هكذا تكلم تارانت.. ما وراء كلمات قاتل المسلمين بنيوزيلندا؟

عمران عبد الله

بهدوء ودم بارد وعلى أنغام الموسيقى، ارتكب الأسترالي برينتون تارانت مذبحة ضد المصلين خلال صلاة الجمعة في مسجدين بمدينة كرايست تشيرتش بنيوزيلندا اليوم الجمعة، متذرعا بموقفه مما أسماه غزو المسلمين والمهاجرين للعالم الغربي.

وترك مرتكب المذبحة إشارات عديدة تحمل توجهه الأيديولوجي والسياسي، منها بيان مطول من 73 صفحة نشره على صفحته على تويتر قبل الهجوم، وعبارات عنصرية وتحريضية ضد المسلمين كتبها على سلاح الجريمة، وتشير لأيديولوجية عنصرية تؤمن بتفوق الجنس الأبيض والعداء للمسلمين والمهاجرين وتدعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وبرر القاتل في بيانه بعنوان “البديل العظيم” أسباب ارتكابه لهذه المذبحة، مشيرا إلى التزايد الكبير لعدد المهاجرين الذين اعتبرهم محتلين وغزاة، وأضاف “أن أرضنا لن تكون يوما للمهاجرين. وهذا الوطن الذي كان للرجال البيض سيظل كذلك ولن يستطيعوا يوما استبدال شعبنا”.

وقال تارانت -في هذه الوثيقة- إنه دعم الرئيس ترامب باعتباره “رمزاً لهوية البيض والأهداف المشتركة لا باعتباره زعيماً سياسياً”.

وأراد منفذ الهجوم أن تكون عمليته جرس إنذار في الغرب، ورسالة من “مجرد رجل أبيض عادي” تتضمن مجموعة من الإشارات التحذيرية لقضايا مثل نسب المواليد، وحلول المهاجرين والمسلمين محل الأوروبيين البيض في العالم الغربي، وغفلة الأوروبيين عن غزو المهاجرين والمسلمين لبلادهم.

منفذ مجزرة نيوزيلندا بريندون تارانت يعتبر نفسه “مجرد رجل أبيض عادي” يبعث إشارات تحذيرية للغرب (مواقع التواصل)

يرى منفذ الهجوم في الوثيقة التي نشرها على صفحته أن المهاجرين يهددون المجتمعات الغربية بمعدلات إنجابهم المرتفعة، في حين يبتعد الغربيون عن الإنجاب؛ مما يهدد بإحلال المهاجرين المسلمين محلهم.

وأراد منفذ الهجوم -بحسب الوثيقة- أن يحفز اليمين العنصري المتطرف لشن هجمات جديدة لتخويف المهاجرين وتحذيرهم من السفر إلى أوروبا والغرب.

وزعم تارانت أن ارتكاب المذبحة جاء انتقاماً “لمئات آلاف القتلى الذين سقطوا بسبب الغزاة في الأراضي الأوروبية على مدى التاريخ. ولأنتقم لآلاف المستعبدين من الأوروبيين الذين أخذوا من أراضيهم ليستعبدهم المسلمون”.

واستدعى تارانت أحداثاً تاريخية مثل حصار عكا 1189، ومعارك العثمانيين مع القوى الأوروبية، ومنها معركة فيينا 1863، ومعركة شيبكا 1877 مع الإمبراطورية الروسية وبلغاريا، وهي الأحداث التاريخية التي يعود أحدثها لنحو قرن ونصف القرن، ووقعت بين بلدان لا توجد أيا منها على الخريطة الآن.

وقبل ثلاثة أيام من الهجوم، نشط حساب تويتر (BrentonTarrant) فجأة، وقام بالتغريد 39 مرة، وتضمنت التغريدات روابط لمقالات على الإنترنت حول نسب معدلات المواليد بين السكان المسلمين وغير المسلمين، بما في ذلك مقال نشرته صحيفة ديلي ميل في العاشر من يناير/كانون الثاني يفيد بأن معدلات المواليد للنساء البيض في الولايات المتحدة انخفضت مقارنة بمعدلات النساء الأميركيات من أصل إسباني.

ووصف منفذ الهجوم عائلته ومحيطه بأنهم أستراليون تقليديون لا يهتمون بالسياسة والشؤون العامة، ويركزون على قضايا حقوق الحيوانات والبيئة والضرائب، منتقداً غفلتهم عن التغير الديموغرافي الذي يحدث بسبب المسلمين والمهاجرين.

ويعتقد التيار اليميني المتطرف أن المسلمين يقوّضون ثقافتهم وهويتهم، وعليهم مواجهتهم قبل أن يتزايد خطرهم، ويتبنون مزيجا من الأفكار الدينية المتطرفة والعنصرية والقومية المتشددة، ويتواصلون عبر الإنترنت من خلال منتديات خاصة.

إرهاب معولم
وقال تارانت إنه نفذ الهجوم لخلق جو من الخوف والتغيير يمكن أن يحدث فيه عمل جذري وقوي وثوري، كما أنه يسعى لزعزعة استقرار واستقطاب المجتمع الغربي من أجل القضاء في نهاية المطاف على الجنون العدمي واللذة والفردانية التي سيطرت على الفكر الغربي.

