خبر تعيين ميت وزيرا للنقل يعمق جراح الصحافة المصرية

عبد الكريم سليم-القاهرة

يلجأ الصحفي الشاب علي إلى حيلة مع زملائه بصحف ومواقع إخبارية مختلفة تعينهم على تغطية أخبار وأنشطة الوزارة بأقل النفقات، تتضمن الحيلة تعاهدا غير مكتوب بقيام من يحصل على خبر بإرساله لزملائه بعد دقيقتين من إرساله لمكان عمله أولا.

اضطر وزملاؤه لهذه الحيلة توفيرا لنفقات العمل، في ظل شح المردود المادي للمحررين، وندرة المعلومات المتوافرة مع التعتيم الإعلامي المقصود، وفي نفس الوقت توفر للمواقع الخبرية التحديث السريع لها، دون أن يبدو الصحفي مقصرا أمام الإدارة “فقد جلب الخبر بالتزامن مع زملائه في الصحف والمواقع الأخرى”.

ويرى خبراء إعلام أن هذه الحيلة -التي باتت ظاهرة في الوسط الصحفي- تعد استسهالا في التناول ينتقص من قدرة الصحافة على تقديم الانفراد والخبر الوافي، وتعدد زوايا تناول القضايا المطروحة.

كما تجعل الصحفيين والإعلاميين عرضة لتلاعب مواقع التواصل بهم وسخرية روادها، خاصة حينما يتحمس إعلامي لقضية أو خبر، ويشن حملة بناء عليه ثم يتبين كذبه، وهو ما سقطت فيه مؤخرا معظم وسائل الإعلام المصرية، حيث نشرت خبر تعيين شخص متوفى وزيرا للنقل، نقلا عن تدوينة ساخرة لنجله أرادها فخا للإيقاع بوسائل إعلام المعارضة بالخارج، فسقط في شراكها إعلام الداخل المؤيد للنظام.

مجلس الإعلام قلق من تورط عدد من المواقع بنشر أخبار كاذبة (الجزيرة)

قلق رسمي
الواقعة أثارت ردود فعل واسعة، حيث أعرب المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام عن قلقه الشديد من تورط عدد من المواقع الإخبارية في نشر أخبار كاذبة خاصة بتعيين وزير جديد للنقل.

وقال بيان للمجلس صدر أمس الثلاثاء إن هذه الواقعة تمثل “مخالفة واضحة” للمعايير والقرارات الصادرة عنه والتي تحظر نقل الأخبار والمعلومات من مواقع التواصل أو من وسائل إعلامية أخرى دون التأكد من صحتها.

‎ورأى مراقبون في هذا البيان محاولة لإعادة الثقة في وسائل الإعلام القريبة من النظام، عقب سلسلة من الفضائح التي جعلته موضع تندر لمستخدمي مواقع التواصل.

فبيان المجلس مضى لإبراز التأكيد على “حرصه على مصداقية الإعلام المصري ومسؤوليته أمام المتلقي” مقدرا في نفس الوقت الاعتذارات التي قدمها عدد من هذه المواقع للقراء، وطالب باقي المواقع بضرورة تقديم اعتذارات واضحة وصريحة للقراء بهذا الشأن.

وانتقد مراقبون غياب دور مجلس نقابة الصحفيين، وانشغاله بالمعركة الانتخابية الجارية في أروقة النقابة، عن شأن يخص أساسيات المهنة.

ودافع عماد حسين رئيس تحرير صحيفة الشروق، وهي إحدى الصحف المتورطة في نشر خبر وزير النقل المكذوب واعتذرت عنه، عن التورط فيها بالقول إنها ليست المرة الأولى، مشيرا إلى وقائع عديدة سابقة.

وحمّل حسين القائمين على أمر الإعلام المسؤولية، وكتب في مقاله بالصحيفة أمس “لا عذر بالمرة لأي صحيفة حينما تنشر أخبارا مزيفة، لكن علينا أن نسأل بعض القائمين على أمر الإعلام: ماذا فعلتم لتساعدوا من يحاول الالتزام بقيم المهنة وشرفها وتنوعها وحريتها؟ والأهم ماذا فعلتم مع الذين ينتهكون كل يوم جميع القواعد المهنية على رؤوس الأشهاد من دون أن يرمش لهم جفن؟”.

