بين كلاب الصفوة والشوارع.. نصف مليون حالة عقر خلال عام بمصر
|حسن المصري-القاهرة
قال له عضك فوكس فين؟
قال له سيبنى اروح لحالي
انت شوف سي فوكس يمكن
خد تسمم غصب عني
الوكيل قال برضة ممكن
والشاويش قعد يغني
هيص يا كلب الست هيص
لك مقامك في البوليس
بكره تتولف وزارة للكلاب
ياخدوك رئيس
انت فين والكلب فين
انت قده يا اسماعين
طب دا كلب الست يا ابني
وانت تطلع ابن مين؟
هكذا سخر الشاعر المصري الراحل أحمد فؤاد نجم من حادثة عقر كلب أم كلثوم أحد المواطنين، وما تبعها من حفظ للتحقيق بدعوى أن “الخدمات التي أدتها أم كلثوم للدولة كفيلة بإعفائها وكلبها من المسؤولية الجنائية”، بحسب ما نقله نجم عن محضر الواقعة.
لم تكن هذه الواقعة الأولى أو الأخيرة في مسلسل عقر الكلاب للمواطنين سواء كانت كلاب ضالة تواجهها الدولة بالمطاردة والقتل، أو كلابا مدربة تمتلكها صفوة المجتمع، وتنتهي التحقيقات بالحفظ وبراءة الكلب وصاحبه.
كلاب الصفوة
أبرز الحوادث التي أثارت الرأي العام المصري، جرت نهاية الشهر الماضي، حيث عقر كلبان أحد الأطفال بمدينة “مدينتي” (شرق القاهرة)؛ الأمر الذي تسبب للطفل في تشوه في الوجه، ورغم هذا خرج صاحب الكلب بكفالة مالية قيمتها ألفا جنيه (الدولار نحو 18 جنيها) واكتفت الشرطة بالتحفظ على الكلبين في الحجر البيطري لفحص حصولهما على أمصال التطعيم من عدمه، وكشفت وسائل الإعلام المحلية عن أن صاحب الكلبين يعمل قاضيا، وهو ما عجّل بحفظ التحقيق.
لكن الحال اختلفت في حادثة أخرى وقعت بداية مارس/آذار الجاري، حيث كان الضحية ضابط شرطة هاجمه كلبان من نوع “بيتبول” الشرس أمام فيلا بمدينة الرحاب الراقية (شرق القاهرة)، وعقراه في يديه ووجهه وقدمه، وسببا له تشوهات كثيرة.
وبدأ القضاء سريعا نظر دعوى مرفوعة من الضابط ضد صاحب الكلبين، في حين تحدث محامي الضابط للإعلام مطالبا بمعاملة من يصطحب الكلاب الشرسة في الشوارع معاملة من يحمل سلاحا دون ترخيص.
وأكد المحامي استمرار موكله في دعواه القضائية رغم أن وسائل إعلام محلية تحدثت عن احتمال التصالح بين الضحية والمالك الذي تبين أنه من رجال الأعمال الكبار.
ويعاقب القانون المصري مالك الكلب حال إهماله وتسببه في مشكلة للمواطنين بعقوبات تتفاوت حسب الضرر، وتصل إلى السجن ثلاثة أعوام مع غرامة مالية.
وتوجد عدة اشتراطات لكي تكون هناك عقوبة ضد مالك الكلاب، من بينها القصد الجنائي وإهمال تدريب الكلب وعدم تطعيمه وعدم إصدار رخصة لحمل الكلب، بحسب الخبير القانوني عادل عامر في حديثه للجزيرة نت.
الكلاب الضالة
“خلال سيري بأحد شوارع منطقة العباسية (شرق القاهرة) كان هناك كلب يبدو عليه السعار بسبب نباحه طوال الوقت، فتملكني الخوف وقررت أن أهرب، لكن الكلب لاحقني وعقرني في قدمي”.
بهذه الكلمات يستهل كريم -شاب مصري عمره 34 عاما- تحذيره من انتشار الكلاب الضالة في شوارع مصر، منتقدا الحديث عن حقوق الحيوان وتجاهل حقوق الإنسان والأطفال ممن يتعرضون للمخاطر بسبب هذه الكلاب، التي تؤدي في بعض الحالات إلى الموت، في حال عدم توفر العلاج السريع.
وأوضح في حديثه للجزيرة نت أنه يخضع لعلاج مكثف بعد تعرضه للعقر، حيث قرر الأطباء علاجه عبر خمس حقن.
وارتفعت حالات العقر في مصر خلال عام 2018 لتصل إلى 482 ألفا و40 حالة، منها 303 آلاف من الكلاب، مقارنة بـ423 ألف حالة عام 2017، منها 32 حالة سعار في 2018، مقارنة بـ65 حالة فى 2017، وذلك بحسب تصريحات رئيس قطاع الطب الوقائي بوزارة الصحة علاء عيد أمام لجنة استماع بالبرلمان، والذي أوضح أن هناك ثلاثمئة مركز لعلاج العقر على مستوى الجمهورية.
وتشير الأرقام الرسمية إلى وجود 16 مليون كلب ضال في مصر، وفقا لتصريحات وزير الزراعة المصري عز الدين أبو ستيت خلال كلمته أمام البرلمان لمناقشة ظاهرة انتشار الكلاب الضالة وعقر المواطنين.
لكن دراسة صدرت في أكتوبر/تشرين الأول 2018 كشفت عن أن عدد الكلاب الضالة المنتشرة في القرى والمدن بلغ 22 مليون كلب ضال، وأوضحت الدراسة التي أعدها أستاذ الإدارة المحلية والخبير الاستشاري في المناطق العشوائية حمدي عرفة أن أعداد الكلاب الضالة تتزايد بشكل ملفت، حيث إن متوسط مدة بقاء الكلاب ودورة حياتها تصل إلى ثماني سنوات، أي أنه بعد عشر سنوات سيصبح عدد الكلاب في مصر أكثر من 44 مليونا.
القتل والرفق بالحيوان
يتيح القانون المصري رقم 53 لسنة 1966 إعدام الكلاب الضالة عن طريق الخرطوش أو تسميمها عبر حملات من الحجر البيطري التابع لوزارة الزراعة، لا سيما مع ارتفاع أسعار إخصاء للكلاب، الذي وصل إلى خمسمئة جنيه للكلب الواحد، بحسب تصريحات وزير الزراعة المصري، الذي أكد أن القتل هو أسهل وأفضل طريقة، لكنه يلقى معارضة كبيرة من جمعيات الرفق بالحيوان.
ففي نهاية العام الماضي أعلن المهندس شريف حبيب محافظ بني سويف قتل أكثر من 17 ألف كلب ضال، في الوقت الذي تبلغ فيه تكلفة استيراد سم “الاستركنين” – أحد وسائل قتل الكلاب- نحو مليار جنيه خلال ثلاث سنوات، بحسب وزارة التنمية المحلية.
وتنتقد جمعيات الرفق بالحيوان ما حدده القانون حول قتل الكلاب الضالة، مشيرة إلى أنها طريقة بشعة للتخلص من الكلاب التي تحتاج إلى اهتمام وعلاج وليس القتل بالسم أو الخرطوش.
تقول الناشطة الحقوقية في الرفق بالحيوان حنان دعبس إن القتل “لم يحل مشكلة عقر الكلاب للمواطنين التي ما زالت تزداد أعدادها”.
ووصفت دعبس في حديثها للجزيرة نت قتل الكلاب بالجريمة البشعة المخالفة للأعراف الدولية، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة الأميركية -على سبيل المثال- تحظر منذ سنوات سم الأستركنين بسبب أضراره البيئية.
واستنكرت الاتجاه إلى تصدير الكلاب لدول جنوب شرق آسيا، التي كان وزير الزراعة ألمح إليها في حديثه بالبرلمان، خاصة أن الكلاب تؤكل في بعض هذه الدول.
من جهتها، أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى بأنه لا يجوز قتل الحيوانات الضالَّة إلَّا ما تحقق ضرره منها؛ كأن تٌهدد أمن المجتمع وسلامة المواطنين، بشرط أن يكون القتل هو الوسيلة الوحيدة لكفّ أذاها وضررها.
وقالت الدار -في بيان لها عبر صفحتها على فيسبوك- إنه “لا بد من مراعاة الإحسان في قتلها؛ فلا تُقتَل بطريقة فيها تعذيب لها، ومع الأخذ في الاعتبار أن الأَولى هو اللجوء إلى جمعها في أماكن مخصصة استنقاذًا لها من عذاب الجوع حتى تستريح بالموت أو الاقتناء”.
المصدر : الجزيرة,الإعلام المصري