عملية بركان.. المطاردة الساخنة و”المصير المحتوم”
|عاطف دغلس-نابلس
لا تعرف الوالدة المكلومة مصير ابنها حتى اللحظة، وتجهل مثل بقية العائلة حاله، وتتمنى ألا يصاب بأي أذى كالذي عاشته ولا تزال هي وعائلتها بفعل اقتحام جنود الاحتلال المدججين بالأسلحة لمنزلهم في قرية شويكة قرب مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية، والذي عاثوا فيه فسادا وأخذوا قياساته وأخطروا بهدمه.
وواصل الاحتلال معاقبة العائلة، فاعتقل أمجد شقيق المطارد أشرف وشقيقته فيروز التي أطلق سراحها بعد تحقيق لساعات عدة، واحتجز والده وأقاربه بظروف قاسية، وحقق معهم وسط سيل من التهديد والوعيد.
يبدو أن أبو شيخة تجاوز مسألة الملاحقة والردع التي يمارسها الاحتلال بحق ذويه بإخفاء فعلته عنهم، كي لا يصبحوا محل اتهام، وبتخطيطه الجيد بشراء السلاح وتنفيذ عملية “معقدة” بالانسحاب من المكان المحصن أمنيا والاختفاء.
مصير محتوم
وقد أعادت “عملية بركان” للأذهان قصة مطاردة المقاوم أحمد جرار ابن مدينة جنين، والتي انتهت باستشهاده، والأسير عبد الحكيم عاصي (20 عاما) من مدينة نابلس الذي طورد لأكثر من شهر قبل أن يتم اعتقاله.
عمليات اقتحام قرية شويكة قضاء طولكرم (ناشطون) |
هذا “المصير المحتوم” -وفق خبراء وناشطين تحدثوا للجزيرة نت– سيجعل المطارد أبو شيخة رهين خيارين الموت أو الاعتقال، لا سيما وأن البحث عنه بدأ منذ وقوع العملية وشارك فيها “آلاف” من جنود الاحتلال وأذرعه الأمنية “السرية والعلنية”، حسب الخبير الفلسطيني بالشأن الإسرائيلي عصمت منصور.
كما ضاعف خطر عملية بركان تأكيدُ الاحتلال بأنها “أمنية” وليست “جنائية” كما أشيع بداية، وأن منفذها لا يزال مسلحا طريدا وربما يقوم بعملية أخرى.
وحسب منصور، لن تستغرق مدة المطاردة وقتا طويلا وإن امتدت لأسابيع وأشهر، كما أن العمل الفردي -حتى وإن تمتع صاحبه بالذكاء كحال أبو شيخة- تغيب عنه البنية التحتية والتنظيم الذي يؤمن حرية التنقل “الآمنة” والمأكل والمسكن وغير ذلك من وسائل الحماية للمطارد.
ثم إن صورة المطارد أبو شيخة ومعلومات مختلفة باتت معروفة للجميع وبحوزة الجهات الأمنية الإسرائيلية وأذرعها المختلفة من شبكات الجواسيس والوحدات الخاصة وجهاز الأمن الداخلي (الشاباك)، وبالمقابل يواجه المطارد وحده هذه “المنظومة الأمنية الضخمة” التي تضع هدفا واحدا لها هو “الوصول له في أسرع وقت”.
“الذئب المنفرد”
ويقول منصور إن عوامل عدة قصّرت أمد مطاردة المقاومين، أولها أن العمل “فردي”، وبالتالي غياب التنظيم الذي يخطط للمقاوم ويحميه في الغالب.
حاجز عناب شرق طولكرم خلال تفتيش المركبات بحثا عن المطارد أبو شيخة (ناشطون) |
كما سرَّع “التنسيق الأمني” بين الاحتلال وأجهزة أمن السلطة الوصول للمطاردين، إضافة لغياب “الحاضنة الاجتماعية” للمقاوم نتيجة خوف المواطنين من عقاب الاحتلال لهم.
ويقول الخبير منصور إن إسرائيل ورغم وصفها للمطارد “بالذئب المنفرد”، فإنه يبقى “أكبر كابوس” تواجهه، وإن خطره قائم ما لم يزل “حرا طليقا” خاصة على المستوطنين.
وبما أن الضفة الغربية “ساقطة أمنيا”، كما يرى الأسير السابق والباحث بشؤون الأسرى أحمد البيتاوي، فإن مدة مطاردة أبو شيخة لن تطول، وذلك لسيطرة الاحتلال عليها بالكامل و”للتنسيق الأمني”، كما أن الاحتلال وبحكم تجارب سابقة أصبحت لديه “خبرة واسعة” بملاحقة نشطاء المقاومة. فضلا عن أن غياب البيئة التنظيمية وبقاء العمل منفردا لا يضمن حماية للمطاردين.
منظومة تكنولوجية
ويضيف البيتاوي أن للاحتلال منظومة تكنولوجية متطورة قد تكون “الأكثر فعالية بالعالم” لتتبع المقاومين، وهو ينتظر أي “خطأ أمني” يفعله المطارد كالتواصل هاتفيا أو بغير وسيلة مع ذويه.
وحسب البيتاوي، فإن آخر وأطول عملية مطاردة بالضفة الغربية عاشها الأسير القسَّامي (نسبة إلى كتائب عز الدين القسام) إبراهيم حامد، والتي امتدت لثمان سنوات (1998-2006) قبل اعتقاله، لكن لا يمكن القياس عليها الآن، وفق البيتاوي، فالظروف التي توفرت لحامد آنذاك ليست موجودة الآن.
ولا يرى البيتاوي أن الاختفاء لسنوات بات حليف المقاومين اليوم، وأنه “مرحلة لن تتكرر”، لأن ذلك يتطلب وجود تنظيم كبير يحمي المطاردين ويمدهم بحاجاتهم اللوجستية.
وهذا -وفق المتحدث- غير موجود بالضفة لقيام أجهزة السلطة الأمنية بتصفية البنية التحتية لهذه التنظيمات، وهو ما أدى لظهور العمل العسكري الفردي الذي يمتاز “بقصر عمره” وقيامه على فكرة “العملية الأولى والأخيرة” المعروف مصير منفذها.
المصدر : الجزيرة