بعد 18 عاما بسجون الاحتلال.. أسير فلسطيني يسلم زوجته هديتها

أمجد أيمن-غزة

استلمت سعدية الحوراني، زوجة الأسير المفرج عنه حديثا عماد الدين الصفطاوي، هديتها التي أحضرها زوجها لها بعد رحلة سفر من مدينة دبي عام 2000 قبل أن تعتقله قوات الاحتلال الإسرائيلي على معبر رفح.
 
وخلال اعتقاله لمدة 18 عاما ظلت الهدية محتجزة معه في السجون الإسرائيلية، وكانت عبارة عن هاتف نوكيا من إصدار نفس عام الاعتقال والمعروف بـ”بيبي نوكيا”.

ففي اللحظة التي يُفرج فيها الاحتلال عن أي أسير فلسطيني، يطلب منه التوّجه إلى الأمانات لاستلام مقتنياته التي كانت معه لحظة اعتقاله، مما يفتح على الأسرى أبواب الذكريات الأليمة لحظة الاعتقال والجميلة ما قبلها، قد تكون منها مقتنيات موجودة منذ سنوات.

وهذا ما حصل مع الأسير عماد الدين من قطاع غزة حين أفرج عنه يوم 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وكان قد اشترى لأطفاله هدايا وهاتف نوكيا لزوجته، غير أنه لم يعد وقتها للمنزل.

نشرت أمس لين (17 عاما) ابنة الأسير تغريدة أثارت ضجة بين ناشطين عرب على مواقع التواصل الاجتماعي، تقول فيها إن أمها استلمت هديتها التي كانت من المفترض أن تحصل عليها عام 2000 لكن استلمتها في 2018 مع حرية والدتها.

الأسير المحرر (يسار) يعانق أحد أصدقائه (الجزيرة نت)

كانت في بطن أمها
في وقت اعتقال والدها كانت والدة لين حاملا بها، وقد شاهدته لأول مرة خلال زيارة للسجن بعدما أصدرت مصلحة السجون الإسرائيلية في شتاء 2014 قرارا جديدا يسمح للأسرى بأن يزورهم أبناؤهم، عندها شعرت للمرة الأولى بصعوبة أن يكون لها والد في سجون الاحتلال لا تستطيع العيش معه.

تقول لين “وسائل الإعلام المحلي وجمعيات رعاية الأسرة كانت ركز على أنني ولدت وأبي في السجون الإسرائيلية. شعرت بنقص كبير عندما وعيت، وكنت أغار من البنات اللاتي بين آبائهم، لكن عندما أصبحت مراهقة افتخرت بوالدي لأنه كان مناضلا”.

اعتقل والد لين لأنه كان شارك في أعمال المقاومة ضد الاحتلال في غزة وهرب يوم 17 مايو/أيار 1987 من سجن غزة المركزي إلى مصر ثم سوريا، وسقطت الأحكام عنه وعن الكثير من الأسرى عقب اتفاق أوسلو عام 1993. وعاد لغزة مع زوجته عام 1995، لكن الاحتلال لم يغفر له ذلك، واعتقله يوم 13 ديسمبر/كانون الأول 2000.

تضيف لين “اتصل والدي قبل شهر ليخبرنا أن موعد حريته سيكون 12 ديسمبر/كانون الأول، وطلبوا منه قبل المغادرة أن يذهب لقسم الأمانات لاستعادة المقتنيات التي كانت بحوزته لحظة اعتقاله.. أخبرنا أنه كان قد أحضر هدايا من ضمنها هاتف نوكيا قديما. عندما تحرر أهداه لأمي التي شعرت بسعادة كبيرة”.

الوالد يقدم لابنته سارة الدمية التي كان اشتراها لها قبل 18 عاما (الجزيرة نت)

جاءت هديتها بعد 18 عاما
أما ابنة الأسير الثانية سارة (20 عاما) فكانت تبلغ عامين وتنتظر الهدايا من والدها، لكنه عندما عاد من السفر من دبي كان الاحتلال قد اعتقله على بوابة رفح.

وكان حينها يحمل هدايا لأبنائه الخمسة الذين لم يبق منهم في غزة سوى لين وسارة، بينما سافر أشقاؤهن الذكور الثلاثة خارج القطاع بسبب الظروف الاقتصادية وبحثا عن فرص أفضل لهم.

زارت سارة والدها في المعتقل ثلاث مرات، وفي الزيارة الثالثة كانت في الثامنة من عمرها وهي ترافق جدتها، وكان ذلك في شتاء عام 2007 كما تذكر. لكنها لم تستطع زيارة والدها بحجة خلل فني في الأوراق، وتذكر عندها بكاءها وهي تريد أن تزوره.

تقول سارة “اليوم عمري 20 عاما، وملامحي تغيرت في التحضير لقدوم والدي. عندما رأيته وأنا كبيرة انهرت من البكاء، لن يشعر أحد بإحساسي. شعرت بأني أحضن الوطن لحظتها وهو متحرر، هداياه كانت عبارة عن قطعة من فلسطين”.

حصلت سارة من والدها على دمية بهيئة فتاة عمرها 18 عاما. وهذه الهدايا دفعتها لاستعادة كل الذكريات القديمة منها القاسية، لكن هذه الهدايا قيمتها كبيرة بالنسبة لهم.

 يقدم لزوجته سعدية هدية لوحة أنجزها داخل المعتقل عام 2002 (الجزيرة نت)

اجتمع الزوجان
تزوجت سعدية الحوراني (49 عاما) بعماد الدين الصفطاوي عام 1989 في سوريا، في ظل تنقله مع فصيل الجهاد الإسلامي ضمن عمله في المكتب السياسي فيه.

وعرفت خلالها عن طبيعة حياته في العمل السياسي، وأنه مطلوب للاحتلال وقتها، لكنها قررت أن تشاركه حياته وتبني أسرة معه رغم كل الملاحقات.

لكن نتيجة سوء الظروف الاقتصادية والمعيشية، بقيت الأم ولين وسارة في المنزل ينتظرن لحظة تحرر الوالد، حيث إن أبناء الأسير الذكور سافروا تباعا إلى الولايات المتحدة وإسبانيا وتركيا بحثا عن حياة أفضل.

تقول سعدية “أذكر تماما لحظة أسر زوجي حين كان يبكي أطفالي بعد أن كان أكبرهم متلهفا لتلقي هدية من والده، واليوم أشعر أن فلسطين عادت لي مع زوجي. سأبدأ حياتي من جديد، وأنا أنظر لجوال النوكيا على أنه أغلى هدية في الكون بالنسبة لي”.

يستذكر عماد الدين لحظة شرائه الهدايا وهاتف النوكيا لأسرته بالقول “دخلت متجرا كبيرا في دبي وأفكر بالهدية التي سأقدمها لزوجتي إلى جانب الهدايا الأخرى لأطفالي. نظرت لهاتف النوكيا وكان حديثا..”.

يضيف “كنت واثقا من أنه سيفرحها، وكنت أتوق للحظة التي أراها سعيدة به. لم أعلم أن هذه اللحظة ستكون بعد 18 عاما.. اليوم أريد أن أكون أبا لسارة ولين وزوجا يرافق زوجته دائما، وأن نكون أسرة من جديد”.

أصبحت لين وسارة ترافقان والدهما أينما ذهب لتعويض سنوات الأسر، وتسردان له كل يوم أحداث طفولتهما ولحظات العيش تحت العدوان الإسرائيلي، ولحظات الشوق، وآمالهن المتجددة بعد التحرر.

المصدر : الجزيرة

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *