المغرب.. التلاميذ ضحايا صراع الأساتذة والحكومة حول “التعاقد”

سناء القويطي-الرباط

تعيش الطفلة صباح وأسرتها على إيقاع الانتظار والترقب بعد توقف الدراسة منذ أسابيع في مدرستها القروية نواحي مدينة وزان (شمال)، صباح تدرس بالمستوى الإعدادي وأخواتها في الابتدائي، هن في عطلة مفتوحة بسبب الإضراب الذي يخوضه أساتذة التعاقد بالمغرب.

تقول فاطمة شقيقتهن الكبرى إنهن لا يعرفن متى ستستأنف الدراسة، في حين تتزايد بين الأهالي إشاعات حول اعتماد سنة بيضاء أو تعويض الزمن المدرسي المهدور خلال العطلة الربيعية المقبلة.   

هذا القلق تتقاسمه عائلة يوسف الذي يدرس في السنة الثالثة إعدادي بمدينة تامسنا بضواحي الرباط، بسبب إضراب معلمي العربية والرياضيات، وهما مادتان أساسيتان بالنسبة لهذا التلميذ الذي سيجتاز في يونيو/حزيران المقبل امتحانات الشهادة. 

تقول والدته فاطمة إن ابنها يعود كل يوم إلى المنزل ليخبرها باستمرار الإضراب، ولم تجد أسئلتها وأسئلة آباء التلاميذ الآخرين لإدارة المدرسة عن نهاية هذا الوضع أي جواب.

وتخشى فاطمة أن تنتهي هذه الإضرابات المتواصلة بعد فوات الأوان، ولا يبقى الوقت كافيا لإنهاء الدروس المتراكمة ليستوعبها ابنها وزملاؤه، معتبرة ما يحدث فوضى سيضيع وسطها تلاميذ المدارس العمومية.

 حضور أمني لافت في احتجاجات أساتذة التعاقد بالرباط (الجزيرة نت)

احتجاجات مشتعلة
ويخوض حوالي 52 ألف أستاذ ممن يطلق عليهم “أساتذة التعاقد” وأغلبهم يعملون في القرى والمدن الصغيرة، إضرابات واعتصامات ليلية ومسيرات جهوية ووطنية احتجاجية منذ ثلاثة أسابيع، للمطالبة بإسقاط نظام التعاقد وإدماجهم في الوظيفة العمومية رافعين شعار “الإدماج أو البلوكاج” أي أنهم يهددون بوقف التدريس إذا لم يدمجوا في الوظيفة العمومية.

ويقول الأساتذة إن نظام التعاقد الذي أطلقته الحكومة منذ 2016 جعلهم تحت رحمة المخاوف من الاستغناء عنهم في أية لحظة، وفي حالة من الهشاشة لا يشعرون معها بالاستقرار الوظيفي، وهو الوضع الذي يتعذر معه أداء المهام التربوية والتعليمية الموكلة إليهم على أكمل وجه.

بينما ترى الحكومة أن هذا النظام مكن من توفير كوادر تعليمية بأضعاف ما كان يتحقق في السابق، فخلال أربعة مواسم دراسية جرى توظيف 70 ألف أستاذ مقارنة بحوالي 60 ألفا خلال ثماني سنوات سابقة.

ولقيت مطالب الأساتذة المتعاقدين دعما من نقابات التعليم التي خاض المنتسبون إليها من الأساتذة المرسمون إضرابات استمرت ما بين يومين وثلاثة في الأسبوع، رفضا لسعي إدارات التعليم إسناد فصول الأساتذة المضربين لهم.

وخرج عشرات التلاميذ في مسيرات ببعض المدن، مطالبين بعودة الأساتذة إلى الأقسام، بينما دعا الائتلاف الوطني للدفاع عن التعليم العمومي إلى مسيرة شعبية الأحد المقبل بالرباط لإسقاط قانون التعاقد وللمطالبة بإصلاح حقيقي لمنظومة التربية والتكوين.

عرض ورفض
ويرى رئيس الكونفدرالية الوطنية لجمعيات أولياء التلاميذ محمد كشاني أن التلميذ هو الضحية والخاسر في حالة الشد والجذب التي تشهدها المنظومة التربوية بين تنسيقية الأساتذة المتعاقدين والنقابات والحكومة.

وبعد أن أكد ضرورة تحسين الوضعية المادية والمعنوية للأساتذة باعتبارهم العمود الفقري للعملية التربوية، دعا كشاني الأساتذة المحتجين إلى اتخاذ أشكال نضالية أخرى غير الإضراب عن العمل مراعاة لمصلحة التلاميذ وحقوقهم خاصة في هذه المرحلة الحرجة من السنة الدراسية التي شارفت على الانتهاء.

ولإنهاء الاحتقان قدمت الحكومة عرضا بعد لقائها مع نقابات التعليم الأكثر تمثيلية، اقترحت فيه 14 تعديلا تخلت فيها عن نظام التعاقد لصالح التوظيف الجهوي، ويدمج بموجبها الأساتذة ضمن أطر أكاديميات التعليم الجهوية، إلى جانب مقترحات تهم الترقية والتقاعد. بيد أن هذا العرض قوبل بالرفض من جانب النقابات وأيضا تنسيقية الأساتذة المتعاقدين الذين تشبثوا بمطلب الإدماج في الوظيفة العمومية.

وفي حديث مع الجزيرة نت اعتبر عبد الخالق بن اربيعة عضو “التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد” كما يطلقون على أنفسهم، أن وزارة التعليم تتعامل مع مطالبهم بسياسة الأذن الصماء، مشيرا إلى أنها لم توجه لهم أي دعوة لحوار مباشر للاستماع لمطالبهم قبل تقديم عرضها، وانتهجت سياسة الضغط والتهديد بالطرد.

التعاقد ومجانية التعليم
وبينما بدا كشاني متفائلا بالعرض الحكومي الذي قال إنه يتضمن إجراءات تحسن الوضعية المهنية للأساتذة، داعيا إياهم إلى ترك التصلب والعودة للفصول مع استمرار باب الحوار والنقاش حول الإجراءات المقترحة، يعتبره عبد الخالق مجرد “ماكياج” يخفي حقيقة مفادها أن نظام التعاقد لا زال قائما.

وأوضح أن الإضراب المتواصل عن العمل كان آخر الحلول التي لجأ إليها الأساتذة، بعدما تجاهلت الوزارة مطالبهم منذ العام الماضي التي عبروا عنها من خلال وقفات احتجاجية وإضرابات محدودة واعتصامات خارج أوقات العمل.

وأشار إلى أنهم يدافعون عن مصلحة التلميذ ومستقبل المدرسة العمومية لأن مخطط التعاقد في نظره يعني الإجهاز على مجانية التعليم وهو ما يرفضه جميع المغاربة.

 مدرسة في إحدى قرى الأطلس الجبلية مغلقة بسبب إضراب الأساتذة (الجزيرة نت)

خيار إستراتيجي
وخرج رئيس الحكومة سعد الدين العثماني في المجلس الحكومي الخميس ليعلن أن التوظيف الجهوي خيار إستراتيجي للحكومة ولا رجعة فيه، ولا علاقة له بالتراجع عن مجانية التعليم “فهذه المجانية خيار أساسي للدولة” حسب قوله.

واعتبر استمرار الإضراب بعد مراجعة مقتضيات النظام الأساسي الخاص بأطر الأكاديميات بما يكفل لتلك الأطر الاستقرار المهني والأمن الوظيفي “ليس له مبرر سوى السعي إلى تحقيق أهداف سياسية لا علاقة لها بمصالح الأساتذة وإلى إرباك المرفق العام”.

وانتقل النقاش والجدل حول هذه القضية إلى مواقع التواصل الاجتماعي بين فريقين أحدهما يدعم ملف الأساتذة المتعاقدين، موجهين انتقادات لاذعة للحكومة وطريقة تدبيرها لقطاع التعليم والأسلوب الارتجالي الذي تنهجه في التعامل مع المدرسة العمومية.

وأما الفريق الآخر يتهم الأساتذة بعدم مراعاة مصلحة التلاميذ وبكون مطالبهم غير واقعية لأنهم التحقوا بسلك التدريس في إطار التعاقد وشروطه التي كانوا يعلمون بها، لكنهم بعد مواسم من تعيينهم بدؤوا الضغط على الحكومة من أجل إدماجهم في الوظيفية العمومية.

المصدر : الجزيرة

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *