عودة مرسيدس لمصر.. دولة تهلل وشركة تجني الأرباح
|محمود الصديق-القاهرة
فحين قررت الشركة الألمانية الخروج من مصر خلال الربع الأول من عام 2015 خرج وزير الاقتصاد والتجارة منير فخري عبد النور وقتها ليقول “إن انسحاب شركة مرسيدس من السوق المصري قرار يخص الشركة، ولا يمثل خطورة كبيرة على سوق السيارات بمصر”.
بل إن الخبير المالي ورجل الأعمال حسن هيكل رحب وقتها بقرار مرسيدس الخروج من مصر، واصفا إياه بالخبر الجيد، معلقا بأنه لا يصح أن تخفض جمارك على سيارات مصنعة في ألمانيا ومجمعة بمصر.
وبعد إعلان شركة مرسيدس عزمها العودة للإنتاج من داخل مصر انطلقت تصريحات من مسؤولين حكوميين بدءا من الرئيس عبد الفتاح السيسي وبرلمانيين وإعلاميين ورجال صناعة لوصف القرار بكونه شهادة ضمان للاقتصاد المصري ودلالة واضحة على تعافيه وانطلاقه للعالمية وخطوة على طريق مصر لتكون مركزا إقليميا لصناعة السيارات، على حد قول نائب برلماني.
فما معنى هذه الخطوة، وما دلالاتها؟ وهل تعكس حقيقة تحسن مناخ الاستثمار حسبما صرح السيسي، أم أن الأمر مرتبط بعوامل أخرى؟
خروج متوقع
أعلنت شركة دايملر أ.ج والشركة المصرية الألمانية “إي جي أي” (EGA) مطلع عام 2015 أن نشاط تجميع السيارات في السوق المحلي المصري سيتوقف بحلول مايو/أيار من نفس العام لعدم جدواه اقتصاديا، وباعت الشركة حصتها في الشركة المصرية الألمانية -وهي حصة أقلية- للشركة الوطنية للسيارات “ناتكو”.
لكن الخبراء في مجال السيارات أرجعوا القرار إلى رفع التعريفة الجمركية على الشركة إلى 50%، وتلقي مرسيدس عروضا أخرى من الجزائر وجنوب أفريقيا، بالإضافة إلى اعتراض الشركة على المناخ الاستثماري حينها.
شركة مرسيدس كانت تنتج نحو أربعة آلاف سيارة منذ 1997 (رويترز) |
مرسيدس الكاسب الأوحد
خبير اقتصادي -طلب عدم ذكر اسمه- قال لا بد أن نفرق بين مرسيدس قبل خروجها من مصر في 2015 وقرارها الصادر منذ أيام، فمرسيدس أغلقت كل ملفاتها الضريبية والتأمينية داخل مصر قبل أربعة أعوام، وكانت تعمل طبقا لقانون الاستثمار الذي فشل فشلا ذريعا في جذب الاستثمارات، وما يهلل له النظام والإعلام الآن هو لشركة ستبني مصنعا جديدا على محور تنمية إقليم قناة السويس طبقا لقانون بطبيعة خاصة.
وأضاف للجزيرة نت “لا نعرف على وجه الدقة ملامح الاتفاق الذي تم، ولا الإعفاءات أو المزايا التي حصلت عليها الشركة من الدولة”.
وتساءل عن موقع الخبر من إعلان رئيس هيئة التصنيع العربية عبد المنعم التراس أن مصر في طريقها لإنتاج سيارة محلية.
وأبدى الخبير دهشته من هذا التهليل الذي يملأ وسائل الإعلام وتنطق به ألسنة المسؤولين بشأن أن القرار يعكس ثقة دولية في الاقتصاد المصري، فالشركة التي انسحبت من السوق المصري لارتفاع تكلفة التجميع بها -يقول المتحدث نفسه- لن تعود إلا إذا حصلت على مزايا مغرية وتسهيلات ضريبية وجمركية تجعل الشركة العملاقة تقرر العودة، خاصة أن مرسيدس لديها مصنع كبير بدولة جنوب أفريقيا.
للاستهلاك المحلي
وبالتأكيد ستكون الفائدة العظمى -حسب الخبير الاقتصادي- للشركة وليس للدولة، فالشركة ستنتج سياراتها المصنفة ضمن بند سيارات الرفاهية ولشرائح خاصة، وستعيد تصديرها إلى الخارج وتجني أرباحها لتذهب إلى الشركة الأم.
وتساءل: ما الذي ستجنيه الدولة من وراء كل هذا غير العمالة التي لن تزيد على خمسمئة عامل، دون أدنى استفادة من إنتاجها الطرازات الفارهة التي لا يقدر على شرائها الأغلبية الساحقة من المصريين الراغبين في اقتناء سيارات.
كما تساءل الخبير: هل يصح أن يدفع المصريون تكلفة تجهيز منطقة محور قناة السويس من مرافق وغيرها بقروض يدفعون فوائدها تثقل كاهل الاقتصاد المصري وكاهلهم ولا تستفيد منها غير الشركات الأجنبية، مؤكدا اعتقاده بأن كل هذه الضجة والتطبيل ما هما إلا للاستهلاك المحلي لا أكثر.
حجم استهلاك السوق المحلية عام 2017 بلغ نحو مئة ألف سيارة نصفها أنتج بمصر (الجزيرة) |
بينما يرى خبير السيارات محمد شتا أن عودة مرسيدس تعد خطوة إيجابية تحسب للحكومة، ومؤشرا جيدا للاستثمار، مشيرا إلى إعلان الشركة الألمانية أنها ستساعد مصر في إنتاج السيارات الكهربائية وذاتية القيادة، وأن الجميع في انتظار إعلان الشركة عن الخطط التفصيلية لاستثمارها في مصر على مستوى التصنيع أو التصدير في الأشهر المقبلة.
واعتبر الخبير الاقتصادي خالد الشافعي قرار عودة مرسيدس دليلا على تغير خطط الشركة المستقبلية في ظل انخفاض الطلب على السيارات -خاصة التي تنتجها- لارتفاع أسعارها.
وقال إن الشركة وجدت بمصر تغيرات هيكلية تمنحها ميزة نسبية في التصنيع والتوجه إلى السوق الأفريقية من خلالها.
أرقام صناعة السيارات
وبلغت استثمارات مرسيدس بمصر حتى انسحابها ملياري جنيه (نحو 113 مليون دولار)، وكانت تنتج منذ 1997 نحو أربعة آلاف سيارة سنويا.
واستمرت نسبة الإنتاج المحلي في الانخفاض حتى بلغت خلال العام الحالي ما يقارب ألف سيارة محلية والباقي مستورد، ويعمل في هذا المجال 550 عاملا.
وتعمل في السوق المصري حاليا ما يقارب 170 شركة باستثمارات تقدر بثلاثة مليارات دولار، منها 19 شركة فقط تقوم بتصنيع وتجميع السيارات تستحوذ على أكثر من نصف الاستثمارات.
وبلغ حجم استهلاك السوق المحلية عام 2017 نحو مئة ألف سيارة، نصفها أنتج بمصر.
وقدرت إحصائيات رسمية صادرات قطاع السيارات والصناعات المغذية التي تضم 12 ألف عامل بسبعمئة مليون دولار.
المصدر : الجزيرة