مهرجان مراكش السينمائي يستأنف مسيرته.. ما الجديد؟

نزار الفراوي-الرباط

بعد وقفة تأمل ومراجعة حتمت تأجيل موعد العام الماضي، يستأنف المهرجان الدولي للفيلم بمراكش مسيرته بتنظيم الدورة الـ17 في الفترة من 30 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 8 ديسمبر/كانون الأول، في ظل إرادة لتجاوز مرحلة انحسار طبعت السنوات الأخيرة وإعطاء التظاهرة زخما جديدا، يجيب على قائمة من الانتظارات والانتقادات، خاصة من داخل الوسط النقدي والسينمائي المحلي.

ويستقطب المهرجان في حلته الجديدة ألمع نجوم السينما العالمية، محققا حلما راود طويلا منظمي المهرجان ورواده على السواء، باستقبال النجم الأميركي المخضرم روبرت دي نيرو، الذي سيحل مكرما في الدورة التي تستضيف أيضا رفيق دربه المخرج مارتن سكورسيزي، والمخرجين المكسيكي غييرمو ديل تورو والمصري يسري نصر الله والفرنسية أنييس فاردا، فضلا عن الممثلة الأميركية روبين رايت وآخرين.

وإن كانت قوة الأسماء التي تتعاقب على السجاد الأحمر مؤشرا على إشعاع المهرجان ومكانته بخريطة المهرجانات الدولية، فإنها ليست المعيار الحاسم لنجاح المشروع الفني والثقافي الذي يظل مرتبطا بمعايير عديدة تهم محتوى البرمجة واختيارات أفلام المسابقة وقوة الجانب التنظيمي واللوجستي، فضلا عن امتداد المشروع في محيطه المحلي وعلاقته بالجمهور وغيرها.

بعض عناصر الوجه الجديد للمهرجان، يكشفها نائب الرئيس المنتدب لمؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، صارم الفاسي الفهري. فعلى المستوى التنظيمي ومن الآن فصاعدا ستشرف المؤسسة مباشرة على تنظيم المهرجان، علما أن هذا الحدث كان تنظيما مشتركا مع شركة أجنبية متخصصة.

وعلى مستوى البرمجة، سيعرض ما يناهز 80 فيلما في ثمانية أيام بأقسام مختلفة: المسابقة الرسمية، بانوراما السينما المغربية، وشعبة جديدة من شأنها تمكين المهرجان من عرض عدد من الأفلام ذات القيمة الفنية وذلك لإثارة المناقشة حول النوع والأسلوب في السينما.

وقال صارم الفاسي الفهري، الذي يشغل أيضا مدير المركز السينمائي المغربي، إن المهرجان اختار الجمع بين ما هو وثائقي وروائي مع حضور أكثر لسينما التخيل والاكتشاف، من خلال تصور أطلق عليه “القارة 11″، بمثابة أرض مجهولة ودعوة للفضوليين والمنفتحين إلى اللقاء بالسينمائيين والتعرف على أعمالهم، من دول مثل تايلند وكرواتيا وجنوب أفريقيا والفلبين والولايات المتحدة.

الفهري: السينما المغربية والعربية حاضرة بقوة من خلال عرض 12 فيلما مغربيا للجمهور (الجزيرة)

وستقام عروض خاصة أخرى (خارج المسابقة) لمجموعة واسعة من المواهب العالمية من النرويج ونيجيريا وكولومبيا وكينيا والولايات المتحدة ومصر وفرنسا والأرجنتين. كما أحدث المهرجان برنامجا جديدا مكرسا لجمهور الشباب من الطلاب الذين سيكتشفون أعمال التحريك، لمخرجين ذوي صيت عالمي.
وضمن جديد المهرجان، أشار المسؤول السينمائي إلى إحداث “ورشات الأطلس”، وهي برنامج يهم الصناعة السينمائية وتنمية المواهب، مكرس بالكامل للسينما بأفريقيا والشرق الأوسط. ويتعلق الأمر بأرضية إبداعية ومهنية لخدمة السينمائيين وفضاء للتبادل بين المهنيين الدوليين والمواهب الإقليمية.  

لقد ظل موقع السينما المغربية والعربية عموما في صلب الانتقادات التي ظلت توجه للإدارة الفنية للمهرجان. ويعلق الفهري بالقول إن التظاهرة تبدي اهتماما خاصا بمنطقتين طبيعيتين، هما أفريقيا والعالم العربي. كما أن السينما المغربية وضعت أكثر في الواجهة على طريقتين من خلال إحداث شعبة جديدة موجهة لعرض أحسن إنتاج مغربي حديث، وكذا دعوة الموزعين والمقتنين الدوليين والمسؤولين بأكبر المهرجانات لاقتناء هذا المنتوج. 

ويؤكد في هذا السياق، أنه سواء على صعيد البرمجة أو مختلف الشعب أو في إطار ورشات الأطلس، فإن السينما المغربية والعربية حاضرة بقوة، من خلال عرض 12 فيلما مغربيا للجمهور في كل من بانوراما السينما المغربية وشُعب أخرى، بالإضافة إلى عرض 12 فيلما عربيا من الجزائر وتونس ومصر ولبنان والسودان.

وفي انتظار اختبار هذه الرؤى الجديدة على الميدان، يسجل الناقد السينمائي عادل السمار تجديد المهرجان لهياكله، وعلى رأسها الإدارة الفنية للمهرجان وهي إدارة متعددة وتضم شخصيات من خلفيات ثقافية وحساسيات فنية متعددة وذات مصداقية، مبديا تطلعه إلى رؤية هذه التعددية وهي تنعكس على الاختيارات الفنية للمهرجان وخطه التحريري.

ويرى السمار أن من أهم الفقرات الجديدة المعلنة لهذه الدورة “ورشات الأطلس” التي تهدف لدعم شباب منطقة أفريقيا والشرق الأوسط الحاملين لمشاريع أفلام. وهو إنجاز جاء متأخرا نوعا ما بحكم أن مهرجانات كثيرة في المنطقة سبقت إليه، الشيء الذي أعطاها إشعاعا ومصداقية، ولكنه ما زال مطلوبا بإلحاح لدعم قدرات شباب المنطقة الموهوب وتأهيله لولوج عالم الإبداع السينمائي بمهنية. ويشدد في هذا الباب على أن المهرجانات ليست فقط فضاءات لعرض الأفلام بل أيضا للخلق والإبداع.

عادل السمار: المهرجان افتقر في دوراته الأخيرة لفضاءات للنقاش وتبادل الأفكار والخبرات بين ضيوفه وبين المهنيين وحتى جمهوره المحلي (الجزيرة)

يلاحظ الناقد المغربي أن المهرجان افتقر في دوراته الأخيرة لفضاءات للنقاش وتبادل الأفكار والخبرات بين ضيوفه وبين المهنيين وحتى جمهوره المحلي. بل حتى الندوات الصحفية مع مخرجي الأفلام المشاركة ألغيت في الدورات الأخيرة، وهو ما لا يحقق الغاية من كل مهرجان في خلق حوار مع الأعمال السينمائية ومبدعيها وتكريس ثقافة سينمائية.

وبالنسبة له، لا معنى لمهرجان إذا لم يكن مرتبطا بالسوق المحلية ويغذي دورة الصناعة السينمائية المحلية للبلد المنظم، بينما ظل مهرجان مراكش ذا طابع موسمي ينتهي أثره بانتهاء كل دورة. بل كان بالأحرى دائما مرتبطا بالسوق الفرنسية ويخدمها.

فالمعيار الأساسي لاختيار الكثير من الأفلام سواء داخل المسابقة أو خارجها هو الترويج لها استعدادا لخروجها للقاعات الفرنسية. والصحافة الفرنسية المدعوة بكثافة للمهرجان كانت تركز أساسا على هذه الأفلام وعلى نجومها وليس على الأفلام المغربية أو الأفريقية والعربية، حين تبرمج بعضها استثناء.

من جهة أخرى، يعتبر السمار أن العديد من الأسماء الوازنة في مجال الصحافة والنقد السينمائي لا تتحمس عادة لحضور المهرجان لأنه يعرض ما يمكن مشاهدته في مهرجانات عديدة في أوروبا وأميركا وكانوا سيهتمون أكثر بالمهرجان لو كان يعمل على برمجة تعكس حقا ثقافة المنطقة العربية والأفريقية ومخاضاتها ومواهبها السينمائية المحلية. إنها تحديات ينبغي على المهرجان أن يرفعها لكي يصنع لنفسه اسما وهوية وكي يلعب دوره كرافعة للسينما المحلية والإقليمية.

فقرات مستجدة وتغييرات هيكلية وأسماء يتوالى إعلانها، من جهة، وانتظارات نقدية ومهنية تتطلع إلى مشروع ثقافي وفني متجذر أكثر في البيئة المحلية والإقليمية، من جهة أخرى. الدورة المقبلة محطة حاسمة لرصد قدرة مهرجان مراكش على التحليق بأجنحة جديدة.

المصدر : الجزيرة

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *