خاشقجي في لندن.. تأبين الغائب الحاضر

الجزيرة نت-لندن

بعدما كانت لندن محطته قبل الأخيرة، يغيب الصحفي جمال خاشقجي عنها جسدا، لتحضر روحه في حفل تأبين ضخم اكتظت فيه القاعات بالحضور من الأجانب والعرب، إعلاميين وسياسيين وحتى من عموم الناس، إحياء لذكرى القلم المغدور.

كما احتشد مئات آخرون عند البوابات الخارجية، حيث لم تكف ثلاث قاعات حجزها المنظمون للعدد الضخم ممن جاء لتأبين الرجل الذي قتل داخل قنصلية بلاده في إسطنبول يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

وفي مساء بارد ساد عاصمة الضباب، كانت رسالة كل من حضر واضحة بأن “من حاول إسكات جمال قد خاب أمله، وأن ما حدث هو العكس تماما فصوته أصبح زئيرا”، وفقا للمتحدثين.

أين الجثة؟
ولأن الحديث كان حديث العواطف والذكريات والألم والمعاناة، فقد كانت خطيبة خاشقجي أبرز الحاضرين، وكان رثاؤها الأكثر وقعا وتأثيرا.

بدأت خديجة جنكيز حديثها بتعداد مناقب خطيبها الراحل، فقد كان “رقيقا ومحبا ومعطاء، رافعا الصوت دوما حينما كان الجميع يؤثر الصمت”.

وروت بكلمات مؤثرة تراجيديا اللحظات الأخيرة، وكيف انقلبت حياتها رأسا على عقب في ذلك اليوم المشؤوم، وذكرت أنها لو كانت تعلم ماذا كان سيحصل لدخلت القنصلية بنفسها ووقفت في وجه فريق القتلة، ولكنها لم تتخيل هي ولا خاشقجي يوما أن هذه البربرية والوحشية موجودة.

وقالت خديجة -التي وصلت الأحد إلى لندن للمشاركة في اللقاء الذي ينظمه مركز الشرق الأوسط بالتعاون مع منتدى الشرق- إن القتلة أخذوا منها جسد خاشقجي، ولكن روحه بقيت حاضرة معها ومع ملايين المحبين للمغدور.

وفي كلمتها، طالبت خطيبة خاشقجي النظام السعودي بكشف مكان جثمانه، ودعت المجتمع الدولي إلى محاسبة القيادة السياسية التي أصدرت قرار القتل، وليس القتلة فقط. كما دعت الرئيس الأميركي إلى تغليب القيم على المال والمصالح.

 خديجة: القتلة أخذوا مني جسد جمال لكن روحه بقيت حاضرة معي ومع ملايين حول العالم (رويترز)

نسخة أخرى من داعش
وبدموع الحزن، روى مدير “منتدى الشرق” وضاح خنفر كيف كان جمال خاشقجي يخبره عن الشقة التي اشتراها، والمفروشات التي ينوي تأثيثها، متطلعا إلى بدء حياة جديدة رغم ألم البعد عن وطنه وأهله وأبنائه الذين يحبهم.

وعبر خنفر عن اعتقاده بأن البعض يحاول الإطالة في التحقيقات وصولا إلى إخفاء الحقيقة، مشددا على أن الصحفيين الذين انتفضوا كعائلة واحدة عبر العالم لن يسمحوا بحصول هذا الأمر، وأن من قتل الربيع العربي وتآمر عليه هو ذاته الذي قتل خاشقجي.

ولفت إلى الصحفي السعودي الراحل كان يناضل سلميا بالنيابة عن الجميع. ودعا قاتليه إلى تذكّر مصير معمر القذافي الذي كان لا يرى أبناء شعبه ويقول لهم تكبرا وتجبرا: من أنتم؟

وخلص خنفر إلى القول إن المتطرفين الذين يقطعون الرؤوس ليسوا فقط مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية(داعش)، بل هم موجودون كذلك في القصور.

وكانت المقاربة ذاتها حاضرة في حديث الصحفي البريطاني ديفد هيرست الذي قارن بين تنظيم الدولة وولي العهد السعودي محمد بن سلمان من حيث بشاعة هذه الجريمة، مشيرا إلى أن الأخير يدّعي الحداثة، ولكن الواقع أنه “وحشي” و”داعشي” الفكر، وأن قتل خاشقجي بوحشية القرون الوسطى يؤكد تلك الحقيقة، بحسب هيرست.

وأضاف أنه بعد أربعة أسابيع مما أسماها الأكاذيب والرشى وإخفاء القتلة الذين أرسلهم محمد بن سلمان، ثبت بالأدلة علاقته بالجريمة، وبسبب ذلك حوّل نفسه إلى آخر شخص في الكرة الأرضية يمكن أن يفكر أي إنسان في لقائه أو الظهور معه.

وختم هيرست حديثه بالقول “قتل جمال أظهر أن أقرب الحلفاء ليسوا فقط غير مستقرين، بل يشكلون خطرا على حلفائهم”.

 عبّر خنفر عن اعتقاده بأن البعض يحاول الإطالة في التحقيقات وصولا إلى إخفاء الحقيقة (الجزيرة)

متوحش ومعزول
وفي كلمتها أثناء حفل التأبين، قالت مديرة قسم الشرق الأوسط بمنظمة هيومن رايتس ووتش سارة واتسون إن “من حاولوا إسكات صوت جمال فعلوا العكس، إذ أصبح زئيره يملأ العالم والفضاء الدولي، ويصل إلى الملايين بدلا من مليوني متابع عبر تويتر“.

وتذكرت واتسون لقاءها مع خاشقجي في واشنطن قبل سنوات عندما كان يعمل مستشارا للأمير تركي الفيصل، مستذكرة صداقة امتدت أكثر من 15 عاما، وواصفة قاتليه بالوحوش الجبناء.

وبخصوص ادعاءات السعودية عن عدم صلة ولي العهد بما جرى، قالت واتسون إن جريمة قتل خاشقجي كشفت سادية ابن سلمان، وأنه شخص لا يمكن الاعتماد عليه، ويعيش قلقا وعزلة، ولا أحد يصدق بعدم علمه بالحادثة.

وأنهت الناشطة الحقوقية كلمتها بالمطالبة بالتحقيق الجدي مع ولي العهد ومعاقبته، ووجهت دعوة خاصة للأسرة السعودية الحاكمة إلى التحلي بالشجاعة والاعتراف بأن محمد بن سلمان ألحق الضرر بالمملكة وسمعتها.

من جهته، اعتبر عضو مجلس العموم البريطاني كريس بلانت أن مقتل خاشقجي مثل لحظة فارقة في التاريخ، وأكد أنه في حال عدم محاسبة السعودية للمتورطين فإن الرعب سيسود المملكة، ودعاها إلى إحداث تغيير جدي، وتبني إرث خاشقجي كبوابة للتغيير الإيجابي الشامل، بدلا من الاستمرار في القمع.

واكتظت قاعات الحفل بالحضور من جنسيات مختلفة، وكان لافتا حجم البريطانيين والغربيين عموما من خلفيات مختلفة ومناصب سياسية وإعلامية وبرلمانية، إضافة إلى أشخاص من عامة الناس جاؤوا للتعبير عن تضامنهم مع قضية خاشقجي وخطيبته، والتنديد بجريمة قتله.

المصدر : الجزيرة

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *