توبيخ السعودية بالبحرين.. خاشقجي يخنق الجبير أمام الكاميرات

المكان: مملكة البحرين، والحدث: “قمة الأمن الإقليمي”، والحضور: واشنطن وحلفاؤها الذين عادة ما يصفقون للسعودية عندما تتحدث عن الحزم لمواجهة إيران والإخوان و”الجهات الراعية للتطرف والإرهاب” في الخليج والشرق الأوسط.

لكن الزمان ألغى دلالات المكان والحدث والحضور، إذ لا يزال العالم غاضبا إزاء بشاعة مقتل الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول.

وتحت شعار “قمة الأمن الإقليمي”، انطلقت الجمعة النسخة الرابعة عشرة من أعمال “حوار البحرين”، بمشاركة العديد من الشخصيات الكبيرة، من أبرزها وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس.

وكالعادة، صبّ وزير الخارجية السعودي عادل الجبير جام غضبه على ما سماه النظام الظلامي في إيران، ووصف جماعة الإخوان المسلمين بأنها “الوالدة الكبيرة للإرهاب والقاعدة والنصرة وداعش”.

وقد بدا الجبير شاحبا ومختنقا في حديثه بالمؤتمر، ربما لشعوره بأنه لن يلفت الانتباه إلا من زاوية التناقض المثير للشفقة أمام أنظار العالم.

ففي الوقت الذي تجرأ فيه الرجل على الحديث عن الظلامية والعنف، تنشغل برلمانات العالم وصحفه وقنواته بوحشية السعودية وقسوتها، وتطالب شخصيات وازنة بنبذها وعقابها ومنع ولي عهدها من الوصول للعرش.

في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، دخل جمال خاشقجي قنصلية بلاده في إسطنبول للحصول على وثيقة لإتمام زواجه من امرأة كانت تنتظره بفارغ الصبر خارج المبنى.

خاشقجي الذي كان ينتقد قمع السعودية لمواطنيها في مقالات بالواشنطن بوست، لم يستلم ورقة الطلاق التي جاء من أجلها، إنما وجد أمامه وثيقة إعدام صدرت بحقه من الرياض.

الفظاعة السعودية
وبعد دقائق من الشتم والضرب، أزهق ضباط أمن سعوديون روح الصحفي الستيني ثم حزّوا رأسه عن رقبته وقطعّوا جثته ووضعوها في أكياس، وفق تسريبات مصدرها الأمن التركي.

أمام هذه الفظاعة من الطبيعي أن يصمّ العالم أذنيه عن المقطوعة السعودية بشأن التطرف، إذ لا يختلف مقتل خاشقجي عن الطريقة التي يقتل بها تنظيم الدولة خصومه، سوى أن الجناة في الحالة الأولى تقلّهم طائرات خاصة ويقيمون في فنادق فخمة ويسرفون في الشرب والتدخين بعد إنجاز مهمتهم، وفق شهادات بعض مرافقيهم.

بيد أن حلفاء السعودية لم يكتفوا بنفورهم من خطابها النشاز، إنما وبّخوها في المؤتمر الذي تستضيفه دولة توصف بأنها تسبّح بحمد الرياض وتدور معها حيث دارت.

في كلمته أمام المؤتمر، قال وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس إن أحداثا “مثل مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي تقوض الاستقرار في الشرق الأوسط، وإن الولايات المتحدة ستتخذ إجراءات إضافية مع المسؤولين عنها”.

ولم يكتف وزير الدفاع الأميركي بذلك، إنما أضاف أن “مقتل جمال خاشقجي في منشأة دبلوماسية لا بد أن يثير قلقنا جميعا بقوة”.

وحتى يوضح للسعودية الفرق بين الدولة والمنظمة المتطرفة، شدد ماتيس على أن “عدم التزام أي دولة بالمعايير الدولية وحكم القانون يقوض الاستقرار الإقليمي في وقت تشتد فيه الحاجة إليه”.

انتقادات ماتيس القوية تأتي في سياق إصرار دوائر القرار في واشنطن على معاقبة السعودية، رغم كونها زبونا ثريا وحليفا وفيّا تعول عليه الولايات المتحدة في إنعاش اقتصادها في الداخل وفي تنفيذ خططها الأمنية في الخارج.

وقبل أيام، أبدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب خيبته من كون السعوديين خانوا ثقته فيهم، وتوعّدهم بردّ قاس على مقتل الصحفي، فيما أعد أعضاء بالكونغرس مشروع قانون لمعاقبة الرياض.

الورطة والخداع
وبعد مرور حوالي شهر على مقتل خاشقجي، لا تزال السعودية في ورطة شديدة، إذ يبتزها ترامب ويلاحقها أردوغان وتقرّعها تيريزا ماي وأنجيلا ميركل ولا تجد الأمان عند فلاديمير بوتين.

وليس القتل وحده مصدر هذا المأزق، إنما إخفاء جثة الضحية وتغيّر الرواية الرسمية من الإنكار إلى الإقرار، ومن الشجار إلى الخنق، قبل الاعتراف بالتخطيط المسبق لارتكاب الجريمة.

ومع إصرار الأتراك على تسليم المتورطين في القضية لمحاكمتهم في إسطنبول، شدد الجبير السبت على أن السعودية صاحبة الاختصاص في التحقيق مع مواطنيها وتقديمهم للقضاء على أراضيها، مما ينذر بتوتر علاقات الجانبين.

بيد أن السعودية -المرتبكة جدا هذه الأيام- ربما تتراجع عن رفضها حتى تتجنب غضب أردوغان، والذي قد يقود لتسريب معلومات تؤكد تورط ولي العهد شخصيا في قتل الصحفي وتقطيع جثته.

وبينما أعلنت السعودية اعتقال 18 شخصا لتورطهم في الجريمة، أقال الملك سلمان المستشار في الديوان الملكي سعود القحطاني واللواء أحمد عسيري، في مؤشر على أن الرياض بصدد تقديمهما كبشي فداء للأمير الشاب.

بيد أن الغرب لا يبدو مقتنعا ببراءة الأمير من دم الصحفي، ولا يزال يطالب بتحقيق شفاف يوضح هوية الشخص الذي اتخذ قرار القتل، ويطالب بالكشف عن مصير الجثة.

ووفق الكاتب الفرنسي آرمين أرفي، فإن السعودية أخفقت في خداع العالم هذه المرة على الرغم من ابتسامة محمد بن سلمان المصطنعة في مؤتمر الاستثمار ومصافحته لنجل القتيل أمام الكاميرات.

أما الكاتب الألماني يوف بوت فعلق بالقول إن اغتيال خاشقجي يذكّر أميركا بالمسؤول الحقيقي عن هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، على الرغم من مساعي بوش الابن حينها لتبرئة المملكة من هذه الجريمة.

وكما في مؤتمر البحرين، بدا المغدور خاشقجي كما لو أنه كان يخنق الجبير أثناء حديثه لفوكس نيوز مؤخرا، حيث ظهر مرتبكا مرعوبا متناقضا، وفق مراقبين.

وفي مقال بـ”واشنطن تايمز”، قال الكاتب رالف هالو إن وزير الخارجية السعودي بدا مثيرا للشفقة وكذب على العلن ولم يعد يصلح أن يبقى في منصبه بعد أن دمر مصداقيته وأضر بشأن بلاده.

المصدر : الجزيرة + وكالات

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *