الهستامين يقوي الذاكرة
|لطالما بحث الإنسان في الطرق التي تساعده على الاحتفاظ بذكرياته لوقت طويل وامتلاك قدرة على تذكر جميع تفاصيلها. وبقدر ما قد يبدو هذا الأمر غريبا، إلا أنه من المرجح أن العلم توصل إلى طريقة تمكننا من تعزيز جودة ذكرياتنا وإطالة عمرها.
إذ توصلت دراسة طبية إلى أن تناول أدوية تتضمن مركب “الهستامين” يساهم في تحسين ذاكرتنا على المدى الطويل.
وهذا المركب يضطلع بأدوار مختلفة في الجسم، خاصة على مستوى الجهاز المناعي، وذلك وفقا لمقال نشرته مجلة “ميديكال نيوز توداي” للكاتب تيم نيومان.
وأظهر الباحثون على مدى السنوات الأخيرة علاقة مثيرة للاهتمام بين ارتفاع مستويات الهستامين والتحسينات التي تطرأ على الذاكرة، إلا أن فهمهم لهذه العلاقة ما زال غير مكتمل.
وفي الدراسة التي ترأسها الباحثان يوجي إيكيجايا وهيروشي نومورا وفريق من العلماء في جامعة طوكيو اليابانية، عمل الباحثون على دراسة معطيات 38 شابا وشابة في منتصف العقد الثالث من عمرهم، وطلبوا منهم حفظ صور للأغراض اليومية مثل ساعات اليد والنظارات.
وبعد بضعة أيام، عمل فريق الباحثين على اختبار المشاركين ودفعهم إلى مشاهدة بعض الصور الأصلية المختلطة ببعض الصور التي لم يسبق لهم رؤيتها وطلبوا منهم تحديد الصور التي شاهدوها قبل بضعة أيام فقط.
وعمد الباحثون إلى تكرار التجربة بعد مضي فترة تتراوح بين سبعة وتسعة أيام، مع منح بعض المشاركين دواء وهميا، في حين أُعطي آخرون دواء يعزز مستويات الهستامين في الدماغ.
تعزيز للذاكرة لكن ليس لدى الجميع
وكان للهستامين تأثير إيجابي على بعض نتائج اختبار ذاكرة المشاركين كما هو متوقع. فبالنسبة للأشخاص الذين يعانون من مشاكل على مستوى استحضار الذكريات، ساعدهم الهستامين على تذكر قدر أكبر من الصور مقارنة بتلك التي تعرفوا عليها خلال الجولة الأولى من الاختبارات.
وتجدر الإشارة إلى أن الهستامين عزز الذاكرة الطويلة المدى لكنه لم يحسن من قدرات إدراكية أخرى.
وتعمد الباحثون إظهار صورة محددة للمشاركين، لكنهم فشلوا في تذكرها. وعقب تعاطيهم للأدوية التي تتضمن الهستامين، تمكن هؤلاء المشاركون من تذكر الصورة.
وقال رئيس الفريق يوجي إيكيجايا “بالنسبة لأي طالب يريد استخدام هذا العقار كمحفز للدراسة، يجب علينا تحذيره من مخاطره الصحية أولا ونطلعه على حقيقة أننا لم نختبر بعد قدرته على مساعدة أي شخص على تعلم وحفظ أشياء جديدة”.
ومع ذلك فإن التأثيرات الإيجابية لاستخدام الدواء لم تطرأ لدى جميع الأشخاص، فالأشخاص الذين قدموا أداء جيدا في اختبارات الذاكرة الأولية شهدوا تراجعا في الأداء عقب تعاطي الهستامين.
وعموما، تمكن المشاركون من تذكر بعض الصور خلال التجربة الأولى، لكنهم لم يتمكنوا من تذكرها بالسهولة ذاتها بعد تعاطي العقار الذي يعزز مستويات الهستامين في الدماغ.
ويعتقد العلماء أن هذا التناقض المفاجئ قد ينطوي على ما يسمى “الصدى التصادفي”.
الصدى التصادفي
ففي حال كانت الإشارة ضعيفة (الإشارة المؤدية لاسترجاع الذاكرة) بشكل يجعل تعرف المستشعر عليها أمرا غير ممكن، يتدخل الصدى التصادفي ويعمل على تعزيزها. ويتمحور مبدأ هذا الصدى حول إضافة ما يعرف “بالضجيج الأبيض” إلى هذه الإشارة الأصلية كي ينعكس صداها في خضم الأصوات التي تشكل قوام هذا الضجيج، مما يسهل إمكانية تحديدها وفصلها عن هذا الضجيج واكتشافها.
ويرى الدكتور إيكيجايا وزملاؤه أن الدماغ قادر على تخزين المعلومات وفق نظام التدرج. فنحن نحتاج إلى إثارة أعصابنا وبلوغ مستوى معين بشكل تدريجي حتى نتمكن من تذكر أمر ما. وبمجرد تجاوزنا لهذا المستوى المعين، نصبح قادرين على التذكر بشكل أفضل.
ويعتقد العلماء أن الهستامين من شأنه دفع الدماغ إلى تجاوز هذا المستوى المعين وتحفيز الخلايا العصبية على التذكر، وهو ما يجعل وصول الشخص إلى ذكرياته الكامنة والمخزنة أمرا يسيرا للغاية.
في المقابل، إذا كانت الذاكرة قادرة على تجاوز هذا المستوى المعين بصفة طبيعية، فإن إضافة الهستامين، الذي يضيف بدوره الكثير من الضجيج الأبيض، فضلا عن نشاط الأعصاب الإضافي، يعيق استرجاع الذكريات.
وعمل الباحثون على دراسة تأثير العقار على الفئران. عموما، إن كان الفأر يمتلك لعبتين إحداهما جديدة والأخرى مألوفة بالنسبة له، فهو سيفضل اللعبة الجديدة. ورغم ذلك، نسيت الفئران مدى حداثة اللعبة الأولى ومنحت اللعبتين القدر ذاته من الاهتمام. من جهتهم، عالج الباحثون الفئران بواحد من اثنين من الأدوية التي تعزز الهستامين.
وبعد تعاطي الدواء، تمكنت الفئران من تذكر الألعاب لمدة 29 يوما بدلا من ثلاثة أيام فقط، لكن تأثير العقار على الذاكرة لم يستمر لفترة طويلة، حيث إن الفئران عادت لمعاملة الألعاب على أنها غير مألوفة وباتت توليها قدرا متساويا من الاهتمام.
وعندما شرّح العلماء أدمغة الفئران، وجدوا أن مستويات الهستامين كانت عالية بشكل خاص في القشرة الدماغية، التي تعمل على مشاركة بعض المعلومات الحسية والوظائف الإدراكية، ناهيك عن امتلاكها أهمية كبيرة للذاكرة.
ورغم أن هذا النوع من الأبحاث يعد جديدا نسبيا، فإن الباحثين يمنون أنفسهم في أن تكون للهستامين استخدامات متعددة. ويمكن لفهم خصائص هذا المركب العضوي مساعدة الأطباء والباحثين على ابتكار علاجات جديدة لألزهايمر والخرف.
المصدر : مواقع إلكترونية