عوريف.. موعد يومي مع عنف المستوطنين
|عاطف دغلس-عوريف
بعيدا عن قريته وأهله، يقضي الشاب يوسف شحادة يومه الـ 11 على سرير المرض داخل مشفى رفيديا الحكومي بمدينة نابلس شمال الضفة الغربية، بعد إصابته برصاص جنود إسرائيليين.
ما حل بيوسف وجسده النحيل -الذي فتكت به رصاصات الاحتلال- تعيشه يوميا قريته عوريف جنوب نابلس على أيدي جنود مدججين بالسلاح ومستوطنين يوصفون الأكثر “تطرفا”.
لم يكن ذنب يوسف إلا مشاركته وأهالي قريته بفعالية سلمية ترفض سطوة مستوطنة “يتسهار” على ما تبقى من أرضهم، فخرجوا لأداء صلاة الجمعة احتجاجا.
يوسف داخل مشفى رفيديا بنابلس بعد إصابته برصاص الاحتلال في عوريف (الجزيرة نت) |
بالكاد استطاع يوسف التقاط أنفاسه للحديث إلينا، فأربعة أيام في غرفة العناية المكثفة خارت فيها قواه، قال للجزيرة نت “لم نكد ننتهي من الصلاة، وإذ بالجنود يباغتون المكان ويطلقون النار صوبنا، فهم عادة يأتون لحماية المستوطنين لا لمنعهم”.
كان الجنود لحظتها أشرس من المستوطنين، حيث عمدوا إلى طرد الأهالي من المكان وفرض سلطة الأمر الواقع عليه -بحسب المواطن الفلسطيني- وتأكيدات رفاقه أيضا الذين جاؤوا لزيارته والمناوبة مع والدته على خدمته.
نقطة ساخنة
لم يكن يوسف وحده من تعرض للهجوم، فالإصابة بالرصاص بمختلف أنواعه طالت المئات من الأهالي، فالمواجهة “شبهة يومية” بوصف مازن شحادة بالمجلس القروي.
وإلى “النقطة الساخنة” -حسب وصفه- قادنا شحادة ليطلعنا على معاناتهم، قائلا إن الخطر يزداد في هذا المكان الذي يجمع بين منازل المواطنين والخزان الرئيسي الذي يغذي القرية بالماء والمدرسة الثانوية.
وهذه المنطقة تحديدا يسعى المستوطنون لعزلها وضمها لمستوطنة “يتسهار” رغم أنها أراضي “ب” كما تصنف سياسيا وتخضع لسيطرة الفلسطينيين.
ويقول شحادة “عمد الجنود لنصب سواتر ترابية بحجة منع الاحتكاك بين المستوطنين والأهالي، وهم بالواقع يريدون عزل الأرض وضمها للمستوطنة”.
وهذا ما يريده المستوطنون فعلا -بحسب المواطن- فجرَّافاتهم كانت تباشر أعمالها بشق الطرقات وتدمير أراضي المواطنين، وقبل أيام استباح أحدهم وبحماية الجنود مدرسة القرية ونزع العلم الفلسطيني من على ساريتها.
وتجثم “يتسهار” منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي فوق أراضي ستة قرى فلسطينية جنوب نابلس وتصادر من عوريف وحدها نحو 1500 دونم (الدونم ألف متر مربع) ويقطنها أكثر المستوطنين “تطرفا” -وفق شحادة- ويضيف أن بها “مدرسة دينية” تضم عشرات المتطرفين ويلازم وجودهم بالمدرسة “موجة عنف” تتصاعد ضد القرية.
شواهد الجريمة
وحيث تحتدم المواجهة بدا واضحا الكم الهائل من الرصاص الذي يطلقه جنود الاحتلال، ففي المكان تناثرت شظايا الرصاص وبقايا قنابل الغاز والصوت التي سارع شحادة لجمعها كي لا يعبث بها الأطفال، فبعضها “لم ينفجر”.
يجمع عايد القط مدير مدرسة عوريف الثانوية بقايا تلك القنابل أيضا من ساحة المدرسة ويضعها فوق خزانة بغرفته الرئيسية، ويقول إنه يعرضها للصحفيين والمؤسسات الحقوقية الذين يقصدوه ليبين لهم حجم المعاناة التي يعيشها هو وأكثر من مئتي طالب.
يُشير القط بيده لتلك القنابل بينما يروي للجزيرة نت معاناتهم، ويقول إن الاحتلال يسعى لتخريب العملية التعليمية وإغلاق المدرسة لتسهل سيطرته على الأرض، ويقول إن المدرسة هي “خط الدفاع الأول” عن القرية وأرضها.
ويُحذر مدير المدرسة من الحالة النفسية السيئة التي يعيشها الطلاب والتي رافقها تسرب كبير وذعر يُرافقهم أثناء العملية التعليمية “فالمدرسة أخليت ثماني مرات منذ بدء السنة الدراسة الحالية، واقتحمت أضعاف ذلك بغير وقت الدوام”.
ولأجل ذلك صار الخوف والقلق رديف الطلبة، واشتكى كثيرون من التغيب عن الدوام رغم حاجته الشديدة له لا سيما المرحلة الثانوية، بينما حاول آخرون الانتقال لمدارس أخرى.
وحتى تسير العملية التعليمية بشكل أفضل تشكلت “أزمة خلية” و”لجنة طوارئ” من المعلمين والطلاب، وأنيطت بها مهمات جسام كرصد الطريق ومحيط المدرسة لتأمين خروج التلاميذ وحمايتهم من هجوم مباغت للمستوطنين، إضافة لحلقة اتصال يشكلها الأهالي لحماية أبنائهم.
مدير مدرسة عوريف يجمع القنابل وبقايا الرصاص الذي يطلقه الاحتلال (الجزيرة نت) |
ثكنة عسكرية
وغير بعيد من المدرسة يواجه الحاج سمير حشاش المأساة ذاتها، فبيته تحول لثكنة عسكرية بفعل الاقتحامات المتتالية، وحطم الجنود والمستوطنون نوافذه، لتقوم مؤسسة دولية بدعمه بسياج حديدي لف حول المنزل لصد أي هجوم.
يقول المواطن (62 عاما) -بينما أخذ يطلعنا على آثار الدمار الذي حل بمنزله- إن الهواجس باتت تطارد أبناءه وأحفاده الصغار الذين باتوا يعانون مشاكل صحية ونفسية نتيجة عنف المستوطنين على حد وصفه.
وتقر بهذا العنف أيضا المؤسسات الحقوقية التي ترقب الأوضاع عن كثب، ويقول رأفت خضر الباحث بالمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان إن “يتسهار” تعرف بأنها منشأ عصابات “تدفيع الثمن” الاستيطانية التي تشن هجمات منظمة ضد القرى والبلدات الفلسطينية.
والهدف -حسب خضر- هو “الأرض” ويتوقع أن تستمر هذه الهجمات حتى تصير المصادرة أمرا واقعا، ويضيف “اعتداءات المستوطنين ارتفعت من 10% إلى أكثر من 90% خلال الفترة القليلة الماضية”.
شهيد ارتقى منذ بدء المواجهات المستعرة مع المستوطنين، والإصابات تكاد لا تحصى، ومن موت محقق نجى يوسف هذه المرة، وما يخفيه القدر لا يعلمه أحد، فالمواجهة على أوجها والأهالي يرفضون التنازل عن شبر من أرضهم.
المصدر : الجزيرة