موسم جني الزيتون بالمغرب.. الكل في الحقول

مريم التايدي-شفشاون (المغرب)

كامرأة من زمن مغربي عتيق، تجمع بعيونها حكايات الدهر وأسى السنين. بأسارير منفرجة ونظرة شاخصة، بلباسها المحلي البسيط والدافئ تتربع فوق عشب الأرض وتلتحف سماء يناير/كانون الثاني بشمسها الخجولة واللافحة، لتفرز حبات الزيتون. هذه سوداء ناضجة، وأخرى حمراء تصلح للتخليل، وثالثة خضراء تنتظر إلى حين.

تمر حبات الزيتون بين يديها بخفة واحترافية، “فالوقت يمر بسرعة والشمس تغرب سريعا”، حسب العمة رحمة ذات الستين عاما وأم البنات الست المجتمعات حولها، وقد جئن من مدن بعيدة يساعدنها في جني الزيتون. تترأس العمة رحمة فريق العمل المكون من ابنة عمها ورفيقتها في درب الكفاح فاطمة، وبناتهن وقريباتهن، كخلية نحل كل عرف مشربه.

يشكل موسم جني الزيتون عند أسرة المودن بدوار (قرية) بني حمد الله، من منطقة قبائل الأخماس السفلى في ضواحي شفشاون شمال المغرب، حدثا سنويا مميزا، ومثلها جل مناطق إنتاج الزيتون بـالمغرب.

موسم يعود فيه البعيد للمساعدة، ويلتئم فيه شمل الأسرة. يستمر الموسم حوالي شهرين، أو بحسب “الغلة” (المحصول) كما توضح العمة رحمة، التي استقبلتنا في بيتها وعاشت الجزيرة نت معها وقريباتها أجواء جني وجمع وفرز الزيتون.

العمة رحمة تملك خبرة في جني الزيتون بالطريقة التقليدية (الجزيرة)

تعتقد العمة رحمة أن الشقاء والتعب قدر لا محيد لها عنه، تشرق قبل الشمس وتشرب هدوءا وحكمة من سكون الفجر. تشعل نار “الكانون” (موقد تقليدي بالفحم) فيقتبس النهار منه شعاعا يضيء الجبل وتتنفس الكائنات المحيطة بها رويدا رويدا.

يمتزج السكون بصوت صياح الديكة، وزقزقة العصافير وخرير مياه الجدول النابع من قلب الجبل، فيأتي صوت العمة رحمة وهي تشحذ الهمم ليوم حافل بالعمل كنشيد الصباح.

بحسرة السنين الماضية ممزوجة بالفخر والرضا والإيمان بالقدر، تقول العمة رحمة “الكل يتقاعد في الستين، إلا نحن، شغلنا بعمرنا، ولنا في الزيتون حياة إلى حين”. ما يثير الانتباه أكثر هو الانخراط الكبير للنساء في الجني، لا تكاد تلحظ رجلا بالحقول على خلاف مناطق أخرى.

الكل في الحقول
على طول الطريق الرابط بين مدينة وزان وشفشاون والزيتون يفرض وجوده على الساحة، دينامية منقطعة النظير، عمال يحملون القصب والأعواد الطويلة تسمى هنا “سقاط”. وآخرون يقصدون الحقول، ومزارعون في طريقهم نحو مجامع الزيتون، وأكوام زيتون على الطريق في نقاط للبيع، ورائحة زيت الزيتون تنبعث من المعاصر العصرية والتقليدية.

على بعد حوالي 11 كيلومترا عن الطريق المعبد من نقطة سوق الأحد (ضواحي شفشاون)، توغلت الجزيرة نت صعودا في الجبال نحو منطقة قبائل الأخماس السفلى عبر مسلك صغير فك عزلتها هيأته جمعية محلية بتعاون مع الأهالي.

العمة رحمة مع زميلتها في حقول شفشاون شمال المغرب (الجزيرة)

تقول رئيسة تعاونية الزيتونة لتثمين الزيتون على الطريقة التقليدية فاطمة المودن، عن الاستنفار الذي تعرفه الأسر خلال موسم جني الزيتون إن “البيوت الآن خالية.. الكل في الحقول”.

في مجامع الزيتون ينخرط كل في عمل، البعض يُسقط الزيتون من أعلى، وآخرون ينكفئون طول النهار يجمعونه حبة حبة ويفرزونه. يتبادلون أطراف الحديث، وتملأ ضحكاتهم المكان.

غير بعيد عنهم عائلات أخرى في المشهد نفسه وطقوس نفسها، وحين ينال منهم التعب، يدفعون تعب الزيتون بقليل منه وقليل من التين المجفف، وخبز لسد الرمق.      

لا تكاد تسمع إلا حفيف أوراق الزيتون تحت وطء القصب والعصي، تتحرك الفروع فتتساقط أمطار الزيتون رطبا جنيا.

تثمين للنمط التقليدي
وتساهم التعاونية النسوية لتثمين الزيتون بطريقة تقليدية، في دعم حوالي 17 امرأة بنصيب من الزيتون. يجتمعن بعد الجني لفرز الزيتون حسب النوع والحجم، ويقمن بإعداده للمائدة بالطرق التقليدية، مستعينات بالحامض والأعشاب المنسمة وخبرات الجدات.

بعد الانتهاء من الجني والفرز، تعطف فاطمة وزميلاتها ليلا على دق الزيتون بالحجر لشقه إلى نصفين، أو شرطه بالسكين وتعبئة ما أصبح جاهزا منه في العلب.

يجمع محصول الزيتون مساء، ويقسم بين “التخليل” أو التحويل لزيت الزيتون للاستهلاك الشخصي. وتخير بعض الأسر بيع كميات لتجار الجملة ومستثمري صناعة زيت الزيتون.

العمة رحمة تشحذ الهمم ليوم حافل بالعمل (الجزيرة)

ورغم التطور الذي شهده القطاع، ما زال كثيرون يحبون ما يسمونه “زيت الحجر” أي الزيت المستخلصة عبر طريقة الرحى الحجرية القديمة، التي لا يزال قسط من الساكنة في بعض الدواوير يستعملونها.

وفرة إنتاج
ويلاحظ الزائر لمناطق الشمال المغربي وفرة في الإنتاج هذا العام وإقبالا في طلب العمال (10 دولارات لليوم).

ويقول الطاهري، وهو أحد منخرطي تعاونية لعصر الزيتون بتناقوب في ضواحي شفشاون للجزيرة نت “إن الموسم يعرف وفرة في الإنتاج، مما يجعل الفلاحين يلجؤون إلى العمال لجمع المحصول”.

وكشفت توقعات صادرة عن وزارة الاقتصاد والمالية بالمغرب أن إنتاج الزيتون سيصل إلى حوالي مليونيْ طن من مساحة منتجة تبلغ 957 ألف هكتار، بنسبة ارتفاع تقدر بـ22.3% مقارنة مع الموسم الفلاحي السابق.

المصدر : الجزيرة

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *