هل يشهد عام 2019 نهاية التحقيق في مقتل خاشقجي؟

زاهر البيك-أنقرة

فتح عام 2019 أبوابه دون أن يغلق التحقيق في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وسط تهديدات تركية بتدويله وسعي سعودي لإغلاقه، فما مستقبل التحقيق؟ وما الجديد الذي سيحمله عام 2019 فيه؟

وتوقفت القضية عند مطالبة وزير العدل التركي عبد الحميد غل السلطات السعودية بإخبارهم بمكان الجثة وعدم تسترها عن أي معلومات متعلقة بها، في ظل ما وصف بالتعنت من الجانب السعودي ورفضه التعاون، علما بأن الجريمة أثارت استياء دوليا وكان لها انعكاس سلبي كبير على صورة السعودية.

وكان خاشقجي اختفى بعد دخوله قنصلية بلاده في إسطنبول في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ونفت الرياض أولا اختفاءه ثم أقرت بأنه قُتل وقُطّعت جثته داخل القنصلية في عملية نفذتها “عناصر غير منضبطة”، وطالبت النيابة السعودية بإعدام خمسة من بين 11 مشتبها به تم توجيه الاتهام لهم في القضية.

متى ينتهي التحقيق؟
وفي هذا الإطار، قال الخبير التركي في الشؤون العربية إسماعيل ياشا إن “هناك أسئلة كبيرة لم تجب عنها السعودية تتعلق بمصير الجثة وهوية المتعاون التركي الذي استلمها لإخفائها”.

وشكك ياشا -في حديثه للجزيرة نت- بوجود متعاون من الأصل، لافتا إلى أن الجانب السعودي يعلم مصير الجثة ومكانها، لكنه يخفي ذلك ويراوغ تركيا.

رجال شرطة أتراك خلال عمليات تفتيش في مدينة يالوا متعلقة بالتحقيق في مقتل خاشقجي (رويترز)

وشدد الخبير على أن القضية لن يتم إغلاقها البتة عبر تسوية ما قد تجرى بين الحكومتين السعودية والتركية.

ويعتقد ياشا أن القضية تتجه عام 2019 نحو التدويل، بسبب انعدام تعاون الرياض وفقدان ثقة أنقرة بالقضاء السعودي، مؤكدا أن العدالة لا يمكن أن تحقق في السعودية.

كما رجح عدم انتهاء التحقيق خلال العام الحالي، ولا سيما أن القضية تتجه نحو التدويل، ومشوار التدويل يستمر سنوات، وهذا ما لا ترغبه تركيا لكنها مضطرة له.

وتابع الخبير التركي أن “التدويل في حالة حدوثه لا يستهدف الإضرار بالسعودية ولا بعلاقاتنا معها، بل يستهدف كشف ملابسات الجريمة بأبعادها كافة ومعاقبة المجرمين”.

يشار إلى أن وزير العدل التركي عبد الحميد غل قال في حوار مع قناة “س إن إن ترك” إنهم قدموا للرياض وللإنتربول الدولي طلبا بتسليم المتهمين الـ18، ولم يستبعد وجود طرف ما كان يهدف للإضرار بتركيا من وراء تنفيذ جريمة الاغتيال على أرضها.

وفسّر الخبير ياشا رفض تعاون السعودية في التحقيق إلى أن أصابع الاتهام تشير لعلاقة ولي العهد محمد بن سلمان بالجريمة، مضيفا “لكن اتهامه بشكل رسمي يعود للقضاء”.

وتوقع أن اتجاه أنقرة نحو تدويل القضية سينعكس سلبا على العلاقات التركية السعودية، لأن السعودية تختزل الدولة بشخص محمد بن سلمان، وفق ياشا.

تسجيلات أخرى
من جهته، أكد رئيس تحرير الأخبار التركية في وكالة الأناضول التابعة للحكومة التركية عمر فاروق توكاد، بقاء التحقيق مفتوحا إلى أن تتحقق العدالة ويعاقب المجرمون، خاصة أنها قضية إنسانية، فضلا عن أن المسؤولين في تركيا يعتبرونها انتهاكا صارخا لسيادة الدولة، وفق تصريحه للجزيرة نت.

من أمام القنصلية السعودية في إسطنبول (الأناضول)

واتفق توكاد مع ياشا في أن تركيا تتجه نحو تدويل القضية في 2019، وقال إن أنقرة تريد الذهاب إلى الأمم المتحدة لكن هناك إجراءات تقنية تعيق تنفيذ الخطوة، فضلا عن تملص دول غربية كبيرة من دعمها، لافتا إلى أن كندا كانت من أكبر الداعمين ثم تراجعت.

وكشف للجزيرة نت عن محاولات مندوب تركيا في الأمم المتحدة فريدون سينيرلي أوغلو تشكيل لوبي دولي داخل الأمم المتحدة، بهدف دعم تدويل التحقيق.

وفي هذا الإطار، كشف مصدر خاص من مؤسسة الرئاسة التركية عن وجود تسجيلات مرعبة ما زالت تحتفظ بها تركيا، لم تكشف عنها من قبل.

وقال المصدر للجزيرة نت إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان غاضب جدا من محتوى التسجيلات الذي يثبت تورط مسؤولين سعوديين غير المتهمين الـ18 المعلن عنهم، إضافة لانزعاجه من مراوغة الرياض في القضية.

ورأى الصحفي توكاد أن التسجيلات التي تملكها أنقرة تعتبر ورقة مهمة ربما تستخدمها في الضغط على الرياض لإنهاء القضية بمعاقبة المجرمين أو دفعها نحو القبول بالتدويل.

ولفت إلى أن تركيا لن تقبل بركود القضية نتيجة القيود التقنية الدولية ورفض تعاون السعودية، وستسلك كل الطرق القانونية لإبقائها حيّة. 

أجزاء من الأدلة
من جهته قال رئيس بيت الإعلاميين العرب في تركيا، المدير السابق لقناة “تي آر تي” (TRT) العربية توران كيشلاكتشي، إن أنقرة ستواصل تدريجيا إخراج أجزاء من الأدلة التي بحوزتها لإبقاء القضية حية في مواجهة محاولات السعودية إماتتها.

العلم السعودي فوق مقر القنصلية السعودية في إسطنبول (الأناضول)

وذكر كيشلاكتشي للجزيرة نت أنه ما زال هناك أسرار مظلمة لم يكشف عنها كتاب “الدبلوماسية المتوحشة” الصادر عن مجموعة تركواز الإعلامية، والذي تناول أسرارا متعلقة بجريمة اغتيال خاشقجي.

وأضاف كيشلاكتشي -الصديق المقرب من خاشقجي- أن أنقرة ستذهب بعد شهور قليلة نحو محكمة الجنايات الدولية، لافتا إلى أنها تجهز حاليا الأوراق اللازمة لذلك، معتقدا أن القضية لن تنتهي خلال العام الحالي.

وبناء على هذه التحليلات، يرجح مراقبون أن تكون قضية مقتل خاشقجي أمام ثلاثة سيناريوات: بقائها مُعلّقة دون حراك متوقفة عند ما انتهى إليه عام 2018، أو حصول تسوية ما بين السعودية وتركيا ينتهي بمقتضاها التحقيق، أو تدويل التحقيق في القضية والذهاب لمحكمة الجنايات الدولية.

ووفق ما خلص إليه التقرير بعد سرد المعطيات والمعلومات واستطلاع آراء المسؤولين والخبراء، فإن السيناريو المرجح هو السيناريو الثالث، في ظل إصرار تركيا على تحقيق العدالة، وتعنت الجانب السعودي ورفض تعاونه.

المصدر : الجزيرة

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *