حكام كرة القدم بتونس يتوارثون الصفارة عن الآباء
|مجدي بن حبيب-تونس
مرت السنوات الأولى من التكوين بنجاح، وتعاظم حلم الأب في أن يرى ابنه واحدا من الأسماء اللامعة في الكرة البرتقالية، ولكن أمرا ما خطر ببال الطفل هيثم، ليقرر بعد ثلاثة أعوام مغادرة الأكاديمية واقتفاء أثر والده في التحكيم، رغم ما وجده من معارضة من أفراد عائلته.
لم يأبه هيثم قيراط بذلك، وقرر الالتحاق بمدرسة الحكام في سوسة (وسط)، وعمره 14 عاما، وهناك تلقى بنجاح دروسا نظرية وتطبيقية في قوانين كرة القدم والتحكيم، وفي ظرف عام واحد أصبح حكما مؤهلا لإدارة مباريات الفرق الشابة.
“كنت أرى فيه نجما رياضيا لامعا، وكانت كرة السلة إحدى الرياضات التي تناسب مؤهلاته البدنية الكبيرة، ولكنه رفض الاستمرار، ودفعني إلى تسجيله بمدرسة تكوين الحكام”. حسب كلام هشام قيراط متحدثا للجزيرة نت عن بدايات ابنه الذي يعتبر الآن من أبرز حكام تونس، وأصغر حكم دولي في تاريخ التحكيم فيها.
ويضيف الأب بنبرة افتخار “يبدو أني زرعت فيه حب التحكيم دون أن أشعر، كانت غرفته تحتوي على كل لوازم الحكم من ملابس وصفارة وورقات حمراء وصفراء وغيرها، وكنا نتابع المباريات معا على أن تركيزنا كان مقتصرا على أداء الحكم”.
هيثم قيراط (يمين) نجل الحكم الدولي السابق هشام قيراط أصغر حكم تونسي أدار نهائي مسابقة الكأس (الجزيرة) |
حركات والدي
بدوره، يعترف هيثم بأن التحكيم أسره وهو ما يزال طفلا، ويروي للجزيرة نت قصة عشقه بالقول “نشأت في ظل والدي الذي كرس جزءا كبيرا من حياته للتحكيم، كنت أرافقه إلى الملاعب وأنا في السادسة من عمري، لا أهتم بأداء اللاعبين بقدر ما أتابع حركات والدي، كبرت وأنا أؤدي دور حكم صارم داخل غرفتي التي حولتها إلى ملعب لكرة القدم”.
ويذكر جيدا أول عهده بالصفارة عام 2006 عندما أدار مباراة ضمن دوري الناشئين بين حمام سوسة وبوفيشة (وسط)، أما أول مباراة بالدوري الممتاز فكانت عام 2010 بين مستقبل المرسى والترجي الجرجيسي.
وفي 14 ديسمبر/كانون الأول 2014 أصبح هيثم قيراط أصغر حكم في تاريخ الكرة التونسية يدير مباراة “الديربي” بين عملاقي الكرة في تونس الترجي والنادي الإفريقي، وهو في عمر 23 عاما، كما كان مع والده هشام قيراط أول حكمين (أب وابنه) يديران مباراة دربي العاصمة تونس.
وفي أغسطس/آب 2016 أصبح أصغر حكم يدير نهائي كأس تونس لكرة القدم في عمر 25 عاما، كما كان أصغر حكم تونسي يلتحق بالقائمة الدولية عن عمر 25 سنة وشهرين.
غير أن صعود أسهم الابن بشكل صاروخي أثار جدلا كبيرا حول دور والده بوصفه عضو لجنة الحكام الحالي في هذه المسيرة، ويعترف هيثم بأن وجود والده في الساحة التحكيمية يعد “سلاحا ذا حدين”، ويضيف “أسعى إلى النأي بنفسي عن منصب والدي بلجنة الحكام، فلكل منا شخصيته”.
شبه أبيه
لم يكن هيثم قيراط الوحيد الذي ورث التحكيم في كرة القدم عن والده وخطا خطواته بثبات في عالم التحكيم، فالظاهرة تزايدت في السنوات الأخيرة، وشملت عدة حكام، مثل سليم بالأخواص الذي اقتفى أثر والده مصطفى بالأخواص.
وتحدث سليم الذي كان ضمن طاقم حكام مباراة غامبيا والجزائر ضمن تصفيات أمم أفريقيا المقبلة قائلا إنه استلهم حب التحكيم من والده الحكم الدولي السابق، وإن عائلته شجعته على المضي في تلك الطريق.
وقال للجزيرة نت إنه “من الطبيعي أن أرث هذا النشاط عن والدي، بعد وفاة والدي ازدادت رغبتي في أن أحيي مسيرته وأحفظ اسمه في الملاعب، وأدرت أول مباراة سنة 2004 بين الملعب التونسي والاتحاد المنستيري والتحقت بالقائمة الدولية في 2009”.
من جهته، أكد الحكم المساعد الدولي السابق توفيق العجنقي أنه منح ابنه وائل حرية اختيار دخول عالم التحكيم، وأنه سعى إلى أن يبتعد كليا عن التأثير عليه أو مرافقته في المباريات.
وفي حوار مع الجزيرة نت، قال وائل العجنقي البالغ من العمر 22 عاما “أسعى لأن تكون لي بصمتي الخاصة في التحكيم، وألا تكون لوالدي علاقة بمسيرتي، نجاح أي حكم لا يكون بالضرورة مرتبطا بالوراثة“.
وتشهد الساحة التحكيمية في تونس أيضا بروز العديد من الحكام الشبان الذين سبق لآبائهم التألق في هذا المجال، مثل هشام العكروت ووالده الحبيب، ونعيم حسني ووالده محمود، ومحمد عزوز ووالده جلول، وأيمن كشاط ووالده عبد الرحمن، ووليد المنصري ووالده العروسي، ومجدي بلاغة ووالده محمد الصالح، وغيرهم كثير.
المصدر : الجزيرة