الإعلام المصري تحول إلى أداة دعائية للنظام (رويترز)

القمع هو السبب
يؤكد قطب العربي الأمين العام للمجلس الأعلى للصحافة-سابقا أن الاعلام المصري يشهد أسوأ أيامه حاليا بعد أن تمكنت السلطات الأمنية من الهيمنة المباشرة عليه تحت إدارة شركات تابعة للأجهزة الأمنية.

 وفِي ظل حالة القمع الشاملة والهيمنة المباشرة على أغلبه، فقد هذا الاعلام حريته في تناول الأخبار وفقد حالة التنافسية، وفُرض عليه الابتعاد عن مناقشة القضايا الحيوية والانشغال بتوافه الأمور، بحسب العربي.

ويرى الأمين السابق أن ما وصفه بالاستسهال في التعامل مع الأخبار التافهة بات منهجا، ومن ذلك نشر خبر الوزير المرشح المتوفى، وتبني الإعلام سياسة الردح بالباطل ضد المعارضة بدلا من المناقشة الموضوعية.

وأضاف -في حديثه للجزيرة نت- أن حالة الإحباط العام والخوف دفعت الكثيرين إلى أن يجعلوا من أنفسهم رقباء على أنفسهم غير مكتفين بالرقابة الحكومية، وهذا المناخ لن ينتج صحافة موضوعية تستحق المتابعة من الجمهور.

ويرصد لجوء الصحف والمواقع والقنوات واعتمادها على صحفيين متدربين قليلي الخبرة نظرا لانخفاض تكلفتهم، وهي التي تعاني أصلا عجزا ماليا كبيرا لندرة الموارد الكافية، بعد انقطاع التمويلات الخارجية ونضوب موارد الإعلانات، فضلا عن نضوب عوائد البيع بعد انصراف الناس عنها.

تلف بأركان المهنة
من جهته، يرجع الكاتب الصحفي سيد أمين ظاهرة انعدام المهنية في الإعلام إلى ما وصفه بـ “التلف” في أركان العملية الصحفية، بداية بأداء الصحفي مرورا بشفافية المصدر وانتهاء بإمكانيات وسيلة الإعلام ذاتها.

ولفت -في حديثه للجزيرة نت- إلى التحاق عدد ضخم من غير المؤهلين للمهنة مشيرا إلى أن بعضهم لا يحمل مؤهلات عليا وتقدم للعمل بشهادات مزورة، لكن أجهزة الأمن دافعت عن وجودهم كصحفيين لأنهم ألسنتها الإعلامية، وصوتها في الانتخابات النقابية.

ويعتقد أمين أن ما تقوله اللجان الإلكترونية التابعة للنظام بمواقع التواصل عادة ما يكون نفس ما تنشره الصحف، لأن المصدر واحد وهو توجيهات المصادر الأمنية.

وتابع “نرى سقطات مهنية كبرى حينما يحاول هؤلاء التجويد، فينقلون مباشرة ما تردده صفحات اللجان للصحف، وهو ما جرى مؤخرا في واقعة وزير النقل، فصاحب التدوينة المكذوبة الساخرة واحد من مؤيدي النظام، لذلك نقلوا عنه بثقة دون تحرٍ”.

وأوضح أن من يحرص على المهنية من الصحفيين يعاني من قلق المصادر من التصريح بأي معلومة خشية أن تتم محاسبتهم، مضيفا “إزاء ذلك كله صار المتلقي غير مكترث بجدية ما يقال في الإعلام وينظر له نظرة ازدراء وعدم جدية”.

الأوضاع الصعبة التي تمر بها الصحافة المصرية، دفعت الكاتب الصحفي محمد جمال عرفة إلى توقع انقراض مهنة الصحافة بعد 24 شهرا، وهو ما أثار حزن متابعيه حيث اعتبر بعضهم أن الوضع أسوأ من الانتظار عامين.

المصدر : الجزيرة

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *