طبيبات مغامِرات.. مغربيات يتخذن الترحال والتطوع وسيلة لتقريب العلاج للمناطق النائية
|مريم التايدي-مرتفعات الأطلس الكبير-أيت حدو يوسف
بابتسامة وروح دعابة لم تفارقها طيلة الطريق الرابط بين الدار البيضاء ودواوير (قرى) أيت حدو يوسف بمرتفعات الأطلس الكبير في المغرب والتي قطعتها طول الليل، لبست ماجدة غزال (طبيبة عامة) رداءها الأبيض، ووضعت سماعة دقات القلب.
لم يمنع سهر الليل وتعب الطريق ماجدة من أن تضع القليل من الماكياج على وجهها وكأنها ذاهبة إلى عملها اليومي، مع فارق أنه يوم عطلتها، وأنها في منطقة نائية معزولة تبعد عن مدينتها بمسيرة ليلة كاملة بالحافلة، وأن المناخ جاف وبارد يلفح وجهها.
قبل مشاركتها في القافلة الطبية المتنقلة، شاركت ماجدة في أربع قوافل طبية، وانخرطت في مبادرة “متطوعون رحل”، وهي مبادرة تجمع السفر بالتطوع في شقين: التعليم والصحة.
أجر العلم
انخرطت ماجدة، إلى جانب زميلاتها من الطبيبات المتطوعات، في استقبال وفود سكان القرية والابتسامة لا تفارقها. بحضور قوي ومعنويات مرتفعة، شخصت وعالجت، وضحت ووصفت الدواء، وبتلقائية وبساطة قالت للجزيرة نت “أنا جد سعيدة”.
وأضافت الشابة الحديثة التخرج والتي فضلت قضاء عطلة نهاية السنة بين الفقراء والمحرومين، “المتعة الكبرى هي إحساسي بأنني قادرة على مساعدة الناس، متعة شخصية وأجر عن العلم”.
تتابع ماجدة، بعد أن شخصت أكثر من أربعين حالة بين امرأة وطفل وشيخ، صباح اليوم الأول من مغامرتها وزميلاتها التي تدوم أربعة أيام وتشمل أربع قرى نائية، “نلتقي أناسا يبكون فرحا عند العلاج، نزور فئة لا تستطيع الولوج للتطبيب، ونصادف أمراضا تكون بسيطة وتتضاعف نتيجة عدم زيارة الطبيب”.
أسماء و40 قافلة
بأفق رؤية واضح، تحدثنا أسماء غندور (طبيبة متخصصة)، وتقول إن هدفها هو تقريب الخدمات الطبية للمنطقة التي انحدرت منها صغيرة بتفراوت، وتضيف “حلمي من البداية تقديم قيمة مضافة لمنطقتي”.
شاركت أسماء في أكثر من أربعين قافلة طبية كلها في المناطق النائية والبعيدة، حيث تراكم الخبرة وتقدم الخدمة، وتقول إن “المدن الكبرى مشبعة بكل شيء، وإن الفقراء البعيدين المعزولين هم الضحايا”.
دخلت أسماء مجال التطوع، وحين التقت بمبادرة “متطوعون رحل” أصبح لتطوعها بعد آخر، تمزج فيه العطاء بالأخذ. حملت أسماء معها آلة الكشف بالصدى “الإيكوغرافي”، وكشفت على الحوامل وعلى مسنين، قدمت النصح والدواء وما استطاعت من مشاعر وإرشاد.
بهجة عيون الناس
من جانبها تعمل وفاء الروضي (طبيبة عامة في سنة التخرج) على التوفيق بين دراستها وعملها بالمستشفى والعمل التطوعي. شاركت إلى جانب زميلاتها في خمس قوافل طبية، كلها في القرى النائية.
وعن تفضيل وفاء المغامرة والمخاطرة بدل الذهاب لصالون الحلاقة والتجميل أو التسوق خلال أيام عطلها، تقول “أجد راحتي أكثر حين أصل هؤلاء الناس، أحس بأنني أنا من تحتاجهم، وليس هم فقط من يحتاجون إليً”.
وتوضح وفاء، وهي ممددة فوق الحصى مساء بعد أن فحصت أفواجا من السكان، “أرى الفرحة في عيونهم تغالب دموعهم”، وتتابع وهي تغالب دموعها المترقرقة “يوجد أناس لم يروا الطبيب يوما في حياتهم، نقدم لهم خدمات بسيطة، ويردون بالدعاء بالتوفيق والرحمة على الوالدين، يعانقوننا امتنانا وعرفانا، وتبتهج أساريرهم التي أطفأها الحرمان”.
الطبيبات جميلات
خرجت من المستوصف المؤقت، تحمل طفلها الرضيع فوق ذراعها، وتمسك بالفتاة ذات الثلاث سنوات بيدها، في وقت تشارك فيه ابنتها الثالثة مع الأطفال ورشهم الترفيهي على هامش القافلة الطبية. خديجة العسري (21 عاما) تزوجت في السادسة عشر من العمر، لم تغادر قريتها يوما، تقول والبهجة مرسومة على أساريرها “بعدا شفنا الناس” (على الأقل شاهدنا أناسا آخرين)، وتضيف “الطبيبات جميلات، تعاملن معنا بلطف، وشرحنا لنا”.
ترفع الطبيبات المغامرات، وغيرهن من المشاركين في القافلة من ممرضين ومساعدين، شعار التطوع أسلوب حياة، ويؤمن هؤلاء بضرورة الاقتسام، يقول علي ممرض في طب العيون “من يعرف أي شيء، ولديه أي خبرة، ليقتسمها مع الناس الفقراء”، وأطلق علي نداء لكل الشباب “انهضوا للتطوع”.
فرح علي بمشاركته الأولى إلى جانب طبيبات متمرسات، وقال إن التجربة ستضيف إلى رصيده، وأعطته فرصة لتقديم خدمة لمن يحتاجها مهما كانت بسيطة.
ما مصيرهم؟
تتساءل ماجدة في حديثها للجزيرة نت “إذا كنا نحن نقضي خمس ساعات وأكثر مشيا للوصول إلى القرى، فكيف يمكن لهؤلاء الناس المتروكين لأنفسهم وقسوة المناخ، الذهاب إلى الطبيب، خصوصا الحوامل وكبار السن؟!”.
لباس المغامرة
بعد قسط صغير من الراحة وتناول وجبة غذاء، غيرت ماجدة ورفيقاتها ملابسهن، نزعن رداء الطبيبات، وها هن بلباس المغامرة وروح الاستكشاف والمعرفة، يقمن بجولة نحو قمة الجبل، تدفعهن نشوة العطاء وتزيد من طاقتهن. لكن ماذا بعد أن يغادرن؟ هل تلتفت الدولة لهذه المناطق وتقرب البنية التحتية وخدمات الصحة؟
المصدر : الجزيرة