هل يدفع بولتون وبومبيو الرئيس لشن حرب على إيران؟
|محمد المنشاوي-واشنطن
شهد هذا الأسبوع تعبئة وتسريبات قادت للاعتقاد بجدية دفع فريق داخل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب باتجاه القيام بعمل عسكري ضد إيران.
تعبئة شهدتها عواصم عربية زارها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، وتسريبات من واشنطن تؤكد طلب مستشار الأمن القومي جون بولتون من وزارة الدفاع (البنتاغون) إعداد خطط مفصلة على أهداف بعينها داخل إيران.
وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن البيت الأبيض من خلال مستشار الأمن القومي قد طلب من البنتاغون وضع بدائل عسكرية لضربات ضد إيران، وهو الطلب الذي أثار قلقا كبيرا لدى عسكريي وزارة الدفاع ودبلوماسيي وزارة الخارجية.
هجمات عسكرية أميركية لم تحدث
فمنذ نجاح الثورة الإيرانية عام 1979 لم تشهد علاقات واشنطن بطهران إلا التوتر والتعامل مع الأزمات المتكررة، لكنها لم تصل أبدا لشن واشنطن هجمات على أهداف داخل إيران.
وحدثت بعض المواجهات البحرية إبان الحرب العراقية الإيرانية عندما حمى الأسطول الأميركي إمدادات النفط العربية من الخليج، ونتج عن ذلك مواجهات خسرت فيها إيران ربع قطعها البحرية، وفقا لدراسة حديثة صادرة عن خدمة أبحاث الكونغرس.
ووضعت إدارة الرئيس رونالد ريغان إيران في قائمة الدول الراعية للإرهاب عام 1984، عقب حادثة المارينز في لبنان التي قتل فيها أكثر من مئتي عسكري أميركي، إلا أن الدولتين مع ذلك عرفتا التفاوض السري وصولا لتفاهمات عرفت بـ”إيران كونترا“.
الجيش الأميركي لم يصل قط إلى حد مهاجمة أهداف داخل إيران (غيتي) |
وتبنت إدارة بيل كلينتون سياسة الاحتواء المزدوج ضد العراق وإيران، وفرضت المزيد من العقوبات، ثم وضع الرئيس جورج بوش الابن إيران ضمن “محور الشر” الذي ضم أيضا العراق وكوريا الشمالية.
إلا أن واشنطن أثناء هذه العلاقات المتوترة لم تلجأ لضرب أي أهداف داخل إيران، واكتفت بإدراك طهران لخطوطها الحمراء. وخلال جلسة أمام مجلس الشيوخ العام الماضي، تحدث الجنرال جوزيف فوتيل قائد القيادة المركزية الأميركية عن استعداد قواته لمهاجمة إيران إذا عرقلت تصدير النفط من دول الخليج العربية، أو هاجمت القوات الأميركية المنتشرة في المنطقة أو أيا من حلفاء واشنطن.
وتشير الدراسة الحديثة الصادرة عن خدمة أبحاث الكونغرس إلى أن واشنطن ستهاجم إيران إذا ما أصبحت على مقربة من إنتاج سلاح نووي، وهذا الموقف تبنته الإدارات الأميركية المتعاقبة، وحتى إدارة الرئيس السابق باراك أوباما لم تتردد في تبني هذا الموقف من برنامج طهران النووي.
مؤشرات جدية إدارة ترامب
تبنى الرئيس ترامب منذ حملته الانتخابية لغة شديدة العداء تجاه سياسات إيران والاتفاق النووي الموقع معها عام 2015، وتجاه سلوك أوباما التصالحي معها. ولم يكن انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مفاجأة إلا أنه انتقل بالموقف الأميركي تجاه خطوات تصعيدية كبيرة.
وتضاعفت جدية الرئيس ترامب بتعيينه مايك بومبيو وزيرا للخارجية وجون بولتون مستشارا للأمن القومي، بدلا من شخصيات تعرف توازن القوى وتعقيدات أي عملية عسكرية ضد إيران مثل الجنرال هربرت ماكماستر مستشار الأمن القومي المقال، ثم جاءت استقالة وزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس لتترك ترامب وحيدا أمام ضغوط بولتون وبومبيو.
غير أن تاريتا بارسي الناشط الأميركي من أصل إيراني يعتقد أنه عندما “تحدث تسريبات من البنتاغون ووزارة الخارجية لصحيفة وول ستريت جورنال -التي يقرأها الرئيس ترامب- عن دفع بولتون باتجاه الحرب مع إيران، فهذا يعني أن هناك تنسيقا بين الوزارتين للتخلص من بولتون، خاصة بعدما استقال ماتيس الذي كان يكبح رغباته”.
كذلك يمثل الضغط الذي تقوم به إدارة ترامب على أصدقائها العرب السُنة من أجل تأسيس تحالف إقليمي عسكري يعرف باسم “تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي” -الذي يختصر بكلمة “ميسا” (MESA)- ويطلق عليه رمزيا “الناتو العربي”، مؤشرا آخر على جدية ترامب وفريقه.
بالإضافة لذلك يجري التحضير لمؤتمر من المتوقع عقده الشهر المقبل في العاصمة البولندية وارسو، لبحث “سبل تشجيع الاستقرار والحرية في الشرق الأوسط، مع التركيز على ملف النفوذ الإيراني” كما ذكر الوزير بومبيو لمحطة فوكس الإخبارية.
هل تخدم الحرب أهداف أميركا؟
يرى السيناتور الديمقراطي إد ميركي من ولاية ماساتشوستس أن شنّ هجمات على أهداف إيرانية لا يخدم أي أهداف أميركية في الشرق الأوسط، وقال في تغريدة على تويتر إن “جون بولتون الذي دفع أميركا باتجاه حرب مكلفة في العراق، يحاول مع الوزير بومبيو الشيء نفسه ضد إيران. لم تنسحب إدارة ترامب من الاتفاق النووي لأنه أسوأ اتفاق، بل لأن وزراء ترامب يستغلونه لجر البلاد لحرب مع إيران”.
وتشير دراسة الكونغرس إلى تكلفة مرتفعة للحرب على واشنطن التي لها نحو ثلاثين ألف عسكري موزعين في دول مجلس التعاون الخليجي، ولا تقتصر التكلفة على القوات الأميركية فقط، فمن المؤكد أن إيران ستنتقم من حلفاء واشنطن الخليجيين خاصة إذا تم شن هجمات من داخل أراضيهم.
ويرى الخبير في الشأن الإيراني سكوت رايتر -الذي عمل سابقا مفتشا للأسلحة النووية والكيميائية ضمن فريق الأمم المتحدة في العراق- أن “بولتون وبومبيو يستمران في دق طبول الحرب ضد إيران. من الأهمية أن يدرك الشعب الأميركي أن مبرر ترامب للحرب على إيران يعتمد على نفس الأكاذيب التي استخدمت للحرب على العراق”.
ويعتقد أنصار المدرسة السياسية التقليدية أنه مع تزايد الضغوط على الرئيس ترامب الذي يواجه اتهامات بالعمل لصالح روسيا، ومع قرب صدور تقرير المحقق المستقل روبرت مولر بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية 2016؛ لن يجد ترامب أفضل من مغامرة شن عمليات عسكرية خارجية من أجل تشتيت الانتباه عن أزمته الداخلية وخلق أزمة خارجية كبرى.
إلا أن هذه المدرسة لا تدرك حجم الفصل الكبير بين السلطات الأميركية، والتي لن يستفيد معها ترامب حتى من اصطناع حرب ومعارك عسكرية خارجية.
ولن تؤدي أي مغامرات عسكرية لمزيد من الاستقرار في الشرق الأوسط، وعلى العكس يعتقد فالي نصر عميد كلية الشؤون الدولية بجامعة جونز هوبكنز أن “دفع بولتون باتجاه الحرب مع إيران وتهديد ترامب بتدمير الاقتصاد التركي ومصاحبة ذلك لجولة بومبيو الشرق أوسطية التي يدعي فيها مسؤولية أوباما عن مشاكل المنطقة، تشير إلى فقدان أميركا مصداقيتها وأنها أصبحت عنصر عدم استقرار في الشرق الأوسط”.
المصدر : الجزيرة