شبح التقسيم الفصائلي يخيم على شمال سوريا
|يمان خطيب-إدلب
طلب الشاب السوري محمد الزين من سائق الأجرة خفض صوت الراديو وإبراز وثيقة العبور والبطاقة الشخصية استعداداً للتوقف عند حاجز تفتيش يتبع هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، في معبر الغزاوية الواصل بين محافظتي حلب وإدلب (شمالي سوريا).
وعبر طريق وعرة وموحلة، تابع محمد رحلته ليلاً إلى مدينة أريحا (جنوبي إدلب)، حيث تقيم عائلته التي مضى على زيارته الأخيرة لها نحو عامين، نتيجة خلافات حادة مع جهات أمنية في هيئة تحرير الشام المسيطرة على معظم محافظة إدلب.
يقول الزين للجزيرة نت إنه رغم اجتماع الفصائل المقاتلة على إسقاط نظام بشار الأسد، فإنه شعر بأنه يعبر حدود دولة أخرى حين وصل إلى إدلب قادما من مدينة أعزاز، متسائلا عن الغاية من إنشاء معابر في منطقة لا يعبرها إلا من يحمل الجنسية السورية.
وأضاف أنه حُرم من زيارة إدلب منذ سنتين بعد مشادة كلامية مع أحد قادة هيئة تحرير الشام على خلفية اتخاذه قراراً بمنع تدخين النرجيلة في الأماكن العامة ومراقبة لباس الفتيات، ثم تلقى تهديدات دفعته لمغادرة ريف حلب الذي يعاني من انفلات أمني مثل إدلب، لكن على الأقل يتوفر فيه هامش من الحريات.
تأثر الحركة التجارية في إدلب نتيجة الخلافات بين الفصائل (الجزيرة) |
انقسام الفصائل
وفي مارس/آذار 2018، نجحت المعارضة المسلحة في وصل مناطق سيطرتها من مدينة الباب (شرقي حلب) حتى إدلب وحماة (غربا)، وذلك بعد السيطرة على مدينة عفرين بدعم تركي، وساد حينها جو من الارتياح وتوقعات إيجابية بانتعاش الحركة التجارية، خاصة بعد التخلص من الضرائب التي كانت تفرضها وحدات حماية الشعب الكردية على السلع.
لكن ثمرة إنجاز المعارضة العسكري لم تدم طويلاً، إذ فرضت حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام قبل نحو شهر تعرفة جمركية على السلع الواردة من حلب إلى إدلب، مما أدى إلى ارتفاعٍ باهظ في الأسعار.
يقول عضو بتكتل “محامي حلب الأحرار” للجزيرة نت “كنا نخشى في البداية من خطر التقسيم بين مناطق المعارضة والنظام، قبل أن نُصدم بإنشاء المعابر وفرض الرسوم بين منطقتي إدلب وحلب المحررتين، علما بأن العمل بالنظام الجمركي يكون عادة بين دولتين، والغاية منه حماية الصناعة المحلية من السلع المستوردة”.
ويرى الناشط الإعلامي مجد أبو النور أن الفصائل تسعى من خلال فرض الضرائب إلى كسب الأموال بأي طريقة، حتى لو كان على حساب الفقراء المنهكين من الحرب، مشيرا إلى أن بعض الفصائل “تشرعن” فرض الرسوم من خلال افتعال الاقتتال في ما بينها.
وكشف أبو النور عن مؤتمر عُقد في إدلب مؤخراً، حضره وجهاء من ريف حلب الشمالي وأعضاء في حكومة الإنقاذ لبحث سبل إنهاء التقسيم في مناطق المعارضة، وتشجيع التجار على الاستثمار من خلال بسط الأمن، دون أن يتوصل الطرفان إلى تفاهم.
ولفت أبو النور إلى أن هنالك موجة غضب عارمة بين الأهالي، وانتقادات لاذعة من نشطاء مواقع التواصل للفصائل؛ “بسبب سياساتها الطائشة وعدم اكتراثها بمغبة ترسيخ مفهوم التقسيم الذي ولد مع أول اقتتال داخلي، وتجسدت بإقامة المعابر وتقطيع أوصال المدن بالستر الترابية وحواجز التفتيش”.
ويشاطره الناشط خيرو داود الرأي حول تبلور معالم التقسيم في مناطق المعارضة، لكن يراه تقسيماً مؤقتاً مبنياً على انعدام الثقة بين الفصائل المدعومة من أنقرة من جهة وهيئة تحرير الشام من جهة أخرى، مرجحاً زوال المعابر وإلغاء العمل بنظام الضرائب فور التوصل إلى حل تقدم فيه جميع الأطراف المصلحة العامة على مصالح الفصائل الضيقة.
ارتفاع أسعار السلع في إدلب نتيجة فرض رسوم جمركية على البضائع الواردة من حلب (الجزيرة) |
أوضاع صعبة
وتذمّر سكان إدلب من تحكم هيئة تحرير الشام في مفاصل الحياة، في ظل أوضاع اقتصادية وأمنية متردية، يقابله استياء في ريف حلب، نتيجة الهيمنة التركية الواسعة على المجالس المحلية والهيئات المدنية وأجهزة الشرطة العسكرية والمدنية منذ تدخلها العسكري ضد تنظيم الدولة الإسلامية منتصف 2016.
ورغم سعي أنقرة مؤخراً لتوفير الخدمات الأساسية للسكان، وافتتاح مشاريع استثمارية محدودة في المدن الكبرى، يرى الناشط عز الدين الشامي أن ذلك “لا يبرر سلب القرار السوري وفرض إملاءات على المجالس المحلية وتعيين شخصيات في مناصب قيادية فقط لأنها تدين بالولاء لتركيا، دون أن تمتلك الكفاءة”.
ووفقاً لمراقبين، فإن المعارضة تسير في حصن الثورة السورية الأخير بالشمال على نهج الخلاف الفصائلي الذي كان أحد أسباب خسارتها أهم معاقلها في الغوطة الشرقية قرب دمشق أوائل 2018 لصالح النظام وحلفائه الروس والإيرانيين، وانحسار مناطق سيطرتها حالياً إلى 10% فقط من عموم سوريا.
المصدر : الجزيرة