القشرة الدماغية بيت التذوق لا اللسان
|فكرت المهدي
كشفت دراسة حديثة لفريق من الباحثين بجامعة كورنيل في نيويورك، عن الآلية التي تتمكن بها أدمغتنا من التمييز بين المذاقات الأساسية الخمسة وهي الحلو، والحامض، والمالح، والمر، والأومامي، حيث تم إثبات مذاق الأومامي كخامس هذه المذاقات عام 2002، ومصدره حمض الغلوتاميك وهو أحد أنواع الأحماض الأمينية.
ولطالما اعتقد الباحثون أن القشرة المعزولة في الدماغ -وهي قشرة في المخ خلف القشرة المخية الحديثة- هي المسؤولة عن كل شيء، ابتداءً من التحكم بالمحرك وصولا إلى التعاطف الاجتماعي. والآن أصبح بإمكاننا أن نضيف مهمة جديدة ألا وهي تعريف النكهات.
وتمكن فريق الباحثين من التحديد الدقيق للدور الذي تلعبه القشرة الدماغية في فك رموز الإشارات الصادرة عن اللسان عندما نأكل. وباستخدام بعض التقنيات الجديدة التي تعمل على تحليل أنماط النشاط الدقيقة، وجد الباحثون أن جزءا معيّنا من القشرة المعزولة هو المسؤول عن التمييز بين المذاقات المختلفة.
واستخدم آدم أندرسون وفريقه من جامعة كورنيل، عمليات مسح تفصيلية للرنين المغناطيسي الوظيفي من 20 شخصا بالغا، بالإضافة إلى نموذج إحصائي جديد للبحث بشكل أعمق في ماهية العلاقة بين القشرة الدماغية والذوق. وقد مكنهم هذا من فصل استجابة التذوق عن الاستجابات الأخرى المرتبطة بها، مثل الاشمئزاز الذي قد نشعر به عند تناول شيء حامض أو مرير.
أنماط مختلفة من النشاط
ولأن تحديد نقاط القشرة المعزولة المسؤولة عن اختبار الذوق كان مشكلة رئيسية، حيث إن مناطق متعددة من الخلايا العصبية تنشغل كلما أكلنا شيئًا ما، فقد تمكن الباحثون من فلترة بعض التشويش الذي يحصل أثناء اختبار التذوق، وقد توصلوا إلى أن الأذواق المختلفة لا تؤثر بالضرورة على أجزاء مختلفة من القشرة المعزولة، ولكنها تحفز أنماطا مختلفة من النشاط.
هذه الأنماط تساعد الدماغ على تحديد ما يتذوقه، فمثلا تم العثور على قسم معين من القشرة المعزولة يتوهج -من حيث النشاط العصبي- مع المذاق الحلو. بمعنى آخر، إنها البقعة المختصة بالمذاق الحلو، وقد أظهرت التجربة أيضا أن هذه المنطقة تختلف من إنسان إلى آخر.
ونقل موقع جامعة كورنيل عن أندرسون قوله “على الرغم من أننا حددنا مكانا محتملا لبقعة المذاق الحلو، فإن موقعه الدقيق يختلف من شخص إلى آخر. وقد استجابت هذه البقعة نفسها لأذواق أخرى، ولكن مع أنماط نشاط مميزة أخرى”. وأضاف “لمعرفة ما يتذوقه الناس، علينا أن نأخذ في الاعتبار ليس فقط مكان التحفيز المترافق مع مذاق ما، ولكن أيضا كيف يتم هذا التحفيز”.
مزيد من التبصر
جاءت الدراسة الجديدة استكمالا لبحث سابق تمكن فيه الباحثون من توضيح مدى الدور الذي يلعبه الدماغ في إدراك الذوق. وكان يُعتقد في السابق أن المستقبلات على اللسان هي المنوطة بإجراء معظم اختبارات الذوق، وقد أظهرت الدراسة السابقة كيف أن تشغيل بعض خلايا الدماغ وإيقافها في الفئران كان كافيا لمنعها من التمييز بين المذاق الحلو والمذاق المر.
لكن يبدو الآن أن المخ مسؤول إلى حد كبير عن هذه العملية، إذ يحدد اللسان مواد كيميائية معينة، بينما يتولى الدماغ تفسيرها.
وتضيف الدراسة الجديدة مزيدًا من التبصر حول ما يحدث في الدماغ البشري عندما نحتاج إلى معرفة ما نتذوقه، كما توضح مدى أهمية الوظيفة التي تؤديها القشرة الدماغية.
المصدر : الجزيرة