الكلام البذيء والشتم وصولا إلى الضرب.. التنمر يغزو مدارس العراق

فرح سالم-السليمانية

“سارة.. ما بها يدك؟ لا شيء أستاذة، مجرد حرق بسيط” تبين لاحقاً أنه لم يكن بسيطاً كما تذرعت التلميذة لمعلمتها، بل كان الخيط الأول من نسيج حكايتها مع الأذى والتنمر.

سارة ذات الـ 13 سنة، تعرضت على يد زميلات لها بالصف الدراسي لشتى أنواع المضايقات والتعنيف اللفظي، وانتهت بقضية اتهامها بالسرقة، مما استدعى تدخل إدارة المدرسة وإعلام أهل الطالبة بالحدث الذي عولج بالطرق التقليدية “العقاب بالكي على اليد من قبل ذويها، وإجبارها على ترك الدراسة”.

المعلمة (ف.م) تابعت الحالة وبدأت بالتقصي لتكتشف أن الإبلاغ كان من قبل مجموعة طالبات عُرفن بمضايقتهن المستمرة وإزعاجهن لسارة وسواها، وأن المبلغ المالي “المسروق” قد وجد لاحقاً، لكن تم التكتم على الموضوع خشية العقاب.

وتقول سحر طه -وهي مديرة لإحدى ثانويات النازحين للبنات في السليمانية- إنها “واثقة بأن حالات مماثلة لحال الطالبة سارة موجودة وبكثرة في مدارسنا أو المدارس الاعتيادية على حد سواء”.

ولفتت إلى أن “الأعداد الكبيرة للطلبة بالمدارس مقارنة بقلة الكوادر المتخصصة في الشأن النفسي (مرشد تربوي واحد لكل مدرسة) كان عاملاً مهماً من عوامل استفحال العديد من الظواهر السلبية داخل المدارس، لا التنمر فقط”.

وأشارت سحر إلى أن من العوامل -التي ساهمت في استفحال ظاهرة التنمر وزيادة أعداد المتضررين- إهمال الإرشاد التربوي وعمل المرشد بالمدرسة.

التنمر يؤذي الطفل نفسيا وجسديا (مواقع التواصل)

ما هو التنمر؟
ويعرف التنمر المدرسي بأنواعه بأنه “فعل يتضمن الكلام البذيء، الشتم، التوبيخ، السخرية، وصولاً إلى الضرب، ويعد أقوى وأخطر من العدوان” بحسب رئيس الجمعية النفسية د. قاسم حسين صالح.

ويلخّص صالح أسباب التنمر السيكوسوسيولوجية بعدة عوامل قائلاً “الفقر يعد عاملاً من العوامل المهمة في انتشار هذه الظاهرة التي ظهرت أولاً في الغرب، وانتقلت حديثاً لمدارسنا بفعل الإعلام والتلفزيون”.

ولا نغفل كذلك -يضيف صالح- دور الأساليب الأسرية الخاطئة في التنشئة، فالأب المتسلط أو الأم القاسية، التحقير، الإهمال، تصرفات الأب العدوانية، كلها عوامل ستدفع الطفل لا إرادياً وتشجعه على العدوان.

وتابع صالح “عدم إشباع حاجات الطفل العاطفية والاقتصادية في الأسرة أيضاً لها الدور الواضح وإن كان بشكل غير مباشر، ولا نغفل أن قسماً من المتنمرين يعانون اضطرابات نفسية، وهم بحاجة لتداخل طبي لحمايتهم وحماية من حولهم”.

واختتم بالقول “المتنمرون يرتاحون جدا حين يلحقون الأذى بالآخرين، حيث يتماهى الكثير منهم بالأقوياء وتراهم يتابعون باستمرار أفلام الأكشن والمصارعة الحرة، كما أن قسماً لا بأس به منهم يميل لجلب انتباه الجنس الآخر عبر تصرفاتهم العدوانية”.

ويتطلب التعامل مع التنمر مساعدة ضحاياه الذين يتعرضون له، عبر تقديم الحماية لهم والتشجيع والمشورة النفسية، وإعطاء إرشادات تؤكد أن الطفل يجب عليه ألا يسكت إذا تعرض للتنمر، وأن يخبر المعلم في المدرسة والأهل في البيت، للتعامل مع ذلك.

كما يجب توعية الطلاب إلى أهمية عدم السكوت إذا شاهدوا طالبا آخر يتعرض للتنمر، وأن يبلغوا إدارة الصف والمدرسة.

سارة تركت المدرسة منذ أسابيع، ورغم توسط المعلمة لدى ذويها والمحاولات المتكررة لإقناعهم بجدوى استمرارها بالمدرسة وبراءتها، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لتغيير قناعة ترى فيها “العار” الذي لحق باسم العائلة، متناسين أنها كانت ضحية لظاهرةٍ يغض الكثيرون عنها الطرف وعن تداعياتها الخطيرة، لم تكن سارة فيها الأولى ولن تكون الأخيرة.

المصدر : الجزيرة

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *