المهرجانات بالمغرب.. تنمية ثقافية أم احتفالية موسمية؟

نزار الفراوي-الرباط

يتزامن تدشين الموسم الثقافي في المغرب مع تنظيم العديد من المهرجانات الثقافية والفنية المختلفة التي باتت ظاهرة تطبع المشهد العام في المملكة، بحيث يتعذر إحصاء عدد التظاهرات التي تتعاقب بالمئات على مدى العام عبر كبريات الحواضر، ولا تستثني البلدات والقرى النائية.

وإلى جانب مهرجانات دولية معروفة تستضيف كبار نجوم الموسيقى على غرار “موازين” بالرباط ومهرجان موسيقى “كناوة” بالصويرة، وأهم الأسماء في عالم السينما كمهرجان مراكش الدولي للفيلم؛ تتنوع المواعيد بمختلف تخصصاتها ويتفاوت حجمها، كما تتضارب الآراء حول القيمة المضافة التي تنتجها.

وتتبنى الدولة سياسة عامة لدعم تنظيم المهرجانات في مجالات الموسيقى والمسرح والسينما بالأساس، وهو ما يواجه بانتقادات حادة من قبل أصوات عديدة ترى في المهرجانات لحظات احتفالية للبهرجة الموسمية تلتهم ميزانيات ضخمة، بينما يبدي فاعلون آخرون رأيا يؤمن بالحاجة إلى المهرجانات كعناصر ضمن سياسة التنشيط الثقافية.

وزارة الثقافة تبرر دعم المهرجانات الثقافية على أساس مشاريع تتقدم بها جمعيات ثقافية وفنية، بسعيها إلى تثمين التنوع الثقافي وتعزيز التعدد اللغوي وإبراز مقومات الهوية المغربية والمساهمة في التنشيط الثقافي على الصعيد الوطني والجهوي.

وتحدد الوزارة معايير تدخلها ودعمها للمنظمين بناء على جودة التنظيم ومهنيته، مع إعطاء الأولوية للمناطق النائية وهاجس نشر الثقافة والفن المغربيين وتفرد التظاهرة.

ومع ذلك، كان وزير الثقافة والاتصال محمد الأعرج قد أقرّ في كلمة أمام البرلمان، بأن آلية توزيع الدعم العمومي على هذه المهرجانات أصبحت في حاجة إلى التقييم، من أجل تعزيز جوانب قوتها ومعالجة ما يعتريها من قصور.

وتعهد الوزير بأن تخضع آلية الدعم العمومي للتنقيح وإعادة النظر في المضامين والالتزامات، محذرا من سوء استعمال المال العمومي، في رد ضمني على الاتهامات بعدم شفافية منح الدعم العمومي للتظاهرات وبانتشار ممارسات مالية غير سليمة.

وبحسب حصيلة دعم المهرجانات والتظاهرات الثقافية برسم ميزانية 2018 لقطاع الثقافة، فقد تم حصر 210 مشاريع استفادت في العام الماضي من المبالغ المرصودة لدعم الجمعيات والتظاهرات الثقافية.


الدعم بالأرقام
وسجلت الوزارة تنظيم ما يزيد على 556 عرضا فنيا في مختلف الجهات، وهي تشرف على تنظيم 22 مهرجانا تشغل أكثر من 4500 فنان سنويا وتحظى بمتابعة مليوني متفرج، مما يخلق “حركة سياحية وانتعاشا لاقتصاديات المدن والمناطق المحتضنة”.

وأعلن الوزير عند تقديم الميزانية السنوية عن تخصيص 47.5 مليون درهم (حوالي خمسة ملايين دولار أميركي) لدعم الصناعات الثقافية وتنظيم المهرجانات.

ويضاف إلى ذلك جانب آخر من التظاهرات الفنية يخضع لصلاحيات قطاع الاتصال، ويتعلق الأمر بالمهرجانات والملتقيات السينمائية التي تستفيد هي الأخرى بشروط مماثلة من برنامج الدعم العمومي، ويواجه كثير منها انتقادات من حيث ضعف البرنامج الفني وعجزها عن استقطاب الجمهور واختلالات إدارتها المالية.

وفي 2018، منحت اللجنة المختصة أكثر من 28 مليون درهم (ما يناهز ثلاثة ملايين دولار) توزعت بين 64 مهرجانا.

وكثيرا ما يتمركز الجدل حول نظام تمويل مهرجان “موازين” على ضوء الأسماء الكبيرة من النجوم الذين يستضيفهم، بتعويضاتهم الخيالية. فعند كل دورة، تتجدد الانتقادات الموجهة إلى الميزانية العالية المخصصة لاستقطاب فنانين أجانب، بدلا من تشجيع ازدهار صناعة ثقافية وطنية.

لكن منظمي “موازين” يؤكدون أن المهرجان طور نموذجا اقتصاديا يهدف إلى تحقيق الاستقلالية المالية. فمنذ 2012، اتخذ المهرجان خطوة بوقف تمويل القطاع العام وشبه العام. وحاليا، يعتمد النموذج الاقتصادي بنسبة 32% على التمويل الخاص، وبنسبة 68% على عائدات التذاكر والدعاية وغيرهما.

وحول الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية للمهرجان، الذي تدور ميزانيته حول 63 مليون درهم (6.5 مليون دولار)، يقول المنظمون إن الدورة توفر وظائف مباشرة وغير مباشرة. 

تنوع ثقافي
وبشأن الانطباع العام بتضخم المهرجانات الفنية، يذكر إبراهيم المزند المدير الفني والناشط الذي كان وراء إطلاق مجموعة من المهرجانات الوطنية والدولية، أن تنظيم حوالي مئتي مهرجان فني سنويا ليس بالشيء الكثير بالمقارنة مع دول أخرى في أوروبا وأميركا اللاتينية.

ويقول إن للمغاربة تقاليد عريقة في العلاقة مع الفضاء العام، والمواسم الثقافية والفنية التراثية كانت تقدر بالآلاف، تماشيا مع التنوع الثقافي والامتداد الجغرافي للبلاد.

أما الطابع الموسمي للتنشيط الثقافي والفني فيرجعه المزند إلى غياب إدارة ثقافية ذات برنامج منتظم، فضلا عن تهميش السياسة الثقافية على أجندة المؤسسات البلدية حتى في المدن الكبرى. 

السعداني دعا إلى جعل المهرجانات أداة للتربية على المواطنة (مواقع التواصل)

لحظات احتفالية
على صعيد آخر، تعلو أصوات عديدة من الفاعلين المعنيين بالشأن الثقافي والمطالبين بتنمية صناعات ثقافية حقيقية، معتبرة أن الاحترافية وقوة التأثير في المحيط وتحقق البعد التنموي يشكل الاستثناء وليس القاعدة في خريطة المهرجانات بالبلاد.

ويذكر عادل السعداني المنسق العام لجمعية “جذور” التي ترافع من أجل إدماج الثقافة في السياسات العمومية، بأن المهرجانات أداة لسياسة ثقافية وتنموية شاملة وليست غاية، والحال أنها في غالبيتها لحظات احتفالية عابرة مفصولة عن سياقها الثقافي والاجتماعي وتفتقر إلى رؤية تنموية مستدامة.

ويرى السعداني أن تنظيم المهرجانات والدعم الموجه لها يتناسى أهم بعد في هذا المجال، وهو التفاعل مع الجمهور وصناعة التغيير في صلبه، خصوصا من الفئات الشابة التي يتعين أن يكون النشاط الفني لها عامل إدماج وتثقيف وتربية وشعور بالمواطنة.

المصدر : الجزيرة

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *