يحصلون على دروس خصوصية في المواد العلمية تحت ضغط الرغبة في الحصول على معدلات دراسية مرتفعة.
وتتفق هدى الديحاني نائبة رئيس المبادرة وزميلتها مريم الكندري وهي مدرسة فيزياء للمرحلة الثانوية على أن تزايد معاناة أولياء الأمور كان الدافع الأكبر للانضمام للمبادرة التي تهدف إلى تقديم دروس مجانية لتحسين تحصيل الطلاب الدراسي، وتوفير بديل مجاني لظاهرة الدروس الخصوصية التي استشرت في المجتمعات العربية.
وبحسب بيانات وزارة التربية الكويتية، يبلغ إجمالي عدد الطلاب في المراحل التعليمية المختلفة 406593 طالبا وطالبة منهم 160783 للمرحلة الابتدائية و 123792 للمتوسطة و 78606 للمرحلة الثانوية وهى المراحل الثلاث التي تشهد لجوء طلابها إلى الدروس الخصوصية، أما طلاب مرحلة رياض الأطفال فيبلغ عددهم 43413 طالبا.
تدني الأجور
ويسهم تدني أجور معلمي المدارس الخاصة في لجوء أعداد كبيرة منهم لتقديم دروس خصوصية للطلاب، إذ يتراوح دخل معظم المعلمين في تلك المدارس بين 160 إلى 300 دينار (526 إلى 980 دولارا)، وهو دخل ضعيف جدا إذا علمنا أن إيجار الشقة المكونة من غرفتين وصالة يتراوح عادة بين 220 إلى 400 دينار بحسب المنطقة (بين 723 إلى 1300 دولار).
وتبدأ تسعيرة الدروس الخصوصية في الكويت من عشرة دنانير (30 دولار تقريبا) في الحصة لطلاب المرحلة الابتدائية وتزداد تدريجيا لتصل إلى ثلاثين دينارا للحصة في المرحلة الثانوية، وهناك من يلجأ إلى الاتفاق مع المدرسين على تكلفة إجمالية للفصل الدراسي تصل إلى نحو خمسمئة دينار (1600 دولار تقريبا) في مادة الفيزياء للمرحلة الثانوية على سبيل المثال.
وبالإضافة إلى تقديم دروس مجانية، تسعى مبادرة “درس” إلى زيادة الثقة لدى الطلاب وتبسيط المعلومة، الأمران اللذان يسهمان كثيرا في تحسن المستوى الدراسي، نتيجة زيادة حب الطالب لدراسة المادة وهو ما ينعكس على مستواه الدراسي فيها.
المصدر : الجزيرة