كما ذكر أنه يسعى لدق إسفين بين دول حلف شمال الأطلسي الأوروبية والأتراك، الذين يشكلون جزءًا من الناتو، وبالتالي تحويل الناتو مرة أخرى إلى جيش أوروبي موحد ودفع تركيا لخانة العدو.

عبارات كتبها منفذ هجوم نيوزيلندا على سلاحه واستدعى فيها أحداثاً تاريخية مثل حصار عكا 1189 (مواقع التواصل)

وإضافة إلى ذلك، قال تارانت إنه يسعى لخلق صراع بين أيديولوجيتين أميركيتين حول ملكية الأسلحة النارية والتعديل الثاني للدستور، وتعزيز الانقسام الاجتماعي والثقافي والسياسي والعرقي بأميركا؛ مما سيؤدي في النهاية إلى حرب أهلية ستؤدي إلى “بلقنة” الولايات المتحدة على أسس سياسية وثقافية وعرقية.

ويرى تارانت أن هذه “البلقنة” ستحد من قدرة الولايات المتحدة على إظهار قوتها عالمياً، وبالتالي ضمان عدم حدوث مثل هذا الموقف مرة أخرى، مذكراً بما أسماه التورط الأميركي في كوسوفو عندما قاتلت الولايات المتحدة والناتو إلى جانب المسلمين وذبحوا المسيحيين الأوروبيين الذين يحاولون طرد هؤلاء “المحتلين الإسلاميين من أوروبا.

المسلمون في نيوزيلندا وأستراليا
ويعد المسلمون المجموعة الدينية الأسرع نمواً في نيوزيلندا، حيث زاد عددهم ستة أضعاف بين عامي 1991 و2006، ويشكل المسلمون الآن نحو 1٪ من السكان، بحسب بيانات جامعة فيكتوريا النيوزيلندية.

ورغم أن المسلمين مجموعة صغيرة وسريعة النمو، فإن هناك القليل من الأبحاث حول تجاربهم في نيوزيلندا. ومع ذلك، هناك خطابات إعلامية تشير إلى أن بعض النيوزيلنديين لديهم آراء سلبية تجاه وجودهم في المجتمع.

واستقر عدد قليل من المهاجرين المسلمين القادمين من جنوب آسيا وأوروبا الشرقية في نيوزيلندا منذ أوائل القرن العشرين وحتى الستينيات. وبدأت هجرة المسلمين على نطاق واسع في السبعينيات بوصول هنود فيجي القريبة، وتبعهم في التسعينيات لاجئون من مختلف البلدان التي مزقتها الحروب، وتم افتتاح أول مركز إسلامي عام 1959، ويعرف المسلمون في نيوزيلندا بتعايشهم بسلام مع أتباع الديانات الأخرى.

ويشكل المسلمون في البلاد خليطاً من خلفيات وأعراق ولغات وثقافات متعددة.

وفي أستراليا القريبة، التي انحدر منها منفذ الهجوم، شكّل المسلمين نحو 2.6٪ من إجمالي السكان في 2016 بزيادة قدرها أكثر من 15٪ من نسبتهم من السكان في التعداد السابق قبل خمس سنوات، وتعزو الزيادة لارتفاع معدلات المواليد نسبياً، وأنماط الهجرة الحديثة.

المسلمون في نيوزيلندا يشكلون خليطاً من خلفيات وأعراق ولغات وثقافات متعددة (الأوروبية)

ولا تعد الإسلاموفوبيا ظاهرة جديدة ولا نادرة في أستراليا؛ فهناك خطاب إعلامي معاد للمسلمين في وسائل الإعلام من خلال الصور النمطية السلبية للمسلمين، واستفاد العديد من السياسيين اليمينيين من هذه الصور النمطية السلبية، وأسهم ذلك في المزيد من تهميش وتمييز واستبعاد المجتمع المسلم.

ووجد استطلاع رأي واسع النطاق نُشر عام 2011 أن 48.6% من الأستراليين لديهم رأي سلبي عن الإسلام، بينما وجدت دراسة أخرى نشرت عام 2014 أن ربع الأستراليين يتبنون آراء معادية للمسلمين، وكانت هذه النسبة أعلى بخمسة أضعاف من أي دين آخر، كما وجد استطلاع جرى مؤخراً أن 27% من المسلمين الأستراليين تعرضوا للتمييز، وهي النسبة الأعلى كذلك بين الأديان المشمولة في الدراسة.

ولدى أستراليا تاريخ طويل من استبعاد المهاجرين من أصول غير أوروبية، فقد اتبعت البلاد سياسات “أستراليا البيضاء” على نطاق واسع منذ بداية القرن العشرين وحتى 1973، وهي سياسات تهدف إلى منع الآسيويين (الصينيين بشكل خاص) وسكان جزر المحيط الهادئ من الهجرة إلى أستراليا، وكان المسلمون مشمولين بهذه السياسات حتى قامت الحكومات تدريجيا بتغييرها بين عامي 1949 و1973.

المصدر : الجزيرة

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *