لماذا يفضل السوريون المعاناة في سوريا على الإقامة بأوروبا؟

في تحقيق صحفي مطول، تحدثت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور عن معاناة عدد من السوريين الذين هاجروا إلى أوروبا هربا من جحيم الحرب الأهلية في بلدهم، ثم آثروا العودة إلى وطنهم بعد مشقة في التكيف مع مقتضيات الحياة في القارة العجوز.

وقالت الصحيفة إن آلاف اللاجئين السوريين “المحبطين” غادروا أوروبا منذ العام 2016، ولا يعرف أحد أعدادهم الحقيقية، إلا أن الاعتقاد السائد أن الكثيرين منهم التحقوا بنحو 310 آلاف آخرين من أبناء جلدتهم ممن عادوا من تركيا ولبنان هذا العام إلى مناطق تحت سيطرة الحكومة أو المعارضة المسلحة في وطنهم سوريا.

والتقى مراسل الصحيفة بشاب سوري في مطار ثيسالونيكي بشمال اليونان في وقت كان فيه مئات من الأشخاص يحطون تباعا فيه قادمين من ألمانيا ودول أوروبية أخرى. وبالنسبة للعديد من السوريين فإن تذاكر الطيران الرخيصة من هذا المطار تمثل لهم نهاية لرحلة البحث عن الأمان في أوروبا.

قصة هروب
ويحكي الشاب السوري الذي أطلق عليه المراسل اسما مستعارا هو أحمد، قصة هروبه من بلده إلى مدينة إسطنبول التركية عام 2012 بعد أن أخطأ بالكاد برميل متفجر منزله.

يقول أحمد -وهو سوري كردي قادم للتو من مدينة بون– إنه دفع مبلغ 1500 يورو ثمنا لتذكرة طيران من ألمانيا إلى اليونان بوثائق سفر يونانية مزورة.

وكما كان يحمل معه حقيبة ظهر وهو في طريقه إلى ألمانيا عبر طريق البلقان، عاد أحمد وكل ما يحمله معه الحقيبة ذاتها.

في كل مرة برر هؤلاء اللاجئون تفضيلهم العودة لوطنهم الذي تمزقه الحرب بتأخر التحاق أسرهم بهم في بلاد المهجر وبفرص العمل المحدودة، وشعورهم بالعزلة في تلك المجتمعات، وبالصدمة الحضارية

“لم تمض الأمور كما كنت أشتهي”، قالها أحمد وهو يرمق شرطة مطار ثيسالونيكي قبل أن يضيف “كنت أمني النفس بالعمل (في ألمانيا) أو الدراسة، لكنني لم أتمكن صراحة في نيل أي منهما”.

أسباب العودة
وتتساءل الصحيفة “لماذا يفضل هؤلاء اللاجئون العودة إلى بلدهم وقد كانوا قبل بضع سنين يتوقون لبدء حياة جديدة في أوروبا بعد أن بددوا ما ادخروه من مال على قلته، واستدانوا وعرضوا أرواحهم لأهوال البحر الأبيض المتوسط والسير على الأقدام عبر دول البلقان؟”.

وللإجابة عن هذا السؤال، تحدثت كريستيان ساينس مونيتور مع سوريين في مدن برلين وكوتبوس بألمانيا وأثينا وثيسالونيكي اليونانيتين.

وفي كل مرة برر هؤلاء اللاجئون تفضيلهم العودة لوطنهم، الذي تمزقه الحرب، بتأخر التحاق أسرهم بهم في بلاد المهجر، وبفرص العمل المحدودة، وشعورهم بالعزلة في تلك المجتمعات، وبالصدمة الحضارية.

وأكد غير واحد من بين أكثر من مئة من هؤلاء اللاجئين أن لديهم صديقا أو قريبا واحدا على الأقل حزموا حقائبهم ورحلوا عن أوروبا هذا العام.

وهذه لاجئة سورية في مدينة برلين تُدعى مريم، قالت إن “السبب الرئيسي في مغادرة الناس يعود لعدم شعورهم بالأمان هنا، وينتابهم إحساس بعدم اليقين إزاء مستقبلهم”.

أما الصحيفة فترى أن أسباب العودة كثيرة. فمعظم السوريين في ألمانيا -بنظرها- حصلوا من السلطات على أوراق حماية مؤقتة قابلة للتجديد لعام واحد، بدلا من نيلهم وضعية لاجئ كاملة التي تمهد لهم السبيل لإقامة دائمة.

ثمة سبب آخر يتمثل في المكاسب الانتخابية التي حاز عليها حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، والتأييد الشعبي للتحول الذي طرأ على سياسات الحكومة إزاء الهجرة والمهاجرين.

والسوريون في بلاد المهجر تلك يستبد بهم إحساس بهشاشة أوضاعهم حتى داخل بيوتهم، وهو من التبعات غير المقصودة الناجمة عن ثقافة الغرب فيما يتعلق بنوع الجنس (الجندر) وأعراف الأبوة والأمومة التي يتم تلقينها للاجئين في الدورات التدريبية من أجل دمجهم في مجتمعاتهم الجديدة.

كان السوريون الذين وصلوا إلى أوروبا هربا من الحرب ببلادهم يمنون أنفسهم بحياة مستقرة ومزدهرة (رويترز)

فعلى سبيل المثال، ينتاب الآباء والأمهات اللاجئين الخوف من أن تنتزع منهم السلطات أطفالهم إذا ما استخدموا معهم العقاب الجسدي.

طريق العودة
تقول الصحيفة إن طريق العودة من أوروبا دونه أهوال جمة. فاللاجئ الذي ينوي العودة إلى سوريا يتعين عليه في أغلب الأحيان عبور نهر إفروس أو ماريتسا الذي يضيق أحيانا ويتسع أخرى ويتصف بتباين أحواله، فهو ضحل في مناطق ومتلاطم الأمواج في أماكن أخرى. ويشكل هذا النهر حدودا طبيعية تفصل بين تركيا واليونان.

يقول سائق حافلة يوناني في ثيسالونيكي إن ما بين 12 و15 لاجئا سوريا يولون وجوههم كل يوم شطر مدن على الحدود التركية.

ويتعذر حصر هذه الظاهرة -بحسب كريستيان ساينس مونيتور- لأن ألمانيا لا تتعقب السوريين الذين يغادرونها صوب اليونان التي تقع ضمن منطقة شنغن التي تضم 26 دولة أوروبية ويُسمح فيها لمواطني الدول الأعضاء بحرية السفر والتنقل.

عوامل محركة
وجاء في تقرير لمكتب الهجرة واللاجئين الاتحادي أن 325 شخصا رحلوا طواعية إلى سوريا بحلول أغسطس/آب الماضي، ولا يشمل هذا من غادروا بتمويل حصري من السلطات الإقليمية.

أما في اليونان، فإن العوامل المحركة للعودة تختلف عن تلك التي في ألمانيا. ففي اليونان هناك العديد من السوريين عالقون نظرا للضوابط الصارمة المفروضة على الحدود.

ورغم أن الحكومة هناك تبدي تعاطفا مع اللاجئين، فإنها تفتقر للمال. ومع أن قلة من اللاجئين في اليونان واجهوا مشكلة جراء الصدمة الحضارية، فإنهم في العموم ينتابهم شعور بعدم اليقين إزاء مستقبلهم.

وتعتبر اليونان دولة عبور وليست جهة مقصودة لذاتها من قبل المهاجرين حيث يجد السوريون منهم صعوبة في التكيف إذا ما اضطروا للإقامة فيها. ومن يقنع بأن الوصول إلى دول الشمال الأوروبي غير ممكن من الناحية المالية أو اللوجستية فإنه يطلب اللجوء أو العودة من حيث أتى.

المصدر : كريستيان ساينس مونيتور

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *