أم بلال.. مأساة على “طريق الموت” من الحويجة إلى كركوك

صفاء السهيل-كركوك

نجت برفقة والدة زوجها من قصف قوات التحالف الدولي لمستشفى الحويجة (شمال بغداد) عام 2016، الذي قتل جراءه زوجها وابنها ذو الربيعين، في حادثة شكلت نقطة تحوّل في حياة “أم بلال” وأطفالها الأربعة.

تعدد الأدوار
أم عبد الرحمن (29 عاما)، أو كما تحب أن تنادى بـ”أم بلال” حملت على عاتقها مسؤولية أربعة أطفال وأم زوجها المصابة بالسرطان، ورغم صغر سنها تقبلت واقعها، فهي تعيش حاضرا منهكا ومستقبلا مجهولا بعد خسارتها زوجها وابنها، لتقوم مقام الأم والأب لأولادها، والابن لأم زوجها المريضة.

تقول أم بلال للجزيرة نت إنها لم تستلم لصعوبات الحياة، وحاولت انتشال نفسها وأسرتها من واقع مأساوي، ففكرت في تعلم مهنة الخياطة كي تؤمّن لقمة العيش وتجد مكانا يصلح للسكن، وفعلا بدأت العمل بخياطة قطعة أو قطعتين من الملابس داخل منزلها وهي الآن تجني 8 دولارات أسبوعيا.

تنفق ما تجنيه على الإيجار وعلاج أم زوجها التي أصيبت بالسرطان بعد حادثة قصف المستشفى، وعلى مصاريف تعليم الأولاد الأربعة بالمدرسة، إضافة إلى المأكل والملبس.

منزل أم بلال محاط بمياه آسنة لكنها تقول إنه أفضل بكثير من السابق (الجزيرة)

إصرار وعزيمة
تستذكر أم بلال الأحداث التي عاشتها إبان فقدها زوجها وابنها في قصف طيران التحالف لمستشفى الحويجة العام، إذ تقول “في إحدى الليالي أصيب ابني بلال بوعكة صحية نقلناه على أثرها إلى المستشفى وبرفقتي زوجي وأم زوجي (أم عماد) وخال وخالة زوجي، ولم أفق إلا بعد مضي أسبوع على فقدان وابني وزوجي بقصف بناية المستشفى”. 

وتروي أم بلال عن الظروف المادية والنفسية السيئة التي مرت بها بعد حادثة القصف الأليمة، حيث قررت النزوح من قضاء الحويجة التي كانت تحت سلطة مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية، إلى مركز محافظة كركوك بالاعتماد على مهربين مختصين مقابل 300 دولار عن كل فرد من أفراد أسرتها.

ورغم وعورة وخطورة الطريق الذي عرف باسم “طريق الموت”، تمكنت أم بلال من أن تفر بأسرتها، وأجبرت بعد ذلك على السكن في غرفتين “عفنتين” في مكان يستخدم “حضيرة للمواشي” حيث أمضت أصعب أيام حياتها.

أحد البيوت المدمرة في الحويجة (الجزيرة)

تمكين اجتماعي ونفسي
عضوة جمعية الأمل العراقية سرود أحمد أكدت للجزيرة نت أن “المنظمات النسوية تقيم ورش عمل لتمكين النساء اجتماعيا ونفسيا لزيادة الثقة بالنفس والتعامل مع الأطفال من جهة، ومع المجتمع الخارجي من جهة أخرى، ومساعدتهن بتدريبهن على المهن المحبذة لديهن، وتوفير منح لفتح مشاريع صغيرة، ومتابعة المشروع لمدة ثلاثة أشهر لحل المعوقات وتذليل العقبات”.

“المرأة العراقية تعودت منذ نعومة أظافرها على مواجه المصاعب والمعاناة”، هذا ما صرح به الباحث الاجتماعي عبد الكريم خليفة للجزيرة نت، والذي أكد أن الطفلة تشاهد والدتها تلعب دورين داخل الأسرة، دور المرأة الأنثى في المنزل التي تنجز جميع احتياجات العائلة في الطبخ والغسيل والتنظيف، وأيضا دور الرجل عند غياب الأب خلال الحروب بتوفير لقمة العيش. 
أم بلال: أتمنى أن أحقق حلمي من خلال أولادي وإكمالهم الدراسة (الجزيرة)

التعلم الاجتماعي
تعلمت المرأة العراقية عن طريقة نظرية التعلم الاجتماعي (“الباندورا” أو المحاكاة)، وأصبحت الطفلة مهيأة لمواجهة متغيرات البيئة العراقية من فقدان الزوج بطرق مختلفة، فقد تحملت المسؤولية وبدأت تبتكر الطرق والوسائل اللازمة لتحافظ على أسرتها، وبدأت العمل بشتى المجالات والتخصصات سواء كان عملا مؤقتا أو دائما، ويبدو أنها تتعلم المهارات اللازمة مثل الخياطة أو الحلاقة بسرعة كبيرة، لتفتح مشروعها الخاص رغم العوائق التي تواجه طريقها لكنها بصمودها وطاقاتها وقدرتها تحقق الإنجاز تلو الإنجاز.

تقول سرود أحمد إن على الدولة ومؤسساتها المختصة توفير فرص عمل أو منح قروض ميسرة لفتح بعض المشاريع الصغيرة، رغم أن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية فتحت بعض المجالات لكنها غير كافية لسد حاجات الأسرة لكثرة أعداد الأرامل والمطلقات في العراق.

المصدر : الجزيرة

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *