ربما تدوم أكثر من الحب.. هل الكراهية مرض يستلزم العلاج؟
|ما هي الكراهية؟ وما هو الحب؟ ولماذا يقول طبيب نفسي إن الكراهية أبقى من الحب، وإنه يمكن أن تكون الكراهية شديدة ومكثفة لدرجة أننا نشعر أن الحب جزء منها؟
تحاول الكاتبة باسكال سينك فهم الطرق التي تتحكم في تطور الكراهية وآلياتها، موضحة أن الإنترنت غارقة بالمصطلحات الدالة على الكراهية مثل “هيتر” التي تعني “كاره”، و”ترول” التي تعني الشخص الذي يبدي الملاحظات الجارحة أثناء النقاش والممتلئ حقدا.
وانطلقت الكاتبة من حالة الأستاذة ستيفان دو فانساي التي تنشط في محاربة الكراهية على تويتر والتي كانت ضحية لبعض “الترولز” الذين هاجموها سنة 2013، فكان ردها نشر كتاب بعنوان “الدفاع عن النفس ضد التحرش على الإنترنت”.
وفي محاولتها للرد على منطلقات الكراهية، قالت الكاتبة إن عالم النفس سيغموند فرويد المعروف بتشاؤمه يرد الكراهية إلى طبيعة النفس البشرية، في حين أن الطبيب شارل روجزمان يعتبرها مرضا، وهو يعالجها منذ 40 عاما.
علاج اجتماعي
وأشارت الكاتبة -في مقال بصحيفة لوفيغارو الفرنسية- إلى أن هذا الطبيب ابتكر بالتعاون مع شركائه إيغور ونيكول ورثينبولو ما يمكن تسميته بالعلاج الاجتماعي للكراهية، وهو عبارة عن مقاربة متعددة التخصصات.
وتهدف هذه الطريقة إلى إعادة بناء الروابط بين الجماعات والبيئات المقسمة والمتنافرة بفعل الأحكام المسبقة والخوف والعنف، كما حدث في رواندا بعد أن وقعت فيها إبادة جماعية، وفي كولومبيا بعد أن أصبح لزاما على قوات فارك التعاون مع المزارعين، وفي سويسرا والولايات المتحدة وفرنسا وفيما تسمى بالأحياء الصعبة وفي المدارس وحتى على مستوى الأسر والأزواج، حسب الكاتبة.
ويعالج هذا الفريق الكراهية بطريقة لا تخلو من مفارقة، وذلك بجمعهم الأشخاص الذين يكره بعضهم بعضا، ويقول روجزمان مؤلف كتاب “العنف داخل الجمهورية.. والضرورة الملحة لتحقيق المصالحة” “نحن نسعى لتحويل العنف الذي يغذيهم إلى صراع يظهر الخلافات الجوهرية من أجل معالجتها”.
ويوضح روجزمان أنه في حالة العنف ينزع الشخص البعد الإنساني عن خصمه، أما في حالة الصراع فلا يغيب عن الخصم هذا البعد، وبالتالي يجب خلق دافع مشترك وجو من الثقة بين الفرقاء لكي يتمكنوا من تحويل الكراهية والعنف إلى تبادل للمعلومات وإنشاء نوع من الذكاء الجماعي الضروري لحل المشاكل المعقدة المطروحة.
أما بالنسبة للعلاج الاجتماعي، كما تقول سينك، فإن الهدف هو تجاوز الحواجز العاطفية والأيديولوجية، وهو ما يمكن تحقيقه تدريجيا في إطار لقاءات حقيقية لا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي، حيث يجهل المتحاورون هوية محاوريهم، مما لا يشجع على التخلص من الكراهية.
ويقول روجزمان إن “أفضل طريقة للتخلص من الكراهية هي أن يتخلص الإنسان من النظرة الشيطانية التي ينظر إليه بها الآخر”.
ويلاحظ بعض الباحثين أن الإنترنت جمعت أناسا لم تكن بينهم معرفة من قبل، وهذا يمكن أن يكشف الكراهية والتصادم، كما توضح دو فانساي.
وتقترح دو فانساي جملة من الإستراتيجيات للرد على هجمات العنف والكراهية، منها أن تتجاهل الضحية ما تتعرض له من شتم، وأن تركز على ما تريد قوله أو فعله، أو أن تجيب المستفزين بنصائح بناءة، مشيرة إلى أن الخطأ الكبير هو أن تقوم الضحية بردة فعل سريعة ومباشرة لأن ذلك كثيرا ما يساهم في تغذية الكراهية.
ويقول روجزمان إنه من اللازم أن يسعى المرء للتحرر من دوافع الكراهية الدفينة في نفسه، في حين تقول فانساي إن تخلص المرء من الشعور بأنه ضحية وتعبيره عن تجاربه المرة كفيلان بنجاحه في تجاوز الكراهية على المستوى الشخصي.
وجهان لعملة واحدة
من جهته قال الطبيب والمحلل النفسي ديدييه لاورو عضو جمعية الفرويديين للبحوث، إنه عندما كان يكتب في موضوع الحب كان الأمر ينتهي به دائما بالكراهية.
وهذا يدل على ارتباط وثيق وغامض بين هذين الشعورين المتناقضين، الحب والكراهية، حتى إن عالم النفس جاك لاكان نحت عبارة مزج فيها العبارتين للدلالة على استحالة الفصل بينهما.
ولاحظ لاورو أن الكراهية أبقى من الحب، إذ إن بعض الكراهية تستمر مدى للحياة، وفي العائلات وبين الأطفال والآباء والأمهات والأخوة والأخوات، ويمكن أن تكون الكراهية شديدة ومكثفة لدرجة أننا نشعر أن الحب جزء منها.
ويقول لاورو إن الصراعات بين الأشقاء والحروب كانت موجودة دائما، وهي تعبر عن العنف الذي هو جزء من الطبيعة البشرية، ولكن المرضى غالبا ما يحاولون إخفاء الشعور بالكراهية، إلا أنهم في لحظة ما يندفعون في تداع حر يعبرون فيه بعنف وعدوانية تكشف ما بداخلهم من مشاعر الكراهية تجاه ذويهم.
ومن الخطأ محاولة إيقاف هذا التداعي الذي يتطلب التعامل معه من المحلل النفسي الكثير من اليقظة والحكمة.
المصدر : لوفيغارو