لست دائما من يختار.. كيف تحتال قائمة الطعام عليك؟

  

قد لا يتبادر إلى ذهن الواحد منا أن بعض تفاصيل حياته الروتينية قد تكون مبنية على خدعة نعيشها يوميا، وبعض تلك الحيل مبنية على أسس علمية وتسويقية تسعى لتوجيه قراراتنا وإيهامنا بأننا من نختار؛ متداخلة في أصغر التفاصيل التي نعيشها. تماما كالغزال الذي ترصده كاميرات ناشيونال جيوغرافيك لحظة تآمر الطبيعة والأسود عليه دون أن يشعر بشيء، وفي الحين الذي يسير فيه الغزال في البراري، يُحاك مشهد الافتراس. وفي حالتنا هذه، فالمستهلك هو الفريسة التي تمشي في يومها ككل يوم، دون أن تشعر أن السوق يتآمر على عقلها، وجيبها، وصولا لاختيار الطعام!

  
المقدمة السابقة يمكن أن ينطلق القارئ منها للعديد من القضايا التي يمكن أن تتآمر علينا في تفاصيل حياتنا، لكن، في هذا التقرير تحديدا فإننا سنتطرق لقائمة الطعام، فمن كان يعتقد أن قائمة الطعام الورقية المُلقاة على طاولة المطعم الذي قررت أن تحظى فيه -مُصادفة- بوجبة مع صديق، هي قائمة -ببساطة- تُرتب الأصناف المقدمة بكل وضوح! ولكن الحقيقة أنها ليست بسيطة وتأتي من وراء هندسة كاملة، وخطة محبوكة في علم النفس، وحيل اقتصادية، تجتمع كلها لتجعلك تختار صنفا معينا وتدفعك لتنفق أكثر، فما أن تُمسك قائمة الطعام حتى تُصبح غزال اليوم!

    

تُعد قوائم الطعام في المطاعم عبر أدوات تسويقية متطورة يمكنها دفع الزبون نحو خيارات معينة، يمكنها أيضا أن تخبره كيف يُفكر. يقول تشارلز سبينس، الأستاذ في علم النفس التجريبي والإدراك متعدد الحواس في جامعة أكسفورد وكاتب كتاب “Gastrophysics: New Science of Eating”: “تحتوي قائمة الطعام على عناصر كثيرة، وعن طريق تغيير بعضها فنحن يُمكننا أن نوجه خيار الزبون ودفعه لتغييره من خيار لآخر”. إن أصغر التعديلات التي تحتوي عليها قوائم الطعام مثل: نوع الخط المستخدم، شكل الحروف، وترتيب العناصر يؤثر تأثيرا كبيرا على خيارات الزبون. حيث توجد الآن صناعة كاملة باسم “هندسة القوائم” (menu engineering) مخصصة لتصميم القوائم التي تنقل رسائل معينة إلى الزبائن، وتشجعهم على إنفاق المزيد وجعلهم يرغبون في العودة مرة أخرى. [1]

  

    

على الجانب الآخر؛ يُوضح غريغ راب، مهندس قوائم لأكثر من 34 سنة، أن العمل مع سلسلة مطاعم كبيرة يتردد إليها أكثر من مليون شخص يوميا قد يتطلب 18 شهرا لإتمام القائمة الجاذبة والناجحة، حيث يتم اختبار كفاءتها ثلاث مرات. ويُضيف:

  

“يقضي الزبائن بضع دقائق فقط للاطلاع على القائمة، لذلك نريد منهم استخدام هذا الوقت بكفاءة. فإذا تمكنوا من العثور على عنصر يريدونه بسرعة، فيمكنهم بعد ذلك قضاء الوقت الإضافي في الاطلاع على العناصر الأخرى التي قد نؤثر عليهم وندفعهم لطلبها”

  

إن أول ما يلاحظه الزبون لحظة إمساك القائمة هو وزنها، حيث ثبت أن الزبون يربط بين وزن القائمة وجودة المكان؛ فالقائمة ذات الوزن الثقيل توحي للزبون بأنه في مؤسسة راقية يتوقع منها مستويات عالية من الخدمة. في دراسة أجراها باحثون في سويسرا وجدوا أن الخط المائل يجذب الزبائن أكثر من الخطوط الحادة الزوايا، وأن الصيغ المستخدمة في شرح الطبق تلعب دور جذب كبيرا لخيار الزبون؛ بمعنى: يمكنك شرح الطبق بالقول: “شرائح لحم إلى جانب رقائق البطاطس”، ويُمكنك القول أيضا: “شرائح لحم الأنجوس المتبلة بأعشاب إكليل الجبل إلى جانب رقائق البطاطس المقلية والمتبلة بتتبيلة خاصة”، يجب أن يُمنح الزبون فرصة تذوق الطبق لحظة قراءته! وعلى أساس هذا يُعلق القائمون على الدراسة: “يمكن للمطاعم اللعب في هذا لدفع الناس نحو طلب أطباق أكثر تكلفة”. [2] [3] [4]

    

    

ترتيب العناصر: في حيلة تهدف إلى جعلك تُنفق أكثر يلجأ أصحاب المطاعم إلى وضع الأصناف الأغلى ثمنا في الجهة اليُمنى العُلوية من القائمة، أو في وسط القائمة. يقول الخبراء: “بناء على أنماط القراءة، فإن العين تستقر أولا على هذا الجزء من القائمة؛ لذلك من المنطقي وضع الأصناف الأغلى ثمنا هنا”. [5]

   

خياراتك محدودة: باتباع نهج النظرية النفسية المُسماة بمفارقة الاختيار، والتي تقول إنه كُلما كان لدينا المزيد من الخيارات، زاد شعورنا بالقلق. وعلى إثر هذه النظرية وُجد أن الرقم 7 هو الرقم الذهبي لقوائم الطعام، حيث لا تزيد خيارات كل فئة في القائمة عن سبعة أصناف. حسب ما جاء في تقرير لمجلة فوربز (Forbes) فإن بعض المطاعم لم تأخذ هذه النظرية بعين الاعتبار مثل سلسلة ماكدونالدز التي قدمت في البداية أصنافا محدودة ولكنها الآن تقدم ما يُقارب 140 صنفا؛ ومع ذلك انخفضت إيرادات السلسلة بنسبة 11% في عام 2015. [6] [7] [8]

    

    

إرفاق الصور: يقول غريغ راب، مهندس قوائم الطعام، إن الصور تزيد من فرصة بيع الصنف بنسبة 30%. وفي دراسة أجرتها جامعة في ولاية آيوا، كان الصنف المعروض هو السلطة، أُجريت على بعض طلاب التخييم، الطلاب الذين شاهدوا صورة السلطة كانوا أكثر عُرضة لطلبها بنسبة 70%. وهذا ما يسعى أصحاب المطاعم لاستخدامه عن طريق عرض الصور الأكثر واقعية ووضوحا من حيث الألوان وغيرها. [9] [10]

 

يتلاعبون بالأسعار: في دراسة أجرتها جامعة كورنيل وُجد أن إحدى الطرق التي تجعلك تُنفق أكثر هو عدم وضع رمز العُملة مثل ($)، فقد لوحظ أن القوائم التي لا تحتوي على الرموز هي القوائم الناجحة. يقول مستشار المطاعم العالمي آرون آلن: “نتخلص من علامة الدولار لأننا هكذا نضع إصبعنا على نقطة ألم ونُذكّر الزبون أنه في عملية إنفاق، وهذا ما لا نريده!”، إلى جانب هذا فإن المطاعم تختار صنفا لتجعله الأعلى ثمنا مقارنة بكل ما في القائمة؛ وذلك لتجعلك تعتقد أن أي صنف في القائمة -غير ذاك الثمين- يتمتع بسعر معقول ومناسب! [11]

     

يستغلون نظراتك: تُصمم المطاعم قوائمها لتحقيق أقصى استفادة من نظراتك، الزاوية العُليا من الجهة اليُمنى من القائمة هي العقار الرئيسي. تُستغل هذه المنطقة بكل ما هو ممكن لجذب نظرك ولدفعك لاختيار ما وُضع بها، والحيلة الأخرى التي يوضحها المستشار آلن هي أن العناصر ذات الربح المرتفع تُفصل عن باقي القائمة أو تكون محاطة بمساحة فارغة، يُوضح: “إن وضع مساحة سلبية -فارغة- حول عنصر ما؛ قد يجذب الانتباه إليها ويساعدك على بيع الصنف”. [12]

   

   

يزرعون في قلبك الحنين: نتشارك جميعنا بوجبات مميزة تُرجعنا إلى زمن الطفولة، المطاعم تعي هذا الاتجاه وتستغله من خلال تسمية بعض الأصناف بأسماء تبدو عائلية وتزرع السعادة في نفس الزبون. تقول إحدى الدراسات إن التلويح إلى الفترات الزمنية الماضية يمكن أن يؤدي إلى ذكريات سعيدة عن الأسرة والتقاليد العائلية، وهذا ما قد يدفع بعض الزبائن إلى طلب طبق تقليدي يُعيدهم إلى تلك الحقبة الماضية المليئة بالمشاعر. [13] 

   

في كتاب “الذوق في زمن الخيارات اللامنتهية” للكاتب توم فاندربيلت يصف العالم الحديث بأنه يفرض علينا وابلا من الخيارات التي لا تنتهي في السوق الاستهلاكية، ليس هذا وحسب، بل للإنترنت النصيب الأكبر من كل هذا حيث يجمع كل ما نحتاج إليه بتطبيق واحد أو اثنين مضاعفا كل الخيارات المحتملة. يتناول الكاتب أحد الأبحاث التي تتمحور حول سلوك المستهلك القائم على علوم اجتماعية ونفسية. ويُقدم نصائح عدة للسيطرة على اختياراتنا في خضم زوبعة الحيل التي تُحيط بأي مستهلك، ويرى أن الوعي الذاتي لكل ما يدور حولنا هو أقصر الطرق وأكثرها كفاءة في التعامل مع العالم المحيط بنا. [14]

 

حيلة قائمة الطعام هي لعبة تُصبح أنت اللاعب المُقابل بها -لا شعوريا-، ويُمكن لأي لاعب أن يلعب هذه اللعبة بعد فهم قوانينها. عندما يأتي النادل في المرة القادمة متجها نحوك بابتسامة عريضة مُرحبا بك ليناولك قائمة الطعام التي ستحولك لفريسة اليوم؛ قابله بابتسامة وضع قوانين لعبتك. وتذكر أن القائمة أكبر من الزاوية العلوية في الجهة اليُمنى، الحنين لشوربة جدتك لا يتحكم باختيارك فأنت تقوم بشراء الطعام لا المشاعر، الرقم 12.00 لا يختلف عن 11.99، وأنت من يتحكم بنظراتك وبما يحويه جيبك. 

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *