تعليم الأبناء اللغة العربية.. حلم الأمهات المغتربات
|سارة جمال-لندن
غير أن أزمة جديدة تفاجئ الأسر في ذلك الحين، كيف اختفت اللغة العربية من لسان الأطفال، بل أصبحت حملا عليهم، لا يحبذون التحدث بها ولا يطيقون تعلمها، هنا تبدأ رحلة الأمهات المغتربات في البحث عن وسيلة لتعليمهم اللغة العربية.
حينما انتقلت إلى لندن قبل ثلاث سنوات، لم يكن ابني الصغير يفهم اللغة الإنجليزية ولا يتحدث بها، حتى أنني واجهت صعوبات كثيرة في بداية التحاقه بالمدارس الحكومية، وكثفت جهدي وقتها لتعليمه كلمات أساسية من اللغة لتساعده في التعبير عن أهم احتياجاته في يومه الدراسي، ولكن بعد سنوات قليلة انقلب الحال، وأصبح علي مواجهة المشكلة نفسها، ولكن مع اللغة العربية هذه المرة.
حفل تكريم للمتفوقين بمدرسة بابل لتعليم اللغة العربية في لندن (الجزيرة) |
كيف تتلاشى اللغة الأم
في تعريف “اللغة الأم”، تصبح لغة أفراد الأسرة التي يتحدثون بها داخل المنزل هي اللغة الأم للطفل، وتأتي بعدها أي لغة يتقنها سواء تعلمها من المدرسة أو بأي وسيلة أخرى، غير أن الأزمة التي تواجه الأمهات المغتربات حينما تصبح اللغة الإنجليزية أو غيرها من اللغات الأجنبية هي لغة الطفل الأولى، ربما يفهم حديث والدته باللغة الأم، لكنه يفضل التفاعل والاستجابة باللغة الأجنبية، فتصبح المهمة مضاعفة، إذ كيف تقنع الصغير الذي دفعته لتعلم اللغة الأجنبية أمس، أن يتعلم لغته الأم اليوم.
بعد كثير من البحث عن مدارس تعليم اللغة العربية في لندن، كانت المدرسة السورية هي إحدى الوسائل التي تلجأ إليها الأسر المغتربة، وتعتمد على تقديم برنامجها التعليمي يوم السبت من كل أسبوع، ويقوم بإدارتها معلمون سوريون ويقومون بتدريس المنهج السوري للطلاب.
يعتمد المنهج على تكرار النص حتى يقوم الطفل بحفظه، ومن ثم يستطيع ربط ما أتم حفظه بالكلمات أثناء القراءة، يندهش الآباء من سرعة حفظ الأطفال للنصوص العربية، غير أنها لا تعبر عن فهم الطفل للغة، ربما يحتاج الأمر لسنوات حتى يجمع الطفل بين الطلاقة في الحديث باللغة العربية وبين فهم معانيها، هذا النهج يشبه إلى حد كبير نظام “الكُتاب” في مصر قبل عقود، الذي بقي منه بعض الأثر في القرى والأقاليم.
تقول سلمى -إحدى الأمهات المغتربات- “إن المدرسة السورية قائمة على طريقة في التحصيل تعتمد على التكرار حتى يحفظ الطالب النص، فالمعلمة تقرأ القصة أو النص بصوت مرتفع وواضح بين التلاميذ، وتطلب منهم تكرار ما قالته، حتى يحفظ الطالب القصة في النهاية”.
قد تأتي هذه الطريقة بنتيجة جيدة مع كثير من الأطفال، فكما ترى منال أن المدرسة السورية هي الأفضل والأقدم في لندن وأن منهجها في اللغة العربية هو الأقوى، فإن بسمة لا تحبذه لأطفالها، حيث تقدم مهارة الحفظ على الفهم والتفكر.
لكن الملل والضجر يتسللان إلى الأطفال سريعا، ومن ثم يبدؤون في المطالبة بحقهم في الاستمتاع بيوم إجازتهم الأسبوعية الذي يجعل من الأيام الدراسية ستة أيام لا خمسة.
الهرب من المدرسة إلى الدروس الخصوصية
أما هبة فتقول “لقد مررت على كل المدراس، المصرية والسورية والفلسطينية والعراقية، وانتهى الحال بنا للدروس الخصوصية وهي في رأيي الحل الأفضل للأولاد”.
ربما لا يمكن تعميم تجربة هبة، خاصة بعد أن أكدت نوال أن المدرسة العراقية هي الأفضل، حيث تتميز بقصر اليوم الدراسي الذي لا يتجاوز أربع ساعات فقط يوم الأحد من كل أسبوع، بينما المدرسة السورية يستغرق اليوم الدراسي بها 6 ساعات من التاسعة صباحا حتى الثالثة عصرا.
بعد رحلة من البحث يجد الآباء أن الدروس الخصوصية المنزلية هي البديل الأمثل للمدارس، لكن يبقى الأمر الأهم ماذا بعد تعلم اللغة العربية، هل يتحدث بها الأبناء خلال حياتهم اليومية؟
لغة بلا ممارسة
رغم حرص إيمان على تعليم بناتها اللغة العربية منذ الصغر، وتحديد واجب يومي لهن لإنجازه بعد واجبات المدرسة العادية، فإنها اكتشفت في النهاية أنها مسألة قدرات فردية، ولا يمكن تعميم الأمر بين الجميع، ففى حين تستطيع ابنتها الكبرى التحدث بطلاقة وقراءة اللغة العربية بشكل جيد، لا تستطيع ابنتها الوسطى أن تتحدث أو تقرأ الكلمات العربية.
فعلى مجموعات التواصل بين العائلة عبر واتساب لا يمكن لابنتها أن تفهم ما يقولون رغم أن عمرها قد تجاوز 23 عاما، وما زالت تحتاج الى تهجئة الحروف في القراءة.
وهذا لا يعنى فشل تجربة المدارس العربية عند الآخرين، فأماني حريصة على ذهاب أبنائها يوم الأحد من كل أسبوع إلى المدرسة الفلسطينية، كما تؤكد أهمية دور المنزل إلى جانب المدرسة في ممارسة التحدث باللغة العربية بشكل يومي مع الأبناء.
ورغم تميز ابنة إسراء في المدرسة السورية وتحقيقها نجاحا على مدار تعلمها هناك، فإنها ما زالت تتحدث بالإنجليزية بصورة دائمة فى البيت ومع الأصدقاء.
المصدر : الجزيرة