عبد السلام عارف ضابط عراقي مغامر ببدلة رئيس
|وليد المصلح-بغداد
لعل الشاب الذي يملؤه الطموح كان مصيبا في التحاقه بالكلية العسكرية التي تخرّج منها برتبة ملازم ثان عام 1941 لما يمتلكه من شجاعة وبأس لا يلين، لتقوده الأقدار شاء أم أبى إلى أن يكتب عنه ما يكتب ولو بعد زمن كرجل حرب وسياسة.
عائلته القادمة من منطقة خان ضاري إحدى البلدات الواقعة غرب بغداد حطت رحالها في محلة سوق حمادة في جانب الكرخ القديمة، وما كانت لتعلم أنها على موعد مع ولادة رجلين سيحكمان العراق فيما بعد.
ولد عبد السلام محمد عارف في 26مارس/آذار 1921 ونشأ في كنف أسرة مرموقة ذات نسب تعمل في تجارة الأقمشة، أكمل مراحله الدراسية وتخرج من ثانوية الكرخ عام 1938 شاقا طريقه بمزيد من الإصرار والتحدي.
كان جده شيخا لعشيرة الجميلة المعروفة، وخاله الشيخ ضاري المحمود أحد أبرز قادة ثورة العشرين ضد الاستعمار البريطاني آنذاك.
سماته الشخصية
شخصيته التي جمعت بين البساطة والعفوية لم تخف جانبا آخر من الحزم والصرامة والخطاب الارتجالي الشعبوي الذي أثار حفيظة مناوئيه في أحيان كثيرة.
مشاركته في ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 -التي عرفت بثورة مايو/أيار التحررية، وانخراطه في حرب فلسطين ضد إسرائيل عام 1948، أكسباه مهارة وحنكة في مقارعة الخصوم والثبات حين البأس.
يصنفه المؤرخون من جيل الضباط الثوريين الذين تصدوا لعمليات التغيير باستخدام الجيش على غرار ما جرى في سوريا من انقلاب حسني الزعيم، أو على شاكلة الضباط الأحرار الذين أطاحوا بالملك فاروق في مصر.
يصفه أستاذ العلوم السياسية مؤيد الونداوي بالضابط المغامر الذي لا يأبه بالخواتيم مستشهدا بقيادته لقطعات الجيش عندما كان آمرا للواء العشرين، وإطاحته بالنظام الملكي القائم حينذاك.
رسالته الشهيرة لوالده -التي طلب فيها رضاه والدعاء له بتحقيق النصر أو الشهادة في حال وفاته- تنم عن إرادة عنيدة في تحدي المألوف وعدم الركون لما هو قائم حيث أذاع عارف بنفسه البيان الأول من مقر الإذاعة صبيحة 14 يوليو/تموز 1958.
صراع السلطة
أصبح عارف الرجل الثاني بعد عبد الكريم قاسم الذي تسلم رئاسة الوزراء وأناط به منصبي نائبه ووزير داخليته، لكن حبال الود التي تربطه برفيق السلاح شابها التوتر والتعكر بعد دخولهما معترك السياسة.
ويبدو أن الخلاف الفكري لدى الرجلين ولد الصدع بينهما، فالتوجه القومي الإسلامي لدى عارف لم يكن متسقا مع قطب اليسار الذي اتهمه بالتآمر، فأبعده عن مؤسسة الحكم سفيرا في برلين.
بُعد المسافة لم يحل دون عودة السفير من غير علم السلطات، فاتهم بالتخطيط لقلب النظام بدعم من الشيوعيين، وتم القبض عليه ومحاكمته وإصدار حكم الإعدام بحقه، بيد أن قاسم لم يكن حازما في تطبيق الحكم فأفرج عنه بعد حين ووضعه تحت الإقامة الجبرية حتى انتهاء حكمه عام 1963.
حركة شباط
ويرى المؤرخ عبد الجبار محسن في حديثه للجزيرة نت أن البعثيين بعد استحواذهم على كرسي السلطة بزعامة أحمد حسن البكر “كانوا ميالين لعبد السلام عارف كونه من متضرري الحقبة الشيوعية وله تاريخ طويل في مناهضة قاسم، فأوكلوا له رئاسة الحكومة آنذاك”.
الصراعات التي دبت بين صفوف البعث والفرقة بين أعضائه مهدت الطريق أمام عارف لإحكام قبضته الحديدية على مقاليد الحكم، وساعدته في تنحية خصومه الأقوياء الذين أصبحوا في مهب الريح فيما بعد.
تأثر كثيرا بالرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وكانت له علاقة وثيقة بالقوميين في الداخل باعتباره رمزا للحركة القومية، كان يؤمن بالوحدة العربية وينادي بها مع مصر وسوريا لكنه بالضد من الوحدة الفورية.
اتسمت فترة حكمة اللاحقة بالاستقرار وكونها أكثر اتزانا وتفهما للسياسة الداخلية والخارجية، حيث شرع بطرح أيديولوجيته حول الاشتراكية الإسلامية وتحقيق الوحدة الوطنية لكل قطر عربي تمهيدا للوحدة العربية الكبرى.
وفاة غامضة
توفي عارف في 13 أبريل/نيسان 1966 إثر سقوط طائرته الخاصة بمنطقة القرنة بعد عودته من زيارة لمحافظة البصرة جنوب العراق حيث أمضى يومه كاملا في ضيافة المدينة، وقرر العودة عند المساء رغم تحذيرات الطاقم المرافق له من خطورة الطيران ليلا.
التحقيقات كشفت في حينها أن الحادث سببه عاصفة رملية، لكن فريق التحقيق الذي أرسلته الشركة الروسية المصنعة للطائرة الرئاسية أكدّ خلوّها من أي عطل فني ليسدل الستار على حادثة لا تزال غامضة حتى اليوم.
ثم تسلم شقيقه الأكبر عبد الرحمن إدارة البلاد بعد وفاته مكملا حقبة أخرى من حكم ضابطين دخلا عالم السياسة والحكم فخرجا منه ببزة الرؤساء.
المصدر : الجزيرة