رايتس ووتش: ما يحدث بسيناء جرائم حرب وربما جرائم ضد الإنسانية
|دعت منظمة هيومن رايتس ووتش إلى تحقيق دولي فيما وصفته بالانتهاكات المتبادلة بين الجيش المصري والمسلحين في شبه جزيرة سيناء، معتبرة ما يحدث هناك بأنه “نزاع مسلح غير دولي” وأن بعض الانتهاكات هي “جرائم حرب يمكن أن ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية”.
جاء ذلك في تقرير مطول (120 صفحة) نشرته المنظمة الحقوقية الدولية اليوم الثلاثاء تحت عنوان “اللي خايف على عمره يسيب سينا.. انتهاكات قوات الأمن المصرية ومسلحي داعش في شمال سيناء”، وتضمن توصيات شديدة اللهجة ضد الحكومة المصرية، ودعوات للدول الغربية لوقف المساعدات العسكرية والأمنية، ومراقبة استخدام السلطات المصرية للأسلحة التي تصدرها تلك الدول.
واختارت المنظمة أن تبدأ التقرير بجملة تلخص ما يعانيه أهالي سيناء من الجيش والمسلحين “هل يجب أن نحمل السلاح ونعمل مع المسلحين، أو أن نعمل مع الجيش، أو أن نقبل العيش ضحايا؟”.. وذلك نقلا عن أحد سكان سيناء الذي جُلد على يد مسلحين تابعين لتنظيم ولاية سيناء، وعُوقب في وقت لاحق من قِبَل الجيش، في نهاية عام 2015 بمدينة رفح شمال سيناء.
وعادة ما تنفي الحكومة المصرية مثل هذه التقارير الدولية، وتقول السلطات المصرية إنها تخوض حربا ضد ما تصفه بالإرهاب مع مراعاة حقوق المدنيين.
|
|
انتهاكات متبادلة
وقالت هيومن رايتس ووتش إن سيناء شهدت اعتقال الآلاف واختفاء المئات وإجلاء عشرات آلاف السكان قسرا أو فروا من منازلهم بسبب العنف المتواصل، وذلك في السنوات الست الماضية، بعد تصاعد الصراع عام 2013 (الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب محمد مرسي).
ووثق التقرير كيف نفذ الجيش والشرطة المصريان اعتقالات تعسفية منتظمة وواسعة النطاق طالت حتى الأطفال، والإخفاء القسري والتعذيب والقتل خارج نطاق القضاء والعقاب الجماعي والإخلاءات القسرية، “وهي الانتهاكات التي حاولت إخفاءها من خلال فرض حظر فعلي على أي رصد مستقل، بحسب المنظمة”.
وأشار إلى إحتمالية أن يكون الجيش قد شن أيضا هجمات جوية وبرية غير قانونية قتلت العديد من المدنيين -بمن فيهم أطفال- واستخدم ممتلكات مدنية لأغراض عسكرية، بالإضافة إلى تجنيد وتسليح وتوجيه مليشيات محلية تورطت في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان مثل التعذيب والاعتقالات التعسفية، و”غالبا ما تستغل موقعها لتصفية حسابات شخصية”، وفقا لنص التقرير.
على الجانب الآخر، أشار التقرير إلى قيام مئات المسلحين من تنظيم ولاية سيناء بقتل أو خطف وتعذيب المئات من السكان، مضيفا “أطلقوا النار أو قطعوا رؤوس الذين لا يتفقون مع آرائهم الدينية المتطرفة أو الذين يعتبرونهم متعاطفين مع الحكومة، وأعدموا عشرات الأسرى من قوات الأمن، وهي جريمة حرب”.
|
|
جرائم ضد الإنسانية
وقالت المنظمة إنه استنادا إلى الأبحاث التي أجريت لأجل هذا التقرير، والأبحاث السابقة التي نشرتها هيومن رايتس ووتش حول الوضع في سيناء، وجد التقرير الحالي أن القتال في شمال سيناء يرقى على الأرجح إلى “نزاع مسلح غير دولي” الذي تنطبق عليه قوانين الحرب.
وأوضح التقرير أن شروط وصف حالة معينة بأنها “نزاع مسلح غير دولي” تشتمل على شدة وكثافة ومدة الأعمال العدائية، بالإضافة إلى امتلاك الأطراف المتحاربة لتسلسل قيادي واضح.
وأكد تقرير المنظمة الدولية أن بعض الانتهاكات التي ارتكبتها القوات الحكومية ومسلحون -والتي يوثقها هذا التقرير- هي “جرائم حرب، ويمكن أن ترقى بها طبيعتها الواسعة والممنهجة إلى جرائم ضد الإنسانية”، مشددا على أن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لا تخضع لأي قانون تقادم، ويمكن مقاضاة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية أمام محاكم دولية.
وطالبت المنظمة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة واللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، إلى إنشاء لجنة تحقيق في الانتهاكات التي ارتكبتها جميع أطراف النزاع في شمال سيناء، بما فيها السلطات المصرية وقواتها المسلحة ومليشياتها غير النظامية، وتنظيم ولاية سيناء.
كما دعت هيومن رايتش ووتش الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى تعليق مساعداتها للجيش والشرطة المصريَّين، طالما أنها ترتكب انتهاكات واسعة النطاق وجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني وتتقاعس عن مُحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.
وأكدت أن الحكومات التي تُصدر حاليا الأسلحة إلى مصر -بما فيها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا- مسؤولة عن مراقبة كيفية استخدام الأسلحة التي تُصدرها، مشيرة إلى أن هذه الدول عندما تواصل تقديم الأسلحة والمساعدات الأخرى، مع علمها أن هذا الدعم يُسهم بشكل كبير في الانتهاكات الجسيمة، فهي تُخاطر أيضا بـ “التواطؤ في هذه الانتهاكات”.
|
|
حماية المدنيين
وشدد تقرير المنظمة على ضرورة التزام الحكومات بحماية سكان أراضيها من الأذى وحماية حقهم في الحياة، منبها إلى أن الإجراءات التعسفية لمكافحة الإرهاب لا تخرق القانون فحسب، بل تؤدي أيضا إلى نتائج عكسية، وتُنفر المجتمعات المحلية التي تدعي حمايتها، وتُولد دعما للجماعات المتطرفة والمسلحة.
ودعت هيومن رايتس ووتش السلطات المصرية إلى حماية المدنيين، والوفاء بالتزاماتها بموجب قوانين الحرب الدولية، وقوانين حقوق الإنسان المحلية والدولية.
وتطرق التقرير إلى الوجود العسكري المصري في سيناء الذي لم يصل إلى هذا الحجم الكبير منذ إبرام معاهدة السلام مع إسرائيل في 1979، مشيرا إلى أنه منذ عام 2013، لم تسمح إسرائيل بزيادة الوجود العسكري المصري في المنطقة بما يتخطى أحكام المعاهدة فحسب، بل ساعدت أيضا -وفقا لتقارير إعلامية وتصريحات رسمية- قوات الحكومة المصرية وربما شاركت في غارات جوية ضد المسلحين.
|
|
المصدر : الجزيرة