خطابات السيسي.. ألغاز تحير المصريين

ينقسم المصريون عقب كل حديث للرئيس عبد الفتاح السيسي إلى طوائف، محاولين تفسيره على أسس منطقية، أو مهملين إياه باعتباره كلاما “فارغا” لا يرقى لحديث مسؤول وحدة محلية فضلاً عن رئيس جمهورية.
 
وأدلى السيسي مؤخرا في جلسة واحدة بمؤتمر الشباب بشرم الشيخ بعدة تصريحات، اعتبرها مراقبون خطيرة لما تتضمنه من نواياه وتدابيره تجاه المصريين، على الرغم من أنه ذكرها بشكل عابر وكأنها كلام مرسل غير معد سلفا.
 
وصدمت التصريحات ملايين المصريين الذين جاهدوا من أجل الحصول على البطاطس الرخيصة بميادين الثورة عقب ارتفاع أسعارها ثلاثة أضعاف، إذ خيّر السيسي المصريين بين “بناء الدولة أو أكل البطاطس”.

ورغم السخرية العارمة التي اندلعت بالشارع وعلى منصات التواصل تعليقا على هذه التصريحات بتفضيل البطاطس على الدولة، إلا أن المراقبين اعتبروا التصريحات تمهيدا لأزمات غذائية مقبلة.

سوابق
وسبق أن مهد السيسي لقرارات خطيرة للغاية بتصريحات عابرة لم ينتبه لها أحد، إذ قال إن والدته حذرته من أخذ شيء لا يخصه، ثم مضى هو يغالب دموعه “والله العظيم أنا لو أنفع اتباع (أباع) لاتباع”.

وأعقب هذه التصريحات بشهور إعلان تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية.

وقال مرة أخرى إن ثلاجته لم يكن بها سوى الماء لمدة عشر سنوات، وهو ما أعقبه قرارات إلغاء الدعم وزيادات كبرى بأسعار الوقود والمواصلات وغاز الطهي المنزلي، وبدا أن السيسي كان يدعو الفقراء -دون الطبقات القريبة من السلطة- للتقشف.

ومن بين التصريحات الأخيرة الخطيرة، جاء رده على سؤال مكتوب ومرسل له على المنصة -كما بدا للحضور- حول سبب تمسك الحكام بالسلطة للأبد، فقال إنه لا يوجد أبد لأن الجميع سيموت، وهو ما فسره مراقبون بأنه لا يريد الخروج من الرئاسة إلا إلى القبر.

وصدم السيسي الموظفين في تصريحاته الأخيرة بالمؤتمر ذاته بإلغاء العلاوة (الزيادة السنوية) الخاصة بالموظفين لتدبير نفقات بناء فصول تعليمية جديدة.

ولم يأبه موظفون تحدثوا للجزيرة نت بقرار السيسي لأن “العلاوة لم تعد تغني ولا تسمن من جوع” إذ تسبقها وتتلوها زيادات ضخمة بالأسعار تلتهم العلاوة قبل أن تولد.

غير عفوية
ويؤكد ممدوح المنير مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والإستراتيجية أن تصريحات السيسي الأخيرة مقصودة ومتعمدة بكل تأكيد قياسا على تصريحات سابقة له كان يقوم بإطلاقها لتبدو “شاذة ومثيرة للسخرية” ولكنه يمرر من خلالها قرارات اقتصادية مؤلمة للمواطنين.

ولأن السيسي تولى جهاز المخابرات الحربية والاستطلاع لفترة، فهو يدرك جيدا كيف يهيئ الجماهير لقرارات كارثية بتصريحات يتلقفها الناس بالسخرية حتى تصير واقعا، وفق ما يرى المنير.

ومن خلال هذه الإستراتيجية النفسية، لا يوجد فرق بين النفي أو التأكيد في خطابه، المهم أن يثير “العقل اللا واعي للجماهير” ويجعل الموضوع محل نقاش داخلي لديهم وبالتالي يستعدون لقبوله.

وتابع المنير “لقد فعلها السيسي من قبل في حديث سابق عن التعليم والصحة ورفع الدعم، ونجحت إستراتيجيته، حيث يعتمد على القمع واسع المدى لتنفيذ قراراته في ظل غياب المعارضة الحقيقية للنظام وعدم اعتراض الجماهير الذين لا يملكون إلا المزيد من السخرية منها على منصات التواصل الاجتماعي”.

ويتفق الناشط السياسي أحمد البقري مع هذا الرأي، مشيرا إلى أن رسالة السيسي في مؤتمرات ما تسمى بلقاء السيسي بالشباب ليست عفوية أبدا.

ويؤكد بحديثه للجزيرة نت أن الرسالة الأساسية في كل مؤتمرات السيسي هي “مصر دولة فقيرة ومتخلفة” دون أن يعترف بأن سبب هذا الواقع الأليم هو النظام الفاسد المستبد الذي يمثله ويعبر عنه الجنرال.

وقال البقري، وهو أيضا نائب رئيس اتحاد طلاب مصر السابق، إن شعبا محروما من أبسط احتياجاته الغذائية كالبطاطس لا يمكن أن يبني دولة ذات قامة وقيمة، لذلك فإن تخيير السيسي للشعب بين الدولة وأكل البطاطس، يكشف عن التناقض بين ادعاءات النظام وسياسته على الأرض التي أودت بالاقتصاد والسياسة معا.

مهمة وعميقة
بالمقابل، يرى الصحفي إسلام كمال أن السيسي يدرك أن تصريحاته حول التغيير وتفصيل الدستور سيجري تفسيرها وفق هوى كل متلق، لكنه لم يعبأ بذلك “مفضلا مصلحة مصر على كسب رضا الناس”.

ويؤكد كمال ـوهو ممن حضروا مؤتمر الشباب- أن السيسي قدم “نسخة جديدة” من نفسه بتصريحاته المعبرة عن رؤاه، ومن الطبيعي أن تصدم تلك التصريحات البعض وتزيد من “حقد الأعداء” وتحير مجموعات من المؤيدين، لكنها في المجمل مهمة وعميقة لأبعد حد.

وطالب الجميع بإمعان النظر في مضامين تصريحات الرئيس التي أبهجت أغلبية المصريين، لأنها ترسم الخطوط الأساسية لمصر الأخرى بأبعادها المحلية والإقليمية والعالمية.

أما حديث السيسي حول إلغاء العلاوة السنوية، فقد أثار غضبا على منصات التواصل وفقا لكمال، لكنه يرى أن هذا التصريح اقتطع من سياقه بهدف تأليب الرأي العام على الرئيس ولتحويل الأنظار عن إنجازات المنتدى.

المصدر : الجزيرة

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *