كيف أثر الوضع الاقتصادي على نتائج الانتخابات في تركيا؟
|خليل مبروك-إسطنبول
وعبر سلسلة متدحرجة من الإجراءات والقرارات، عملت منظومة “العدالة والتنمية” الحكومية والبلدية والحزبية على مواجهة ارتفاع الأسعار قبيل انتخابات البلديات بطرق مختلفة، ساهمت في تخفيف حدة الأزمة دون أن تقضي عليها.
فبدءا بالخضراوات ومرورا بمشتقات الوقود، أخذت أسعار السلع بالارتفاع منذ بداية هذا العام، قبل أن تتحول أسعار الدواء التي ارتفعت بنسبة 26.4% بداية مارس/آذار الماضي إلى “ثالثة الأثافي” في نتائج الانتخابات المحلية التي أجريت أول أمس الأحد.
وقام الحزب الحاكم بقراءة مبكرة لما سيواجهه من متاعب في يوم الاقتراع من خلال حساسيته العالية في التعامل المبكر والسريع مع الأزمات الاقتصادية، دون أن يحول ذلك بينه وبين خسارة بلديات المدن الكبرى كأنقرة وأضنة بانتظار الحسم في إسطنبول، أكبر مدن البلاد.
أحد مراكز بيع الخضار التابعة لبلدية إسطنبول ويتميز بأسعار مخفضة (الجزيرة) |
إجراءات مضادة
وأجرت الحكومة سلسلة تعديلات قانونية اشتملت على منح تخفيضات كبيرة، وتقديم تسهيلات غير مسبوقة للمستثمرين الدوليين والمحليين، ومولت المشاريع العقارية الكبرى، وسهلت للأجانب فرص التملك فيها، وأدخلت إصلاحات جوهرية على قانون التجنيس بغية جذب رأس المال الأجنبي.
كما شنت أنقرة حملة ضبط صارمة للأسعار واتخذت إجراءات عقابية صارمة بحق من لا يلتزمون بالتسعيرة الرسمية، ونفذت مداهمات على مراكز الاحتكار، وأقامت نقاط بيع بلدية تبيع الخضراوات بسعر المنشأ.
لكن نتائج تلك التحركات ظلت محدودة في مواجهة تشابك العوامل الاقتصادية الداخلية مع البواعث السياسية الخارجية في صنع الأزمة.
العوامل الاقتصادية
وتشير تقارير تركية وأجنبية إلى أن العوامل الاقتصادية ساهمت بشكل كبير جدا في توجيه الناخبين الأتراك إلى التصويت لمرشحي المعارضة خاصة في المدن الكبرى، وهي الأكثر معاناة من الأحوال الاقتصادية الصعبة.
ووفقا للتقارير فإن هناك ثلاثة عوامل اقتصادية تمثل تحديات ضخمة يمكنها أن تسقط أي حكومة مهما بلغ مستوى ثباتها، وهي التضخم وارتفاع الأسعار وانخفاض سعر صرف العملة المحلية، وهي الشروط الثلاثة التي تحققت معا في الحالة التركية قبيل انتخابات البلديات.
يقول الخبير الاقتصادي التركي أردال تاناس كاراغول إن الظروف الاقتصادية تمثل عوامل مهمة جدا في تحديد سلوك الناخبين، إلى جانب المؤثرات المحلية والأيدولوجية.
وأوضح كاراغول أنه كان طبيعيا أن يهتم الناخبون بالخدمات التي تقدمها البلديات لهم، وبالتوقعات الاقتصادية المستقبلية وظروف البلد المالية، رغم أن الحديث يجري عن انتخابات محلية غير برلمانية أو رئاسية.
ويستشهد الخبير الاقتصادي على المكانة الجوهرية للعوامل الاقتصادية في تحديد سلوك الناخبين عام 2009، حين حقق حزب العدالة والتنمية نسبة تصويت أقل مما حققه في الانتخابات البرلمانية التي سبقتها مباشرة عام 2007، بسبب التأثر الجزئي سلبيا للاقتصاد التركي بالأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008.
دفع الثمن
ويسجل مراقبون لحزب العدالة والتنمية نجاحه منذ وصوله إلى سدة الحكم عام 2002 في الحفاظ على نمو اقتصادي مستمر صاحبه ارتفاع في دخل الفرد، ويعتبرون ذلك من العوامل الجوهرية في فوز الحزب بكافة الاستحقاقات الانتخابية التي خاضها.
ويرى المحلل الاقتصادي التركي يالجين كاراتابيه أن الانكماش الاقتصادي الذي تعيشه البلاد اليوم أثر بشكل كبير على أصوات الناخبين وسلوكهم التصويتي، ودفعهم للتصويت بكثافة لحزب الشعب الجمهوري المعارض.
وأوضح كاراتابيه أن انخفاض قيمة الليرة أدى إلى ارتفاع مستوى التضخم، ومن ثم زادت البطالة بمستوى سريع جدا، وعانى منها الكثير من الناخبين الذين عملوا تلقائيا على تحميل فاتورتها للحكومة في صناديق الاقتراع.
طموح المعارضة
وقال المحلل الاقتصادي إن هذه الظروف الاقتصادية وفرت الطموح للمعارضة كي تعمل على الفوز في البلديات الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة وأضنة ومرسين وأنطاليا، مضيفا أنها نجحت في ذلك رغم عدم اتضاح الصورة النهائية بعد في إسطنبول.
ويرى أن النتائج تجاوزت طموح المعارضة التركية إلى الفوز ببلديات مهمة أخرى في قلب الأناضول، مشيراً إلى أن هناك ارتياحا في الأسواق تجاه نتائج الانتخابات.
المصدر : الجزيرة